هزليات السياسة الأسدية (25)

هزليات السياسة الأسدية (25)

23 يناير 2020
+ الخط -
شفلح ملك السندويش
قال كمال إن الحديث بالتفصيل عن الأعمال والأساليب التي اتبعها الحجي نديم شَفَلَّحْ وأدت في النتيجة إلى تمكنه من جمع ثروة كبيرة لم يعد ذا جدوى. يكفي أن نقول، بالعموم، إنه لم يتهيب من الانخراط في أي عمل مشبوه قط، من تجارة الحشيش، إلى تأمين جو رومانتيكي للزبائن في المطعم مقابل أجرة جيدة، إلى غسيل الأموال، إلى تجارة الخادمات، إلى المشاركة في عقد صفقات كبيرة مع بعض مديري المؤسسات الحكومية، لتنفيذ أعمال وهمية، وقبض نسبة من أرباحها... إلخ.

قال أبو إبراهيم: معناها لازم نسكّرْ هالسيرة ونحكي بشي تاني.

قال كمال: طول بالك علينا شوي يا أبو إبراهيم. في شغلاتْ ظريفة موجودة في شخصية نديم شَفَلَّحْ ممكن نحكي فيها، وهيي حُبُّه للسندويشْ وكراهيتُه للإرهابيينْ، أو متلما بيقول هوي (للإرهابيون). وهادا الشي معناتُه إنه الرجلْ ما قدرْ يخرجْ من الحالة النفسية اللي كانتْ ملازمتُه لما كان يشتغلْ أجيرْ عندْ صاحبْ محل بيع سندويش في "عبارة الأوقاف" بمدينة حلب.

قال أبو جهاد: هدول الشغلتين لازم يكون شَفَلَّحْ نسيهم. لإنه بعدما تشارك مع الست مايا وفتحوا مطعم ما عادْ إلُه معلمْ يبهدله ع الطالعة والنازلة، وأبوه اللي كان يضربه ويقله (إنته جحش يا ولدي) مات.


قال كمال: كلامك صحيح أخي أبو جهاد. لكنْ بحسب ما سمعنا من بعض الناس إنه العمل في المطعم كان يسير بطريقة غريبة. كانوا هوي والسيدة "مايا" موزعين الشغل بيناتهم بالتناوب، كل واحدْ بيداومْ تمنْ ساعات، ولما كانت مايا تقعد ورا طاولة المعلم كانت تحكي مع العمال والزباين بلغة كلها أتيكيت، ونص الكلمات اللي تقولها أصلها فرنسي أو إنكليزي متل باردون، وبونسوار، وأوجور دوي، وأورفوار، وثانك يو، وبليز، ولما يقعد شَفَلَّحْ ورا طاولة المعلم كانت اللغة تختلف.. كان، مثلاً، ينادي للجرسون ويسأله (أخدت الصندويشات للزبون اللي ع الطاولة 17 يا إبني؟).. بيرد عليه الجرسون: بس هادا يا معلم ما طلب سندويش، قال بده كوردون بلو.. فيرد شَفَلَّحْ: وهادا (البلو) اللي قلت عليه ما بينلفّ صندويش؟! إذا بينلفّ لفّ لُّه، اسمع مني، ترى الصندويش أطيب. وأحياناً لما الزبون يطلب من شَفَلَّحْ وجبة معينة كان يقول له: على راسي أبو الشباب، بتؤمرْ أَمْرْ، روح إنته ابروك ع الطاولة وصندويشاتك بتجي لورا خدمتك. الزبون ممكن بهالحالة يبتسم ويسأله: إشي القصة؟ أنا ما طلبت سندويش. وبوقتها شفلح كان يضحك ويقله: بعرف بعرف. عم نخسكرْ (نمزحْ) معك. وممكن يغرز إصبعته السبابة في بطنه ويقله: إشبك حجي؟ كني إنته ما بتلقى مزح وخسكار؟ وأحلى شي لما تكون مايا مداومة في المطعم وهوي ينزل على جناح الفلافل والحمصانة والتسقية، بوقتها كان يتألق، ومع إنه في عنده عدد وافر من الجراسين كان يكيف لما حدا يطلب فلافل ويصرّْ على إنه يلف له السندويشة بإيده.

قال أبو محمد: هادا زلمة هردبشت بالمرة.

قال كمال: نعم. وهيك منكون وصلنا لذروة حكايته. كلياتكم بتتذكروا الفيديو اللي تداولوه الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وشفتوا شلون نديم شَفَلَّحْ كان فاتح البَسْطَة تَبَعُه على طرفْ طريقْ ترابي في منطقة قريبة من الغوطة الشرقية، وعم يتفرجْ ع النازحين الهربانين من القصف الروسي وقصف معلمه ابن حافييظ الأسد، ومْكَوّمْ قدامُه كمية كبيرة من السندويش، وعم ينادي للنازحين: قرب يا خيو، قربي يا خيتو، تعوا خدوا صندويش.. قرب يا حجي لا تخجل، أنا ابن بلدك حجي نديم شَفَلَّحْ عضو مجلس الشعب.. هون بقى كانت تحدث الأمور الغريبة اللي خلتنا نروي هالسيرة من أساسها.

قال أبو زاهر: أشو هيي هالأمور؟

قال كمال: كراهية شَفَلَّحْ لـ (الإرهابيون) خلته يعد للعشرة قبلما يناول السندويشة للنازح، فكان يمد إيده ليناوله السندويشة، وفجأة يرجّع إيده لورا ويسأله: إنته من الإرهابيون؟ فإذا قال له: لا والله، ما كان قلبه يطمئن، ويقول للنازح: إذا هيك عَيش الرئيس بشار إبن حافييظ الأسد وخود سندويشتك وتيسر ع شغلك.

قال أبو زاهر: صح. هادا الفيديو أنا شفته. بالفعل هادا شَفَلَّحْ واحد ساقط. يعني كرمال سندويشة حقها عشر ليرات بدك تستغل ظروف المواطن اللي تارك بيت قيمته ملايين وتذله وتذل أهله؟

قال كمال: الإنسان الوضيع متل نديم شَفَلَّحْ بيطلع معه كل شي. واللي صار إنه في واحد أثار القضية ضد شَفَلَّحْ في أوساط السلطة العليا، وقال للموجودين ما معناه: إنه صحيح نظامنا حقير وتافه، بس مو لهالدرجة. يوميتها تلفون نديم شفلح ما توقف، كل شوي يتصل في مسؤول رفيع المستوى، يصرخ عليه ويبهدله متلما كان معلمه في عبارة الأوقاف بحلب يبهدله، ويبزق في وجهه، ويسكر الخط. وبوقتها بتعرفوا أيش صار. مو هيك؟

قال أبو محمد: والله يا أستاذ أنا ما بتابع أخبار ولا بشوف تلفزيونات. احكي لي ، أشو اللي صار؟

قال كمال: طلع نديم شَفَلَّحْ بفيديو جديد حتى يبرر الفعلة تبعه، وقال للمشاهدين: إنتوا فهمتوا الموضوع غلط. أصلاً التعييش فعل غير إرادي.. صحيح أنا بوقتها سبيت ع "الإرهابيون" لكن ما طلبت من حدا يعيش الرئيس بشار. بصراحة؟ هني ناس جوعانين، من لما شافوا الصندويش صاروا يعيشوا الرئيس. أنا إشو دخلني؟!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...