ما بعد سقوط الكومبين (15)

ما بعد سقوط الكومبين (15)

20 فبراير 2020
+ الخط -
لم يتسامح محمود الصعيدي مع كذبة أبيه، وأخذ موضوعها على صدره، بأكثر مما يحتمل الوقت والظروف. كنت قد انفجرت في الضحك فور خروجنا من جلستنا القصيرة مع كمال باشا وأبيه، ولم أتمكن من كتم الضحك حتى نصل إلى شارع بعيد عن مرمى البلكونة التي ظلت متروسة بزوجة الباشا وأمها وأختها، وحين غضب محمود واعتبر انفجاري في الضحك استهانة بمشاعره الغاضبة، قلت له بجدية إن ما حكاه لنا كمال باشا أثار إعجابي بوالده، بوصفه مصرياً صميماً موهوباً في رياضة تلبس الطواقي وتستيف الأونطة التي برع فيها أبناء هذا الوطن عبر العصور، وأن محمود سيكتشف مع مرور الأيام والتجارب أن تلك الرياضة الذهنية، أهم ما يجب أن يجيده المواطن غير المسنود في هذا البلد، خصوصاً في مجال القانون الذي يسعى محمود للتخصص فيه، لكن صديقي الغرّ المتحمس لم يلتفت إلى كلمة مما قلته، وبدا مصمماً على أن يتخذ من تلك الكذبة تكئة لمواجهة عاصفة مع أبيه.

اختار محمود أن تتم المواجهة مع أبيه في شبرا الخيمة في حضور أبلة عزيزة وأخته رانيا، وقد حاول الأستاذ عبد الحكيم تأخير ضربة البداية بإطالة أمد اللعب مع ابنته الصغرى، لكنها خذلته وراحت في النوم، فاستغل نومها ذريعة لتقصير أمد المواجهة وإجبار محمود ورانيا على خفض صوتهما خلالها، لكي لا يقلقا منام أختهما، رافضاً كل عروض نقل الطفلة إلى غرفة أخرى، أو نقل المواجهة نفسها إلى الصالة، متهكماً على ذلك الطلب بعبارة قالها وهو يخلط الجد بالهزل: "يعني مش كفاية بتعلوا صوتكم عليا، عايزين تمدوا إيدكم عليّ كمان"، فزاد من استفزاز محمود ورانيا الذين كانا قد ارتكبا خطئاً استراتيجياً، حين بدءا المواجهة من منطقة عالية، ليقرر الأب الحويط استغلال ذلك الخطأ، وبدلاً من أن يسخن هو الآخر في ردوده، اكتفى بالصمت الذي تقطعه عبارات قصيرة مليئة بالشكوى، تساعده على لعب دور الأب الممرور من افتقاد عياله للآداب والفضائل اللازمة للحديث مع أبيهما.

منذ البداية، حاولت أبلة عزيزة تنبيه محمود ورانيا إلى ذلك الخطأ وإقناعهما بالهدوء لأن "أخذ الحق صنعة"، خاصة أن الهدف الذي يجب أن يضعه الجميع نصب أعينهم هو محاولة إنقاذي أنا بالتحديد من الأزمة التي أنا فيها، إلا أنهما لم يستجيبا لها، بل وتطور الأمر إلى الأسوأ حين اتهمهما محمود غاضباً بمجاملة زوجها على حساب الحق، فقد كان يتوقع منها أن تُسمع أباه كلمتين في جنابه، لكي تشفي غليلهما، لكنها كانت بخبرتها العريضة مع البشر تدرك خطأ الضغط أكثر من اللازم على من تم الإمساك به متلبساً، ولذلك أصرت أكثر من مرة على التذكير بأهمية تبني التوجه العملي للتعامل مع الأزمة، وقالت لزوجها إنها تدرك حسن نيته، وأنه كان يرغب في خدمتنا بأي شكل، لكن المهم الآن أن يصلح غلطته، ويستغل علاقاته بجد هذه المرة لكي يضغط على الحاجة أم عادل فتوقف قرار طردي من شقتها.


وقبل أن يفتح الأستاذ عبد الحكيم فمه بكلمة، أخذت رانيا الميكروفون، وقالت ساخرة إن أكبر خدمة يمكن أن يقوم بها أبوها هو ألا يتدخل في الموضوع، لأن أي تدخل له لن يؤدي إلا إلى المزيد من الكوارث، وربما أدى تدخله هذه المرة إلى أن تقرر الحاجة أم عادل وضع يدها على شقتهم في العمارة وطردهم منها، ليرى الأستاذ عبد الحكيم في تلك العبارات الساخرة، فرصة لن تعوّض للنزول بالضربة القاضية غير المتوقعة، حيث انفجر فجأة في البكاء، وهو يكرر عبارات من نوعية: "خلاص اقتلوا أبوكم عشان غلط.. اقتلوه وريحوه وريحوا نفسكم.. الحمد لله إن أختكم نامت عشان ما تشوفش أبوها بيتهزأ من ولاده"، ثم ألحق تلك العبارات الدرامية بحسبنة سرعان ما قطمها، قائلاً إنه لن يكمل الحسبنة على أولاده مهما أساؤوا إليه، ثم رمى تصبحوا على خير على الجميع ولفح ابنته على كتفه وذهب لينام، وكالعادة علا صوت شخيره بعد دقائق من وضع رأسه على السرير.

كنت قد ذهبت إلى شبرا الخيمة تلبية لدعوة عاجلة من أبلة عزيزة، التي طمأنتني أنها تلقت وعداً من أكثر من شخص بالعثور لي على غرفة خلال أيام، وأن أخاها وعدها بأن يقوم بنقل عفشي وكتبي من الجيزة إلى الغرفة التي سأختارها فور أن أتفق مع مالكها على تفاصيل السكن فيها، ومع أنني كنت أدرك أن خبط المشوار من شبرا الخيمة إلى الجامعة كل يوم لن يكون مهمة سهلة، لكني ارتحت لما سمعته، لأنني كنت أعلم أن أبلة عزيزة لن تقوله "فنجرة بُقّ"، وأن سكني بالقرب منها سيكون به من المميزات التي تهون أثر عيوب المرمطة في المواصلات كل يوم.

كانت أبلة عزيزة قد بدأت في حكي تفاصيل جلسة المواجهة ووجهها مني في الأرض، لكن أساريرها انفرجت حين رأتني مسخسخاً من الضحك، قبل أن أعبر مجدداً عن إعجابي بحسن تصرف الأستاذ عبد الحكيم في الأزمات، حريصاً على ألا أصف ما فعله بالصياعة أو تلبيس الطواقي، خاصة أنها كانت تشاركني في عدم ذكر اسمه إلا مسبوقاً بلقب (الأستاذ)، سعدت أبلة عزيزة بما قلته، وقالت إنها كانت تتمنى أن يفهم محمود ورانيا أباهما مثلما فهمته، لأنه لو كان شريراً أو "وِحِش من جوّاه"، لقام بتحويل تلك المواجهة إلى خناقة طاحنة، ولما كان أحد قد لامه لو رماهما بكوباية شاي أو طقطوقة، وبالأخص محمود الذي كان غاضباً بشكل لم يسبق لها أن رأته منذ عرفته، وكان تفسيرها لذلك الغضب أنه تعبير عن إحساس بالخجل الشديد مني، لأنه ـ إذا لم أكن أعرف يعني ـ يحبني فعلاً وينظر إلي كأخ كبير كان يتمناه ورزقه الله به، وأنه قال لها إنه شعر بالسعادة حين عبرت له لأكثر من مرة عن تقديري لجدعنة أبيه معنا، وانبهاري من قوة علاقاته التي تمكنت من توفير شقة حكومية في وقت قياسي يحلم به أي مواطن متضرر، فإذا بي أكتشف أن أباه نخّاع ومهياص.

لذلك اعتبر محمود كل محاولاتي للتهوين من الموقف، رغبة في التغطية على غضبي مما جرى، وقام بتسخين رانيا التي لم تكن في الأصل متحمسة لخوض مواجهة جديدة مع أبيها، لكنها رأت وجاهة في ما قاله محمود عن أهمية الضغط على الأب أمام زوجته، لدفعه لأن يعتذر لي ولمؤمن عن كذبته، وحين قالت له رانيا إن تلك الكذبة في النهاية أخرجت أسرة الضابط من الشقة بسرعة، سخف من فكرتها وقال لها إنها تنسى أن والد الضابط رجل لبط ومشهور عنه التورط في المشاكل، وكان يمكن أن يقوم بتسليط أحد ليقوم بأذيتنا نحن، أو بإيذاء محمود ورانيا، وأن تجاهل الأب لهذه الحقيقة التي يعرفها جيداً وتصرفه برعونة، يجعله مطالباً بالاعتذار لنا، وهو بالطبع ما لم يكن سيفعله الأستاذ عبد الحكيم حتى لو انطبقت السماء على الأرض، خصوصاً حين بدأ محمود ورانيا بإعلان هذا المطلب في بداية المواجهة، فرد عليه الأب هازئاً: "وهل تحبوا أبوس إيدهم بس ولا لازم أبوس طيازهم كمان؟"، فساهم في إشعال غضب محمود ورانيا، بشكل جعلهما يخسران مواجهتهما معه منذ البداية.

ومع أنني قلت لأبلة عزيزة أنني أتفق مع ما قالته رانيا، لأننا لولا ما فعله أقارب مؤمن بالكومبين اللعين، لما كنا سنعرف بما فعله الأستاذ عبد الحكيم، ولا نستطيع أن نرجم بالغيب ونؤكد فرضية قيام والد كمال باشا بإيذائنا غضباً من التهديد الذي تلقاه من الأستاذ عبد الحكيم، إلا أنها وجدت في الموقف فرصة لإشراكي في بعض همها، فاستغلت لحظات دخول أختها مجيدة إلى المطبخ، وقالت لي بعد لحظات من التردد، إنها تتفهم غضب العيال من زوجها، لأنه لم يثبت لهم أن لديه علاقات قوية كما كان يفترض بموظف مثله قضى عمراً طويلاً في شغل الحكومة، لكنها أضافت مفضفضة: "لكن يعني هو في حد هيعرف يربي أبوه؟.. إذا كانت الواحدة مننا يستحيل تغير جوزها مهما عاشت معاه.. يبقى العيال هيغيروا أبوهم؟ وبعدين همّ مش بيقولوا خد صاحبك على عيبه.. شوف انت الواحد لازم يعمل إيه مع عيوب أبوه؟".


ولكي لا تترك الأبلة لشيطاني فرصة في إساءة تفسير كلامها قالت شارحة ومعلمة أيضاً: "بص هو أبوهم راجل طيب وحنين وما بيقبلش على نفسه الحرام والأهم من كل ده دمه خفيف.. عشان الواحدة ممكن تعاشر أي حد إلا أبو دم تقيل.. في ناس تقولك ما فيش أوسخ من البخيل.. بس ما تآخذنيش في الكلمة الراجل البضين ألعن وأضل من البخيل"، ثم أخذت لحظات صمت كأنها تزن كلاماً ما في دماغها ثم أضافت: "هو للأمانة شالأستاذ عبد الحكيم مش بخيل.. هو حريص ويتين ودي مفهومة يعني.. أصل يستحيل تلاقي موظف مش حريص.. خصوصا لو كان موظف شريف.. بص من الآخر هو الراجل ما فيهوش عيب غير المَعر والفشر.. هنعمل إيه بقى.. هنفصّل ناس على مزاجنا.. واحد ربنا جعل لذته في الحياة إنه ينخع على اللي حواليه عشان يحسسهم إنه مهم وجامد.. وبيني وبينك ساعات كتيرة يبقى اللي بيقوله دمه خفيف.. وتبقى عارف وهو كمان عارف إنك عارف إنه بينخع.. واللي بيقوله يعدي من غير أذية.. وعلى رأيك طالما ما حصلتش أذية لحد فليه نكبر الموضوع بدل ما نلمه ونركز في المشكلة اللي احنا فيها"

كان من الصعب على محمود أن يفهم منطق زوجة أبيه بنت السوق التي قرأت كثيراً في كتاب الّلوع، ولذلك اعتبر أنها تضحك على نفسها، لكي لا تخسر الرجل الذي طلعت به من الدنيا، مع أن ذلك لو صح لم يكن عيباً لكي يؤاخذها عليه، خاصة وقد عاشت حياتها وسط مجموعة من حملة المآسي، يصلح كل منهم ليكون بطلاً من أبطال رسائل بريد الجمعة التي تسيل مدامع القراء، أو موضوعاً لحلقة توجع القلوب في برنامج (حياتي)، وكان عليه أن ينتظر طويلاً حتى تعلمه الأيام وجاهة النظرة الواقعية التي تحلت بها أبلة عزيزة، ومع أنني لم أكن أكبر من محمود بكثير، إلا أن تجاربي المريرة كانت قد جعلت تلك النظرة الواقعية جزءاً من تكويني منذ سنوات بعيدة. كان محمود يغضب مني حين أقول له إن عليه أن يحمد الله ويشكر فضله ويبوس يديه وجهاً وظهر، لأن عدد المرات التي ضربه فيها أبوه لا تتجاوز أصابع اليد اليمنى وبعضاً من أصابع اليسرى، وأن أبرز مشاكل والده المزمنة هي غرابة أطواره، وهي مشكلة لا تزن الكثير في محاكم تقييم الأبوة، لكنني كنت أدرك أن محمود لم يكن مجبراً على أن يتبنى نظرتي للأبوة ومشاكلها، فهو ابن تجربته وصاحبها، كما أنني كنت خلال تقييمي لعلاقته مع أبيه، أقلل من أثر رواسب علاقة الأب مع الأم، والتي أصبحت أدرك مع زيادة معرفتي به أنها لا زالت تؤثر على محمود ونظرته لأبيه، وأظن أنها كانت السبب الأهم في رغبته في مواجهة أبيه بسبب ما حدث، ورفضه أن يرى تفاهة الموضوع فيتجاوزه.

على العكس تماماً، قررت رانيا ألا تطيل أمد مواجهتها مع أبيها، واستجابت لدعوة أبلة عزيزة بالاعتذار له عن سخريتها التي أغضبته، مع أن رانيا كانت تعلم أن دموعه لم تكن حقيقية، فقد سبق لها وأن رأت ذلك التكنيك باتع السر أكثر من مرة، لكن رانيا التي وجدت ونساً حقيقياً في إقامتها في شقة شبرا الخيمة، أدركت أن تعكير الأجواء لن يكون في مصلحتها، واختارت الرضا بالقليل الممكن على طلب الكثير المستحيل، والقليل هنا عائد على وصف ما ترجوه من علاقتها بأبيها، وليس على ما ترجوه من علاقتها بسكان شقة شبرا الخيمة الذين وجدت لديهم أكثر مما كانت تتوقع، فهي لم تجد هناك أماً واحدة هي أبلة عزيزة، بل أماً ثانية هي أبلة مجيدة التي كان لديها فائض من مشاعر الأمومة، كان قد تراكم منذ كبر حسن وسلوى ابنا أختها الراحلة، وأصبح الأول فرد أمن قد الدنيا أو "سكعورتي" كما كانت تناديه ساخرة، فأصبح "يزمزق" من احتضانها له في الرايحة والجاية، وأصبحت الثانية مشروع دكتورة ترى أنه لا يليق بها أن تُعامل أمام الجميع معاملة الأطفال، ولذلك أغدقت مجيدة على ابنة أختها وابنة زوج أختها الكثير من المحبة والتدليل والحنان، وكان من حسن حظ رانيا أن حسن وسلوى بدورهما لم ينفرا من اقتحامها لأجواء البيت، بل أحباها كأنها أختهما القادمة من سفر بعيد إلى ما وراء النيل، ولأنها كانت معتادة على تأفف محمود من رغبتها في الرغي والثرثرة، لأنه يفضل القراءة أو الفرجة أو التسكع مع صاحبه الذي هو أنا، فقد وجدت ضالتها في الكثير من الآذان المستعدة للسمع، والأفواه المستعدة للحكي، والأيدي التي تحب الطبطبة وتعتبرها من ضرورات الحياة.

ولأن محمود كان بحكم تكوينه حذراً في إلغاء المسافات بينه وبين الآخرين، حتى وإن أحبهم، فقد قوى ذلك قلبه الغضوب، على أن يتخذ قراراً بمقاطعة أبلة عزيزة وشقتها، لأنها خذلته في مواجهته مع أبيه، وبدلاً من أن يذهب للإقامة في شقة خالته في حلوان كما تعود من قبل، قرر خوض مواجهة مع أبيه بالعودة للإقامة الكاملة في شقة الجيزة، ليساهم بصمته الرهيب وتكشيرته الدائمة في كهربة أجوائها، وهو ما لم يكن الأستاذ عبد الحكيم يجد فيه أدنى مشكلة، فقد كانت له عِشرة طويلة مع القمص، تجعله محصناً من آثاره الجانبية، وهو ما كان يستفز محمود، الذي كان يحاول جاهداً أن يستدرج والده إلى نقطة مواجهة تساعده على تفجير المزيد من الغضب الذي لم يُتح له أن يخرجه في مواجهتهما في شبرا الخيمة، وللأسف فشلت محاولاتي في إقناعه بعدم جدوى الاستسلام لتلك الحالة التي ستستنزفه عصبياً، وستبهج أباه أكثر مما يتصور، ليكشف لي محمود أنه يخفي خلف طيبته ورقته وتهذيبه عناداً رهيباً جعلني أحبه أكثر، لكنه جعلني أيضاً أشفق عليه من تداعيات ذلك العناد، ولم أكن أدرك وقتها أنني سأكون بعد سنين قليلة ضحية لذلك العناد الذي لن يتغير ولن يلين، حتى بعد أن قرر محمود تغيير نظرته المثالية للحياة، واستبدلها بنظرة انبطاحية كاملة الأبعاد.

لكن كل ذلك كان كوماً، وكان رد فعل الأستاذ عبد الحكيم حين التقينا لأول مرة بعد ما جرى كوماً آخر، ومع أنني لم أكن أتوقع مثلاً أن يبادرني بالاعتذار عما حدث وأن يطلب مني تفهم موقفه، إلا أنني لم أكن أتوقع أيضاً أن يأخذني بالحضن لأول مرة منذ عرفته، ثم يقول لي بعد ضحكة عريضة وهو في غاية الانتشاء: "شفت صاحبك الواد محمود الأهبل.. قال إيه كان فاهم إني هاجيب فعلا شقة للضابط المخروق وعيلته الضلالية اللي رموكو فوق السطوح رمية الكلاب.. بقى ده اسمه كلام؟ هو الواحد لو عنده فرصة يخدم هيخدم ناس ولاد وسخة زي دول؟ ده أنا لو كنت أطول أرميهم في الشارع مش هاتأخر.. عشان يحسوا باللي عملوه فيكو.. بس إيه رأيك في الخازوق اللي ظرفتهولهم؟ عجب مش كده.. يالله عشان يتعلموا إزاي يعاملوا الناس المحترمة اللي زيكو.. أي خدمة يا عم".

قال الأستاذ عبد الحكيم كل ما لديه، ثم سلم علي بنفس الحرارة، وتركني لأواجه حقيقة أنني سأظل إلى الأبد وأياً كانت الملابسات محبوساً في وضع المعترف بالجميل للأستاذ عبد الحكيم، إلا إذا ذهبت للسكن إلى أبعد مكان عنه، وقطعت علاقتي بعياله وزوجته وكل من يتشدد له، لكي لا يصلني عبرهم أي تأتيت أو تذكير بجمايله الكثيرة علي، وبدأت أقول لنفسي إنه برغم كل ما سيترتب عن الخروج المفاجئ المهين من شقة الحاجة أم عادل من مشاكل، خاصة بعد أن خذلني كل السماسرة الذين حاولت أن أعثر لديهم على حل سريع، فإن البعد عن الأستاذ عبد الحكيم سيكون المكسب المؤكد الوحيد، لكن ذلك لم يحدث، فقد اتضح أنه لا يزال لدي نصيب لكي أكمل الإقامة في الشقة فترة أطول، بعد أن جاء الحل على يد آخر من كنت أتوقع منه أن يكون جزءاً من الحل، وقد كان هو المشكلة.

.....

نكمل الأسبوع القادم بإذن الله.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.