جزيرة الأرواح المنطفئة!

جزيرة الأرواح المنطفئة!

17 فبراير 2020
+ الخط -
لطالما تساءلت دوماً عن أكثر الأشياء التي قد تؤذي الإنسان وتتلاعب بكل وجدانه، وتتسلط على قلبه وكيانه. الأشياء التي قد يكون من شأنها أن تغيّر مصيره وتجعل منه شخصاً آخر لم يكن يتوقع أن يصبح عليه يوماً ما. ولم أجد أسوأ من أن يصل الإنسان إلى أن تنطفئ روحه وهو ما زال على قيد الحياة.

انطفاء الروح هو بمثابة أن تُصاب بالسرطان، فينتصر هو وتموت أنت. الورم الخبيث الآن في أعماق روحك، والأرواح كما تعلم لا تموت، ولا حتى بموتك، ورغم تمنيك أن ينتصر المرض المصابة به روحك. لكن هذا لن يحدث.

تتمنى أن تُهزم وتموت، ولكن الأرواح لا تموت. هذا التشبيه ليس مجازاً إطلاقاً، هذا ما يحدث فعلياً حينما تصل إلى انطفاء الروح. ستجد نفسك في جوف الهاوية على متن جزيرة.

هي جزيرة الأرواح المنطفئة. فكل الأرواح التي تستهلك وتنطفئ ينتهي بها المطاف هنا، تتلاقى جميعها مكسورة الخاطر يتملكها الخذلان وتحيط بها الآلام والأوجاع والذكريات السيئة، كل الذين خُذلوا من قبل أصدقائهم، وكل الذين استُهلكوا واستُغلوا من قبل أحبائهم... ستجدهم هنا.


الذين أتت هزائمهم من قبل أقرب الأشخاص إلى قلوبهم، كان حبهم بلا أسباب، بلا أمل، أحبوا بفطرتهم الطفولية البريئة، أعطوا دون الانتظار لأي مقابل، هكذا خلقوا بقلب طيب ناصع البياض، فكانوا مطمعاً للعالم الذي لا يرحم.

الحياة يا صديقي، تحكمها قواعد وقوانين ومعادلات أيضاً، والمعادلة التي يجب عليك أن تعرفها أولاً، أنه حينما تحب كثيراً وتعطي كثيراً، فحينما يخيب ظنك ستتألم كثيراً أيضاً. وبالتراكمات الكثيرة جداً، سيتلاشى النور بداخلك إلى أن تنطفئ، ويصبح الظلام هو كل ما تراه. ستحاول مراراً وتكراراً أن تنير ظلمتك مرة أخرى، ستفعل المستحيل، ستعطي الآخرين فرصة ثانية، ستثق مره أخرى بأحبائك الذين خدعوك، لن تستسلم للوحدة وللظلام الذي وضع بداخلك، ولكن يا صديقي ثق بي، فلن تُجدي محاولاتك البائسة شيئاً، لن يطاولك سوى الفشل، وستُهزَم مجدداً.

وليس من الذكاء إطلاقاً أن نقدم لذات المشكلة ذات الحلول، ونتوقع نتائج مختلفة. "الأسلوب المكرر لن ينتج منه إلا نتائج مكررة"، هذا ما قاله ألبرت أينشتاين. والحقيقة التي لن يخبرك بها أحد، أنك ستحب ولن تُحب، ستصون ولن تُصان، ستنير للآخرين عتمتهم ويطفئون بالمقابل النور بداخلك، بل وفي بعض الأحيان سيزرعون بداخلك الظلام، ستقف بجانب الجميع في محنهم وتخفف عنهم، وحينما تسقط لن يكترث لك أحد.

ستجد نفسك وحيداً، وحينما تستسلم، سيتملكك شعور كما لو أنك على استعداد لمحاربة العالم أجمع، ولكن سينتهي بك المطاف بأن تحارب هذا الشعور وليس العالم. فدعنا نختصر الطريق، الحياة ليست عادلة، كلانا يعلم هذا، وليس بالضروري حينما تكون طيب القلب، أن يعطيك العالم حسب قلبك، الله وحده هو من يعطيك حسب قلبك، أما العالم فليس كذلك، العالم لا يرحم الضعفاء، وطيبو القلب دائماً ما ينتهى بهم المطاف هنا على الجزيرة.

الأسود لا تأكل إلا الغزلان الضعيفة، أما القوية فهي تستطيع الفرار بعيداً. هكذا أنت في بعض الأحيان، يجب عليك أن تظهر للعالم مدى قوة أسنانك وصلابتها قبل فوات الأوان، وما دمتَ أنت على الشاطئ، ولم تنضم إلينا على متن الجزيرة، فهناك فرصة، ولكن إن كنت أحد ساكنيها، فدعني أكون صادقاً معك، ليس هنالك مفر من جزيرة الأرواح المنطفئة، وروحك حينما تنطفئ، لن تنير مرة أخرى.

لكن لا تحزن، فما زال هناك مخرج سري، وما زال هناك فتيلة مدخنة بداخلك لم تنطفئ بعد، ومن الممكن أن تنير مرة أخرى، لكن عليك أولاً أن تتقبل روحك المنطفئة كما هي، لا تنفر منها، تقبل ما قد أصبحت عليه ظلمتك. تقبل جميع الأرواح المنطفئة من حولك في الجزيرة، احتوِ العتمة التي بداخلك.

قبولك بالأشياء ليس بالضروري أنك توافق عليها، لكن مع الإيمان وتقربك من الله ستنير مرة أخرى، فهو قادر على كل شيء. قد تصل إليك هذه الرسالة في زجاجة مغلقة على الشاطئ، وهذا يعني أنني ما زلت عالقاً، فدعني أطلب منك مساعدة وأوصيك يا صديقي: رجاءً، لا تكن من مطفئي الروح.

دلالات

06E9D094-7783-41F5-A24D-3D86DE54107C
أبانوب عدلي

كاتب... حاصل على بكالوريوس تجارة - جامعة دمياط.

مدونات أخرى