هزليات السياسة الأسدية (32)

هزليات السياسة الأسدية (32)

07 فبراير 2020
+ الخط -
لعبة المصادرة والتعفيش

ذكر لنا أبو الجود في سياق حديث سابق أنه كذب على رئيس كراج الحجز "أبو مصطو" عندما أخبره أن العميد قائد شرطة محافظة إدلب صديقه الشخصي، وشريكه في لعبة "الطَرْنيب". 

الغريب في الحكاية أن "أبو الجود" صرح في مستهل سهرة الإمتاع والمؤانسة بأن هذه الأكذوبة قد تحولت، بعد حصوله على موتوسيكل مُصَادَر من كراج الحجز، إلى حقيقة. وقال: 

- مرة من المرات أنا كنت في الشعبة، لحالي، ورن التلفون. رفعت السماعة وإذ بلاقي العميد ع الخط. قال لي: 

- مرحبا منحوس. أنا أبو عزام قائد الشرطة. اسماع شو بدي أقلك، لا تروح اليوم عَ القرية بعد الدوام، راح نسهر في مكتبي، وراح يجوا الضباط المناوبين وبدنا نلعب طرنيب 41. 

والله يا شباب أنا ظنيت الشغلة فيها مزحة أو مقلب، لاكن الساعة خمسة ونص تقريباً، أجا سائق العميد وقال لي: حضرتك المنحوس؟ 

قلت له: لأ أنا أبو الجود. 

قال لي: أي بس بينادوا لك المنحوس. تعال معي المعلم بيريدك. 

رحت معه. وسهرنا. المهم يا شباب صار العميد كل ليلة في آخر السهرة يوصلني بسيارته ع القرية، لأنه في الليل ما في أي نوع من المواصلات بين إدلب وقريتنا، والسائق تبعه بينصرف من الساعة تمانية. آخ يا شباب، لو تعرفوا أشو صار في ضيعتنا لما الناس عرفوا إنه اللي عم يوصلني بسيارته هوي قائد الشرطة. بس هادا مو موضوعنا هلق.

قال أبو جهاد: مو موضوعنا؟ لكان أشو موضوعنا؟ بس ما تقلي موضوعنا هوي لعب الطرنيب.

قال أبو الجود: موضوعنا لعب الطرنيب فعلاً. أنا يا شباب لما بلعب بورق الشدة بصير عصبي، بزعل وبعصّب من الغلب. بقول لحالي أنا مغلوب في هالحياة بكل شي، معقولة أخلّي حالي أنغلب باللعب كمان؟ 

قال أبو إبراهيم: أي. وبعدين؟

قال أبو الجود: في البداية كنت لما إلعب شراكة مع العميد أنقّي كلماتي، وأحكي مع الضباط، وبالأخص العميد أبو عزام اللي هوي أعلى رتبة وصاحب أكبر منصب بين الموجودين باحترام. كنت أقول له: 

- اسمح لي أقلك يا سيادة العميد إنه لعبتك غلط. لو أنك لعبت ديناري مو كان أحسن من البستوني سيدي؟ 

وكانوا الضباط التانيين يبتسموا، وأواقيت يتضحكوا لأنه إذا بيجتمع لعب الورق مع الاحترام بيصير شي متل المسخرة. واحد من الضباط رتبته عقيد صار يقلدني، يمسك تلاتاوية الكبة ويقول للعميد: بتسمح لي أطرنب لك الآس يا سيادة العميد؟ بعدها صار كلما يطرنب يقول له: يا خجلي منك يا سيدي العميد، اعذرني على هذه الطَرْنَبة الحقيرة. وينفلتوا كلياتهم بالضحك. 

قال أبو جهاد: كان عندنا مدير ناحية لما يغلط شريكه بلعب الورق يرفعه فلقة. بَشّرني أبو الجود، إن شالله أكلت كم قتلة من ورا اللعب مع العميد؟

قال أبو الجود: أنا عم بحكي عن الأيام الأولانية، كنت إحترمه كتير، بعدين صرت أبهدلُه، لما يرمي ورقة بستوني أنا أشيل الورقة وأقول له: أشو هاللعب اللي بيهوي! هادا تعفيس. ومرة تجرأت وقلت له: هادا مو لعب يا أبو عزام، هاي إسمها جحشنة. الضباط صاروا يضحكوا، والعميد قال لي: معك حق يا أبو الجود، اللي بيعاشر الجحاش متلك أكيد بده يجحّشْ! كمان الشباب صاروا يتضحكوا. على كل حال مو هون النكتة يا شباب.

قال أبو زاهر: لسه في نكتة؟ أنا عم إضحك لمجرد ما إتخيل إنك عم تقول للعميد: أشو هالجحشنة!

قال أبو الجود: مرة من المرات ونحنا رايحين ع الضيعة في سيارته قلت له: خيو أبو عزام، إنته ليش ما عدت عطيتني ورقة موتوسيكل مصادَر؟ 

قام هوي استغرب وقال لي: لأيش الورقة؟ إنته مو أخدت ورقة واستلمت موتوسيكل؟ 

قلت له: مبلى. صار. بس أنا بدي إحكي لك شغلة. 

وحكيت له شلون بعت الموتوسيكل بوقتها وصرفت حقه على القطايف والكنافة واللحم المشوي وعش البلبل والصفايح بلحمة. ما شفته غير ضرب فرامل، ووقف السيارة على يمين الطريق وضرب ع جبينه، وقال لي: 

- أنا عن جد غبي. هاي الشغلة ما كانت جاية على بالي أبداً. 

قلت له: أي شغلة؟ 

قال لي: يعني إنه هاي الموتوسيكلات بتنباع. ولك نحن في الأساس عم نصادرها من الناس ومو مكلفتنا شي، طيب ليش ما منبيعها ومنستفيد من حقها؟ 

قلت له: يا سيدي هاي الشغلة ما بتظبط.. لأن إنتوا عم تحاربوا التهريب، وعم تصادروا هالموتوسيكلات لأنها مهربة، ولما بتصادروها عم ينقص عدد الموتوسيكلات المهربة من الشوارع، أما إذا بتبيعوها راح يكتر عدد الموتوسيكلات المهربة من جديد. 

ضحك العميد أبو عزام ضحكة صارت السيارة ترجّ على أثرها وقال لي: 

- لما أنا بلعب بالطرنيب لعبة غلط بتقلي إنته (أشو هالجحشنة؟). أنا هلق اكتشفت إنه ما في أجحش منك إنته بكل هالمنطقة. 

قلت له: ليش؟ 

قال لي: يا غبي، إذا نحن منبيع الموتوسيكلات المصادرة للناس وبيركبوها ما راح يزيد عددها في الشوارع، لأني راح نصادرها من جديد!

قال أبو زاهر: شايفين يا جماعة هادا النظام شقد حقير؟ بزمانه أخوي رامي قرر يشتري موتوسيكل، وقعدوا هوي ومرتُه وحطوا خطة تقشف وتوفير طويلة الأجل، صاروا ياكلوا طعام مو مغذي، ويلبسوا من البالة، وما يشتروا لولادهم دفاتر وأقلام، وبقيوا سنتين على هالحالة، لحتى بالأخير تمكنوا من شراء موتوسيكل نظامي. لو كانوا شارين موتوسيكل مهرب كانوا الشرطة استولوا على تعبهم خلال دقيقة، وبيجي بعدين واحد واطي متل مدير المنطقة بيفكر يبيع الموتوسكلات المصادرة. مو بس هيك، ممكن يبيعها بربع تمنها، لأنها مو مكلفة عليه شي. 

قال كمال: الحكي تبع أبو زاهر صحيح، لاكن مصادرة الموتوسيكلات وبيعها عبارة عن جنحة بسيطة، وإذا بتقارنها بعمليات تعفيش البيوت اللي صارت خلال الثورة بيطلع معك إنها شغلة سخيفة.. إنته هلق عم تحكي عن مصادرة موتوسيكل، لكن أيام التعفيش كانوا يدخلوا عناصر الجيش والأمن وقطعان الشبيحة على بيت بانيه صاحبه خلال خمسين سنة، ويكنسوا محتوياته بالمكنسة!

(للقصة بقية)

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...