ليبيا والطريق الشاق إلى توافق الفرقاء

ليبيا والطريق الشاق إلى توافق الفرقاء

04 فبراير 2020
+ الخط -
ما زال وتر الحرب وسيمفونية الصراع تشق بشرخها المدن الليبية، تُريق دماء ساكنيها، تحرق فؤاد الأم الذي ظل "فارغا"، وصار التلاسن بين المتصارعين إلى حسم الواقع المشؤوم سُنة يتقنها الجميع في أداء فريضة البقاء للأقوى..

ليبيا والفشل في مفاصل الحالة السياسية اليوم أصبحت مرهونة بيد التكتلات الدولية التي تنظر إلى الملف الليبي بنظرات لا تبشر بأي تقدم في حلحلته، المنطقة العربية الملتهبة بساكنيها، والمتفرعة في قضاياها السياسية المتذيلة العالم، لم تكن تحسن القيادات في منطقة الشرق الأوسط غير الخنوع والانكسار، والشعوب قد أهلكتها نيران الحروب المستعرة منذ ربيعها العربي الذي أعيته الدبابات في قتل سلميته..

مؤتمر برلين وما قبله من مؤتمرات أرادت أن تعيد لليبيا الغائبة أو المغيبة شيئا من كرامتها المهدورة بأيادي أبنائها، وفشل المنظومة الدولية في إيجاد حلول ناجعة تخرج هذا البلد من أتونه، ودوي انفجاراته، والعودة إلى مربع السلم والأمن حتى يخرج الشعب الليبي إلى ساحاته وأشغاله يتنفس الحياة، يحس بحكومات توافقية فشلت أكثر من ثماني سنوات في رأب الصدع، والجميع يتاجر باسم العلم الليبي الذي رسمته ثورة 17 فبراير/ شباط، ومُهرت بدماء أبنائها حتى يصنعوا ليبيا التي أرادوها، لكن الفرحة لم تتم، وجميل لم يجد مراسيه، وقلب توجع بالفقد.


حفتر وصراع المصالح والطالع منها
لم يجد اللواء المتقاعد خليفة حفتر غير الاستعراض واللف والدوران في الشأن السياسي، الذي بات ظهوره فيه على المسرح الدولي كشريك غير معترف به أراد أن يشق طريقه في إفشال مسيرة الحكومة المعترف بها والتي يتزعمها فايز السراج..

لكن المعادلة بين شرعية الدبابة التي يقودها حفتر وشرعية السراج الشعبية لا تلتقيان أبدا مهما تعددت طاولات التوافق بين الرجلين، إلا أن مصر والإمارات تنظران بعين كليلة في القضية الليبية التي أرهق عميلهما حفتر - الذي انسحب من مؤتمر برلين في وثيقة توقيع أرادت إنهاء هذه المهازل - ليبيا لسنين خلت بخسائر دفع ثمنها المواطن المسكين..

رسائل الغزل التي تتدوالها بلدان المنطقة في تقاسم كعكة النفط الليبي الذي يسيل لعاب الجميع في المنظومة الدولية بجميع اختلافاتها والتي لا يرضيها إلا انقسامات الصورة الليبية متشظية ومنكسرة، تراكم عليها غبار الحرب ودخانه بعد جريان حمّام الدم الذي ظلت شوارع المدن الليبية تستحم به وهي ترى أبناءها تزهق أرواحهم بدون مبررات مقنعة..

ومع ذلك فأمام الشارع الليبي مفاصل القضية التي يجب أن يحسمها بعيدا عن الذين يتمسحون بالطائفية والمذهبية والارتماء في أحضان التدخلات الخارجية التي ألهبت المشهد بما هو عليه الآن..

فكيف تخرج ليبيا المتوحلة في صراعات المصالح مما هي فيه؟ ومن يرسم خارطة أمل ولو بسيط؟ وهل دول الجوار الليبي تقول كلمتها بعيدا عن أصوات أبناء البلد أنفسهم؟ وما هو دور مندوب الأمم المتحدة؟ وأين الاتحاد الأفريقي الذي ينكس رأسه بنظرات السيسي الذي يشرب من دم شعبه؟ إلى متى ولبييا تستعر وتحترق بأسلحة وذخائر الأيادي المندسة والجماعات المتقاتلة؟ كيف ليبيا الآن سياسيا واقتصاديا وتنمويا؟ أين تعيش وقد كُبلت بكماشات الشرخ الذي يهضم بريقها؟

نريد لعروس البحر طرابلس أن تحيا وتأخذ حُليها، نريد للشعب الليبي أن يخرج كما خرج في وجه نظامه الغابر ويحسم المهازل التي يشاهدها على طاولات العالم وعواصمه، ليبيا ليست إطارات تصب فيها الزيت وتشتم رائحته في شوارع قد خلت من ساكنيها، ليبيا بلد مضياف وفردوس أراد الجميع تحويله إلى جحيم مقيم..

لا أذكر هنا مؤسسة مشحونة فشلا كالجامعة العربية التي صارت قاعاتها محلات استراحة لوزراء خارجية البلدان الميتة، يرسلون إلى مؤتمرات ولقاءات عاجلة فيعودون وهم لم يفقهوا غير الأصوات المطلقة وقراراتها الجاهزة في حسم أي محاولات تريد أن تخرج عن روتينية الولاء المطلق..

فهل ما زال الطريق إلى تضميد جراحات الشعب ضبابيا؟ هل هناك بريق أمل يلوح في أفق السماء الليبية، وتصالح يختصر طريق هذه الحرب المشؤومة؟!
DCDA8F68-FEF8-4439-9CD6-C2BDBF199BE7
أبو بكر عبد السلام

إعلامي وناشط في الشأن التشادي والأفريقي، وسكرتير تحرير صحيفة "انجمينا الجديدة".