أيام الزمن الجميل

أيام الزمن الجميل

19 فبراير 2020
+ الخط -
لطالما نحاول، وبصورةٍ دائمة، استرجاع بعض ما قذفت به الأيام بعيداً عنا، وما خلفته من هموم قاسية قصمت ظهر الكثير منا، وترانا بعد أيّام وأشهر وسنين انقضت نستشفّ حالها، وما مدى حُبنا وولعنا وشهوتنا لها، ما يسعفنا على تذكّرها، والتمجيد والتغنّي بمآثرها..

ولهذا لطالما نشحذ ما بداخلنا من رغبات لجهة التمجيد بها، ونفرح أشدّ الفرح لمجرد تذكّرها والاستئناس بها، وإعادة بسط ما سبق أن عشناه مع ذكريات أيامها الجميلة، وهي بالكاد تكون مفرحة، إلّا أنّه ولمجرد أنها ذكرى أصبحت من الماضي يظل لها طعمها ومذاقها الخاص، وإن حملت في بعضها مرارة الواقع الذي ما زلنا نعيش بعضاً من مؤسياته وعلله وأوجاعه..!

الماضي الجميل، وأيّامه الأجمل والأقرب إلى القلب، إذ إننا ما زلنا ندرك بعضاً من عفويته وبساطته وجماليته، على الرغم من صخب الأيام ومرارتها، والطيف الذي ألبسته إيانا إلّا أنّه تبقى لها نكهة وحب وطيبة يظل لها وقعها الخاص في القلب، وهذا ما يجعلنا نعيد تذكّرها وباستمرار، مع أيّام الزمن الجميل الذي نفرح لمجرد ذكره، على الرغم من الحال السيئ والفقر المدقع، والآلام والأوجاع التي مررنا بها وعشناها، ويظل لها وقع متفرّد خاص على قلوبنا، ومن المستبعد جداً نسيانها أو تناسيها.


تلك الأيام حملت بين طيّاتها كثيراً من الأماني والرغبات الأحلام، وتجسّد في غالبيتها حقيقة سبق أن عشناها، وما زلنا نعيشها وإلى اليوم.. ولهذا ترانا دائماً نعيد سؤالنا المكرّر الذي يغلب على ما نحن عليه من بهجة الحياة التي نعيشها في بلاد قصية، بلاد غير البلاد التي ولدنا وترعرعنا وعشنا على أرضها. بلاد أجزلت العطاء لكل من وطئتها قدمه، ولم تبخل على أحد قط بما تملك.. وينبري السؤال الدائم الحاضر الذي يُلحّ علينا وهو ما سرّ حكايتنا اليوم مع أيّام الزمن الجميل الذي لطالما نتغنى به ونُبهج ونصفّق، وبصورةٍ دائمة، لها؟ هذا الزمن الذي صار يضفي على معيشتنا ألواناً من الفرح، وإن هجرنا، وها نحن نهجر أيامه التي بعثت فينا ألوان قوس قزح حقيقية منعشة لطالما تظللنا بالبهجة والسرور.

يبدو أنَّ هذه الحكايات فيها الكثير من التشويق والإمتاع، حدثت في فترة ما مع ذلك الزمن، الذي صار يعرف بالزمن الجميل، وها هو يمضي بنا سريعاً غير قادر على أن يتوقف، يتدحرج بصورة مرعبة تاركاً في فكر وعين كل منا شريطاً من الذكريات الجميلة، والأحلام الباهتة!

ها نحن اليوم صرنا مع بدء العد العكسي لعام 2020، الذي دخل أول أيامه منذ نحو شهر ونيّف، وإذا أعدنا تصوير الأعوام التي سبقته وتذكر مجريات أيامها، فإنها بالكاد صارت في طي النسيان، وهذا ما صار يُحزننا حقيقة.

الماضي لن يعود ثانية، مهما كان أليماً، صاخباً ومريراً، وقد يكون قاتلاً، فإنّه يظل يحمل ذكرى عميقة في طيف أحلامنا وفي وجداننا، وإن كانت كما قلنا، فيها الكثير من الحسرة والألم.

الماضي، وإن كان مدوّياً، صاخباً، مفرحاً، وحزيناً، فهو في النهاية يظل له طابعه الخاص، وأما حكايات الماضي، الذي ودّعناه بآهاته، فها هو اليوم يعيد إلى عقولنا وقلوبنا أشجانه ونبراته، وذكرياته الجميلة.

ومن هذه الذكريات، تظهر إلى الواجهة حكايات كانت وقعت هنا أو هناك، أو سردت علينا ورويت من قبل أجدادنا، وآبائنا وأصدقائنا، ولطالما نحاول العودة إليها والبحث في ما تركت فينا من ذكريات مبهجة صاخبة، بين فينة وأخرى، ولكن في إطارها الضيّق، وبصورة خاصة، في هذا الزمن، الذي أخذ جانباً مهماً من حياتنا التي نعيش، والذي لم يترك لنا من الماضي إلّا أشجانه.. وصوره المفرحة.

فالماضي، برأيي، مهما كان مريراً، ومحزناً، يظل فيه كثير من الرقّة والعذوبة، وهذا الكلام يقودنا إلى سر أيّام الزمن الجميل، وبكل ما تعني..

وأما الأيام التي نعيشها اليوم، بعد يوم أو يومين، أو عشرة، وإن تجاوزناها بمرارتها، تبقى في القلب مكانتها، وإن كنا نُمني النفس لو أنها تعود من جديد، وتحفّزنا على تجاوز عثراتها، وبكل مؤسياتها.

أحلامنا كبيرة، وطموحنا كذلك، ولكن الوقت أكبر من كل هذا وذاك، وها هو يمضي بنا بعيداً، وما أجملها من أيام كانت وستبقى، وهيهات أن تعود ثانية! ولهذا دائماً نقول ما أجملها من أيام. أيّام الزمن الجميل الذي يُفرحنا بصخبه وموسيقاه الجميلة الملفتة..
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.