فكرة "البطل"... ما بعد تشرين العراق!

فكرة "البطل"... ما بعد تشرين العراق!

04 فبراير 2020
+ الخط -
إن هويتنا -الجزئية- المنبثقة من الشعوب الشرق متوسطية تتفق بثقافتها الأنثروبولوجية حول فكرة "استلهام البطل" والتبعية المخلصة له. والذي يعمل بدوره على صناعة الحدث والالتفاف حوله وحول الحدث لتقرير ما تبقى من الأحداث.

تعد "فكرة البطل" في التاريخ إحدى النظريات التي كانت مثار جدل بين فلاسفة التاريخ في العصور الحديثة، على الرغم من أن جذور هذه الفكرة تمتد الى عصور أسبق، إذ كانت من بين القضايا التي أولاها مفكرو اليونان والرومان بعض الاهتمام، ومهما يكن من أمر بشأن أصل النظرية، فإن الخلاف يدور في صنع الأحداث التاريخية والحضارية.


إن دراسة تاريخ أي أمة من الأمم تقدم لنا الكثير من الرجال الذين تركوا أثراً بارزاً فيه، لذلك فإن حاجة الأمة في الظروف الصعبة لقائد سياسي أو عسكري أو مصلح اجتماعي أو اقتصادي هي التي تساعد على ظهور الرجل المناسب الذي يقود شعبه في حالة لتغير والنهوض والرقي، فيكون ذلك الرجل بطلاً في نظر شعبه.

وحاجة المجتمع إلى التغير هي التي تساعد في ظهور البطل، مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض الحالات التي لا يستطيع فيها مجتمع ما صناعة بطل منقذ، بالرغم من حاجة ذلك الشعب له.

هناك بطل أدت أفعاله إلى تغيير وضع المجتمع من خلال الأحداث التي مرت به، وحاول أن يغير وضع المجتمع إلى وضع أفضل، دون أن يصنع الأحداث، وهذا النوع من الأبطال يسمى "رجل الأحداث"، أما النوع الثاني فهو الرجل "صانع الأحداث"، وهو الشخص الذي صنع الأحداث بقوة عقله وذكائه وقوة شخصيته.. والأقرب الى أن يكون بطلاً هو الرجل صانع الأحداث.

تتشكل هويتنا بشكل جزئي -"نحن" هنا تشمل الفرد والمجموعة- بالأبطال الذين نتخذهم لأنفسنا. إنهم يعكسون لنا النسخة المثالية منّا. لا يلعب البطل وحده هذا الدور، بل "الشرير" أيضا.. يساهم الشرير في تكوين ما سبق بشكل لا يقل أهمية عن البطل. إنه يساعد في تكوين صورة عن كل ما لا ينبغي أن نكونه وما ينبغي أن نقف لمواجهته بشدة وحزم.

احتجاجات تشرين 2019 كانت مختلفة نوعا ما حول نظرية البطل. فهم لم يمتثلوا لرجل الأحداث ولا إلى نظرية القائد. كانت الاحتجاجات الشعبية تسير بلا قائد ولا بطل. وإنما البطل والرمز هو من يسقط أمامهم صريعا مخضبا بدمائه! من يسبقهم نحو المواجهة هو القائد. الجريح الذي يسقط إلى جانبهم يتحول إلى رمز لهم وبطل يستلهمون منه روح الشجاعة والإقدام.

إن ما يميز هذا الجيل أنه صنع في مفهوم الحراك نظرية "قيادة الشعب للشعب" وهي أشبه بالنظرية الديمقراطية القائلة "حكم الشعب للشعب"! فقد حطم الصور النمطية التقليدية المتعارف عليها في فكرة القائد، وكان هو من يقود ذاته وينظم تحركاته، إن المشاهدات الحية من الميدان تدل على أن الشباب أنفسهم نظموا ما يريدون وكأنهم متفقون على ما يطلبونه.

فمثلا التنظيم الأمني واللوجستي وإنشاء خطوط الدفاع والمواجهة كانت تدار من قبلهم دون توجيهات قيادية أو بطلاً يجعلونه أمام أعينهم ليكون لهم مثلا.

إن التنظيم ذاته - يذكرنا - بتنظيم مواكب الخدمة الحسينية التي يعشيها العراق كل عام لمدة ستين يوماً، فهم جيل تربى على الخدمة الطوعية طيلة عقود نشأته، ولم تكن فكرة التنظيم الشعبي بعيدة عن حياته.