سبّ وشتم.. وأسماء مستعارة!

سبّ وشتم.. وأسماء مستعارة!

10 فبراير 2020
+ الخط -
التواصل الاجتماعي عبر وسائل الاتصال الحديث صار نعمة متميّزة في مكان، ونقمة مدمّرة في مكان آخر. ويرى بعضهم أنَّ وسائل التواصل الحديثة، كأي مستحدث آخر لخدمة الإنسانية، يُساء استعمالها بشكل يلغي في بعض الأحيان حتى حسناتها.

على سبيل المثال "السيّارة" يُمكن استخدامها للوصول إلى أماكن العمل أو الترفيه، أو إيصال مريض إلى المستشفى، أو طالب إلى مدرسته، وكثير من الخدمات الإيجابية الأخرى، ويمكن أن تستخدم باستهتار فتصبح أداة قتل للآخرين وللنفس أيضاً.

تصيبني حالة من الاستنكار عند الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ومن خلال بحث أولي لم أجد في ثقافة أخرى مثل هذا الاستخدام السلبي كما يوجد في ثقافتنا العربية.

فتحت أسماء مستعارة نجد انتشار الأقوال البذيئة ضد الغير من دون رادع من ضمير أو أخلاق، كما يقوم بعضهم بتشويه أسماء وشخصيات يختلف معها سياسياً، وذاك التشويه يصل إلى حد ما يمكن أن يُسمى باغتيال الشخصية الآثم، أي نشر الإشاعات المغرضة ضده والاتهامات الفاضحة في شخصه وأسرته وسمعته.


من الظواهر الأخرى المتابعة الجهنمية والسلبية من بعض الأشخاص لأسماء الشخصيات العامّة، حتى لو تركت مناصبها العامّة، فهي مطاردة في حلّها وترحالها بالإشاعات السوداء، وبفحش الكلام والفسوق في الخصومة، وفي كشف المستور أو التعرية السياسية أو الاجتماعية.

كم من الأشخاص يقوم بالسبّ واللعن والشتم واستخدام كلمات نابية على رؤوس الأشهاد، فقط لأنه يكتب تحت اسم مستعار ومموه، وغير معروف للآخرين.

يستفيد من هذه الفرصة ضعاف النفوس والمهووسون وفاقدو القدرة على النقاش الموضوعي ومواجهة الخصم السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي.

كما أن هذا النوع من السلوك يشيع الكراهية بين الفئات المختلفة، ويسمّم أجواء المجتمع بإشاعة رذيلة الكذب، بخاصة أنه يقع على نسيج اجتماعي ــ في الغالب ــ فاقد للقدرة على التمييز بين الخبيث والطيّب، وبين الصدق والإشاعة، كما أنه يعمّق الجهل، وينشر الخصام ويشجّع على تبني الأفكار المسبقة.

لا أعرف وسيلة من أجل الحد من كل تلك التشوّهات غير التثقيف الإيجابي والحث على استخدام العقل والإنصاف مع الآخر "المختلف" وتلمّس هوامش مشتركة بين الفئات المختلفة، إذ إنَّ الاختلاف في معظمه سياسي، والسياسة أخذ وعطاء وفكرة تنقض فكرة.

من الأسباب التي تنشر هذا السلوك الخاطئ أيضاً عدم القدرة عند كثير منا على التفريق بين القول نفسه وقائله، بل في بعض الأوقات ينقل البعض قولاً لآخرين فينظر ذلك المتوتر أنَّ هذا القول المنقول هو قولنا نحن لا قول من نقل عنه فيتخذ موقفاً عدائياً وشخصانياً حتى الثمالة.

إنَّ العصر الذي نعيش فيه يتسم بغلبة المعلومات وسرعة انتشارها بين الناس بطرق شتى، والخطورة أنَّ بعض هذه المعلومات زائفة أو ملفّقة.

إنَّ المعلومات تتضاعف، كما يقول المتابعون، بشكلٍ مرعب، وهذا ما يجعل من هذا السلاح أخطر أسلحة الإقناع، والإقناع المضاد. إنه كالمضاد الحيوي لو استخدم بطريقة سلبية لأضعف الجسد إلى درجة الهلاك!!

فضلاً عن أننا صرنا نقرأ، وللأسف، في الفترة الأخيرة، كثيراً من الكتابات التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، وبصورةٍ خاصة المنشورات الشخصية التي يتم نشرها بدون أيّ ضوابط، أو عرف قائم يجيز لها النشر بهذا التدفّق غير المنصف!!

هذه المنشورات، عكست وبصراحة، الخواء الداخلي الذي نعاني منه، ما دفع الكثير من الأصدقاء والزملاء، والعامّة من أصدقاء الأصدقاء، إلى الإسراع في نشر أيّ شيء يخطر على البال، لمجرد النشر ليس إلّا، وهذا ما جعل من موقع الشبكة المحترمة يتراجع، وبشكل مرعب!

نحن نعرف أنَّ النشر الصحافي، ومهما كان حجم المادة المنشورة، "البوست"، يجب أن يكون معبّراً، ويخدم شريحة كبيرة من العامّة لا أن ينضوي في مهاترات وعبارات مسلوقة جوفاء، ما أنزل الله بها من سلطان، وتكريسها وتفعيلها لتصوير حالة خاصة لا هدف ولا معنى لها البتّة!

إنَّ النشر بهذه الطريقة، ومن خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" "تويتر" وسواهما فسح المجال واسعاً، وبحرية مطلقة أمام الجميع، وبدون استثناء، وهذا لا يعني أن نكتب أي شيء، ونتسابق إلى نشره ومهما كان المبرّر.

والمطلوب هو اختيار الموضوع بدقّة متناهية، بما يخدم العامّة، وليس من باب استسهال النشر، وهذا الاستسهال مضرّ وكريه، كما يقول أحد أدبائنا الضليعين، وينعكس على النتاج العام، والإساءة بالتالي إلى مواقع التواصل، التي وجدت لتغني مداركنا ومعارفنا، لا أن نستخدمها في أغراض باهتة، ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة، بل أكثر ما يقول عنها القارئ إن هذا التسابق نحو النشر أساء إلى المواقع، وأفرغها من مضمونها!

والضرورة تقتضي من إدارتيهما، مشكورتين، مراقبة كل ما ينشر فيهما والعمل على حذف كل ما يسيء إلى الموقعين والأشخاص على أن يكون المنشور له قيمته وهدفه لا أن نعرّي صور عمرو وزيد من الناس، ونشير - بالتالي - إلى قوالب فردية، وقصص وحوادث لمجرد الإشارة.. والكثير من الصور التي لا قيمة لها!

فليدرك الجميع أنَّ المواقع الاجتماعية ما هي إلّا جريدة لحظية، الهدف منها أن تصل إلى كافة شرائح المجتمع، أقصد كل ما يُنشر فيها، لا أن نحوّلها إلى جريدة مسلوقة مستهلكة مترهّلة لا قيمة لها، وأن يعي كل من له حق النشر أن يعتبر نفسه بمثابة رئيس تحرير.
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.