فاختر لنفسك

فاختر لنفسك

26 فبراير 2020
+ الخط -
لطالما فكرت، هل الحب شعور محض أم خطة ممنهجة، هل نحن مليؤون بالمشاعر أم نحن نتظاهر؟ على الأغلب أن العلم في هذا المجال يتفوق، فعلمياً إدراك العواطف ليس عمل القلب كما نعتقد، إنه عمل العقل حيث تقوم منطقة صغيرة تسمى اللوزة الدماغية بهذا الأمر.

الدماغ هو الذي يشعر بالحب - الكره - الخوف - الغضب، وهو الذي يقاوم ليحمي نفسه بغريزة البقاء على قيد الحياة، سواء بالأمل والتفاؤل، أو الألم والتشاؤم.
أي شعور لا يزول على الفور، لكنه يقل مع مرور الوقت، الجروح تلتئم مع استمرار الحياة، لذلك دائماً ما نقول لا تدع عضلة تضخ الدم تحدد مجرى حياتك، كن أنت موجهها، نحن بتنا في عالم يقلد ولا يبتكر، كل شيء مستنسخ، حتى تلك المشاعر التي كان من المفترض أن تكون أكثر خصوصية وتفرداً.

في سباق العواطف نحن الخاسرون، فقد تجرد كثيرون من إنسانيتهم وأصبحوا مجرد وحوش ضالة، ماتت القلوب، والرحمة انعدم وجودها، أصبحنا نتظاهر بالحب والكره، فنحن نقاوم ما نحب ونتحمل ما نكره.

الحب ليس كلمة، إن أردت تجربة الحب بحق، سوف تهيم وتزورك الصبابة وينشغف قلبك ويشقيك الكلف ويعميك العشق، ستجتاحك النجوى، وتهيم في الدنيا باحثاً دون وعي عن المحبوب، فأين نحن من مراتب الحب؟


في عالم الغرب كل ملحمة تاريخية تم تجميلها بقصة مختلقة يتم تزيينها وتخصيص يوم لها للاحتفال بها كعيد، فبعدما يترك المراهق بيته على سبيل المثال ليقوم ببناء حياته الخاصة كما يسمونها، تصبح العائلة شيئاً ثانوياً، لذلك خصصوا يوماً وسموه عيد الأم، التي من المفترض أن تكون عيداً لكل يوم، وجعلوا يوماً للأب ويوماً للأصدقاء ويوماً للعمال ويوماً للمعلم ويوماً للاستقلال، والقائمة تطول.

ولكن اليوم الأسوأ على الإطلاق هو اليوم الذي أطلق عليه اسم "عيد الحب"؟ هل نكره طيلة ثلاثمئة وأربعة وستين يوماً لنحب في يوم واحد فقط؟! المشكلة ليست هنا، المشكلة أن من يحتفلون بهذا اليوم أغلبهم لا يعرفون القصة الحقيقية خلفه، الجميع يظن أن اللون الأحمر هو رمز العشق والمحبة، ولا يعلمون أنه لون الدم لذلك القسيس الذي دفع حياته ثمناً لحب محرم عليه وكأن القساوسة ليسوا بشراً وقلوبهم لن تميل؟!

الحب نعمة تستحق أن نشكر واهبها ولكن لا يجب أن نجتر أنفسنا للاحتضار في سبيل شعور غير واضح المعالم، الحب أيها الجمع الغفير ليس حكراً على شخصين من كلا الجنسين، لله، للأهل، للأصدقاء، للوطن، للغرباء، للطيبين الصادقين المخلصين الأوفياء.

استذكر قول ابن الفارض في إحدى قصائده يقول فيها:
ولقد أقولُ لِمن تَحَرّشَ بالهَوَى
عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدف

أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ
فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي.

فاختاروا أحباءكم بعناية، الحب نعمة، ولا توقعوا الحب في غير أهله، علموا أطفالكم الحب، علموهم الحب بسخاء، علموهم الحب بعفة وقداسة، وألا ينجروا خلف القصص المزينة، بل أن يخلقوا قصصهم الخاصة التي تحاكي واقعهم وما قاموا بتجربته.

قال لي أحدهم ذات يوم، الحب كالحمل الثقيل إذا ثبته بالشكل الصحيح بطريقة لا يميل فيها سينقذك ويسعدك، ومهما كان حمله ثقيلاً سوف تتحملينه، ولكن الحمل الذي لا يطاق هو ذاك الذي يقع منك كل حين، وكلما مشيت به خطوة تزحلقت وكسر فيك شيئاً ما، سوف يتعبك ويشقيك ويؤذيك، لن يسمح لك بالتأقلم، لن يمنحك الراحة..

لنبسطها أكثر، مثلما لا تستطيع الجلوس على كرسي مكسور لا تستطيع حمل حب أعوج، لذلك كونوا عقلانيين، لنثبت أحمال حبنا وننهي قصصنا بطريقة مشرفة، لا تتجاهلوا مشاعركم، اعتنوا بها، وهذبوها، انشروا الحب طيلة حياتكم، إنه لا يحتاج إلى تخصيص يوم له، فحتى هذا الشعور النبيل بات تجارة مربحة.

لا تتاجروا بالحب فهو أسمى وأنقى وأطهر من أن يلوث، تعلموا كيف تكونون بقلب شفاف رقيق الشغاف، الحب هو الإنسانية فلا يستطيع من ليس إنساناً تجربة الحب أبدا!

دلالات