"كوهين العربي" يكتسح الصهيوني

"كوهين العربي" يكتسح الصهيوني

10 فبراير 2020
+ الخط -
"في الأنظمة التي يكثر فيها شعار ينادي بسقوط إسرائيل، اعلم أن هناك عدة كواهين".. هذه العبارة اختتم بها كاتب إسرائيلي سرد قصة الجاسوس الشهير إيلي كوهين، الذي اكتشف في دمشق وأعدم عام 1965..

أتت بعد سرد "شيق ومحزن" في آن معاً  لطريقة عمل الجاسوس كوهين من الأرجنتين إلى دمشق، وفي ذروة تعالي شعارات حزب البعث آنذاك التي استخدمها كوهين الجاسوس ليتخفى وراءها، فعندما كانت تذكر الصهيونية وإسرائيل أمامه كان يسارع للبصق على الأرض في تعبير عن شتمها، كما ورد في قصة كوهين.

الشتائم والشعارات كانت لتغطية العمل والموقف الحقيقي، توارثتها بروباغندا عربية مستمرة أضافت إليها بعض التحسينات بما يتعلق باحتضان "قضية العرب الأولى"، إلى نفور الحضن الرسمي العربي منها وصولاً للسعي الحثيث لإعلان براءته منها في السر والعلن.


السياسة العربية لم تعد بحاجة للعمل بالخفاء على طريقة إلياهو كوهين، ولا لوسائله البدائية لتقديم الولاء والطاعة لأولي الأمر. كل يوم تبتدع السبل وتقضي على عنصر "المفاجأة". خدمات مجانية وفتح أجواء وتنسيق أمني وتطبيع. وأبعد من ذلك، تطاول وتحقير للقضية يتعدى "بصاق وشتائم" كوهين. "البسطار" والهراوة والفروع الأمنية كادت أن تكون مكاتب وفروعا للمحتل في عواصم العرب؛ ولو شهد كوهين بعد أكثر من خمسة عقود على اكتشاف "بطولته" ما يقدمه النظام الرسمي العربي لدولة الاحتلال، لتبوّأ منصبه المنشود على هرم السلطة بسرعة فائقة، كيف لا وقد ازدحمت متاريس الشعارات الحامية للمهمة، ولأشفق على وسائله التي قضت عليه.

تخلص المحتل من الطريقة الكوهينية للتعاطي مع الحالة الرسمية العربية، فلم يعد يبحث عن كفاءة وشجاعة من يخدمون الأهداف الصهيونية، متبرعين وزاحفين كثر لتقديم ما لا يخطر على البال ويتجاوز ما كان يعرف بـ"المعلومات الحساسة"، فهي تهمس بالأذن مباشرة أو يتم الإفصاح عنها على الهواء مباشرة. يطوف الباحثون عن حميمية الصهيوني أرجاء المعمورة للفوز بعناق يتدفق منه نهر الأمان لكرسي الحاكم، أو العكس تُغدق عليه مواقف وسياسات تُؤبد أساطيره.

فقط الطريقة الكوهينية، بنسختها العربية، تنتشر في الفروع الأمنية العربية، وسائلها مسلطة على رقاب المجتمعات العربية، حتى في طريقة رمي التهم والتخلص من أعداء الحاكم العربي بات حبل المشنقة طريقة مرهقة لأتباع المدرسة الكوهينية وللجلادين، فلا حاجة لتنظيم محكمة صورية وعسكرية وغيرها، لأبناء الشعب صواريخ وبراميل وطائرات تفتك بعشرات الآلاف بالجملة، وللغاضبين مسالخ وأفران بشرية، وللمعارضين سراديب وأقبية لا يعلم أبرع الجواسيس مصير نازليها حتى لو حمل اسم "فرع فلسطين".

فلسطين هذه، الفرع الأمني أو المسلخ البشري، لم تكن يوماً ما عبئاً أبداً على مقدرات الأوطان ولا على برامج التنمية والحرية والديمقراطية، بل هي المنشودة إقامتها بين جنبات الزنازين وحدود التفتتيش في الصدور والعقول، ولا كل الأقبية العربية المحتضنة قهر وظلم الملايين التي ترزح تحتها المجتمعات العربية، العبء الظاهر تلخصه الكوهينية العربية في نسخها المتطورة في فلسطين الأخرى التي أدركها العقل الصهيوني ورسم حدود محاذيرها في كواهين النظام العربي المستثمر في مشروعه، المناهض تماماً لخرافات وأساطير صهيونية وكوهينية عربية متحالفة ومتحدة لكي وعي عربي جماعي، يقول: إن الحرية والديمقراطية والمواطنة والعدالة هي المفتاح لباب فلسطين المغلق في فروعه العربية بمساندة صهيونية.

ترتدي الكوهينية العربية لُبُسها المختلفة، وترفع شعارات مختلفة أو متحدة، تشير بمجملها إلى حالة الشفق والذل والهوان العربي، السيسية، والسلمانية، والأسدية، والزايدية، والخليفية، والعباسية والبرهانية، وكل تفخيم وانتفاخ المسميات أنجز واكتسح ما عجزت عنه كل مؤسسات التجسس والاستخبارات الصهيونية والأميركية والغربية، وفاق عمل برامج لوبيات الآيباك منذ سبعة عقود وما أنفق عليها لتحقيق مكاسب للصهيونية، بكلفة أرخص بكثير من انهماك كوهين الصهيوني، رفاقه ونسله ينجزون المهمة.

AF445510-4325-4418-8403-7DA0DAAF58C1
نزار السهلي
كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في فرنسا يقول: طقسٌ رتيب في الرحيل وشقاء ولجوء، يعقبه حلم لا ينطفىء في زمن غير معلوم تحدده الإرادة العليا، هي ملامح سحنتي التي تشبه انتحاب اللاجئين في المُثل الواهمة.