صارت معي!

صارت معي!

05 فبراير 2020
+ الخط -
الوثوق بما يقال لنا من قبل شخص غريب قد يكون في حد ذاته نوعاً من السذاجة. لكن مرافقته إلى وجهة مجهولة أثناء زيارتنا إلى بلد بالكاد نعرف عنه شيئاً، أشبه بمغامرة أو بتعبير أكثر صراحة ضرب من الغباء.

حين أستعيد ذكرى لحادثة حصلت معي يوماً، أفاجأ أنا ذاتي من ردة فعلي غير المحسوبة، وأتساءل كيف "صارت معي"؟..

توجّهت يومها إلى شاطئ البحر برفقة زوجي. كان اليوم الأخير لنا من رحلتنا على جزيرة كوسموي التايلاندية، فأردنا استغلاله على أفضل وجه. بيد أن خططنا تبدّلت، حين استوقفنا رجل على درّاجته النارية وراح يتحدّث إلينا بعفوية استلطفناها. كان يتمتع بروح مرحة أو ربما بخبرة عملية تسهّل تواصله مع أشخاص غرباء. تعارفنا وفي غضون دقائق استطاع إقناعنا بمرافقته إلى منتجع سياحي جديد.


قال لنا: "هناك حفل سيقام بمناسبة افتتاح المكان"، وإننا سنستمتع بالموسيقى وشاطئ البحر والمشروبات المجانية، مقابل ذلك علينا فقط التحدّث لمدة ساعة مع أحد الموظفين ليطلعنا على ما يقدّمه المنتجع من عروض. وقدّم لنا بطاقتي حظ. تضمنّت بطاقتي ثلاث جوائز تنوّعت بين جوال آيفون أو مبلغ مالي أو رحلة إلى أحد منتجعات الشركة المنتشرة في دول العالم والإقامة فيها لمدة أسبوع كامل مجّاناً.

ذُهل الرّجل حين أطلعته على ما تخبئه جائزتي. وقال بحماس: "أنت محظوظة للغاية. إنّها أكبر الجوائز التي يقدّمها المنتجع. لكن عليكما الآن مرافقتي لاستلام الجائزة".

بدا الأمر مغرياً. أمّن لنا سيارة تاكسي، بعد أن ركن دراجته على جانب الطريق. وانطلقنا جميعاً من دون أي تفكير في ما يمكن أن نواجهه. مع العلم أنّنا لسنا مراهقين لم يخطر على بالي وبال زوجي المخاطر العديدة المتوقعة في مثل هذه الحالات: "سرقة، اختطاف، قتل، اغتصاب ...".

انقضت ساعة والسيارة تقطع بنا طرقات وعرة وغريبة لم نمر بها من قبل، إلى أن وصلنا إلى الوجهة المقصودة وقد بدت شبه منعزلة، تقبع على مرتفع جبلي يطلّ على البحر. في المكان عدد قليل من الناس يجلسون بالقرب من بركة سباحة. ولم نر أي دلالات تشير إلى حفل قد ينظّم لاحقاً. هي اللحظة التي أثارت شكوكنا.

لكن بما أنّنا أتينا إلى المنتجع بسيارتهم وتعهّدوا بتوفير سيارة العودة، تردّدنا في اتخاذ القرار بالرحيل أو ربّما تملّكتنا تلك الرغبة في اكتشاف المزيد. دخلنا مبنى، وقابلنا موظفاً رافقنا إلى طاولة مستديرة. كان شاباً لبقاً في العشرينيات من العمر، أسهب معنا في الحديث عن اهتماماتنا ووظائفنا. طبعاً أراد أن يعرف قدرتنا المادية على المشاركة في المنتجع ولم يكن مجرّد حديث لتمضية الوقت.

سألنا عن عدد البلدان التي نزورها كل عام والمبالغ التي نصرفها على إجازاتنا. وكان يحسب المبالغ التي قد ندفعها على مدى 20 عاما، ويقدّم لنا عرضاً أقل تكلفة في حال مشاركتنا بعضوية المنتجع.

ثلاث ساعات مرّت، حاولنا خلالها الرحيل أو بالأصح الهروب، بيد أنّنا فشلنا أمام إصراره. قدّم لنا عروضاً مختلفة، وطلب مبالغ تقارب المائة ألف جنيه إسترليني، مقابل عضوية تستمر لعشرين عاماً.

كنّا قد تجاوزنا مرحلة الملل بعد مرور خمس ساعات، ولم نعد نأبه بالحصول على الجائزة أو الاستمتاع بالحفل المزعوم، أردنا المغادرة فقط. أدركنا أخيراً أنّ الأمر هو مجرّد "مشاركة وقت"، المعروف بالإنكليزية باسم (Time-share)، فضلاً عن استماتة الموظف لإقناعنا بالصفقة بأي وسيلة.

يومنا الأخير في تلك الجزيرة أردناه مميزاً، وفي لحظة تبدّل كل شيء، لنستنفد ختام رحلتنا بحديث عقيم. لكن الأهم أنّنا نجونا من توقيع عقد وقع ضحيته أشخاص كثيرون ندموا على لحظة السير وراء خطط مموّهة توقع أصحابها في المجهول. إلا أنّني ولغاية هذه اللحظة أتساءل: كيف "صارت معي؟".

دلالات

6364AD4E-A2A5-4819-99F6-1BAAD0929FF0
كاتيا يوسف

صحافية لبنانية مقيمة في لندن، خريجة الجامعة اللبنانية قسم العلوم السياسية والإدارية. مراسلة "العربي الجديد"، في بريطانيا، منذ عام 2014.