هزليات السياسة الأسدية (24)

هزليات السياسة الأسدية (24)

22 يناير 2020
+ الخط -
شفلح تاجر حشيش
بعد تقديم القهوة للساهرين في منزل الصديق "أبو ماهر"، واستئناف جلسة "الإمتاع والمؤانسة"، اتجهتْ الأنظارُ نحو الأستاذ كمال الذي تولى عملية رَسْم شخصية الملياردير الغبي "نديم شَفَلَّحْ" خلال السهرات السابقة بلغة قصصية جذابة.

قال كمال: قبلما أحكي لكمْ تتمة الحكاية تبعْ نديم شَفَلَّحْ، بحبّ تعرفوا إنه في شي لما بيحدثْ في بلادْنا بتلاقيه عم يمشي بعكسْ اتجاه المنطقْ السليمْ، ومع ذلك ممكن يعطي نتائج كويسة ومفيدة.

قال أبو جهاد مستغرباً: أشو هالحكي؟ بيمشي بالعكس وبيعطي نتائج كويسة؟!

قال كمال: نعم. هادا ما بيحصل في العالم المتحضر إلا نادراً، وبيقولوا عنه شواذ، أما في بلادنا فالوضعْ الشاذ هو السائد والمألوف. اسمعوا لإحكي لكم هالحكاية. أنا من زمان أنا قريت قصة لـ "مارك توين" بيحكي فيها عن قائدْ عسكري غبي جداً إنما الحَظّْ بيوقِّفْ جنبُه ع الدوامْ. هادا القائدْ كانت قواتُه محاصَرَة في مكانْ بالغْ الوعورة والصعوبة، وكان المنطق العسكري السليم بيقولْ إنه إذا هالقائدْ قررْ يكسرْ الحصارْ لازمْ يسحب قواتُه من جهة الغربْ، لأن القواتْ اللي محاصرتُه خاصرتْها الضعيفة موجودة حتماً في الغرب. قائدْ القوات اللي محاصرتُه انتبهْ لهاي المسألة، وخاف إنه يكون هالزلمة فطينْ ويطلعْ من الغرب، فغَيَّرْ مَوْضُعْ قواتُه بحيث تكونْ الخاصرة الضعيفة من الشرق. الضابط الغبي اتخذ القرار إنه يطلع من الغربْ فعلاً، ولكنه كان بيجهلْ استخدامْ البوصلة، لذلك بَدَلْ ما ياخدْ قواتُه باتجاه الغربْ أخدْهُم، بالخطأْ، باتجاه الشرقْ، وهادا الخطأ الناجم عن الغباءْ أنْقَذْ الضابطْ الغبي وقواتُه، وانتصرْ في المعركة، وأخد وسام من القيادة! نفس الشي كان يحصل مع بطل قصتنا نديم شَفَلَّحْ، هالرجل -يا جماعة- كلما ارتكبْ غلط وتْصَرَّفْ بغباءْ كانتْ الظروفْ تمشي فيه للأمامْ، وتخلّي ثروتُه تكبرْ.


قال أبو محمد: أنا بظن إنه شفلح متل الضابط اللي حكيت لنا عنه، ما بيعرفْ الشرقْ من الغرب.

قال كمال: أكيد. وعلى قولة أهل بلدنا (ما بيعرفْ طَهَ من أنطاكية). أنا حكيت لكم إنه السيدة مايا (اللي شاركتُه عَ المطعمْ الراقي اللي افتتحوه على أوتوستراد حلب دمشق) اشترطتْ عليه إنه ممنوع يجيبْ فولْ وحمص وفَتّة وتسقية عَ المطعمْ، لأنه هاي الأكلات بتنزّلْ من سوية المطعمْ.. ولأنه شفلح إنسان غبي، وفِقَري، وممضي القسم الأكبر من حياتُه وهوي عم يفتل في الأزقة والحارات على موتوسيكل الفيسبا، وكانت خرجيته في الأسبوع ما بتكفيه حق أكل وسجاير وبنزين للموتوسيكل، أصرّ على اقتناءْ هاي الأنواعْ، وفتح في المطعم جناحْ خاصّ بالحمّصْ والفولْ والفتة والتسقية، وجاب معلم فَوَّالْ كان يشتري من عنده لما كان أجير في عبارة الأوقاف، وفي لحظة تجلي تاريخية قررْ إنه يصبّْ فلافلْ! واللي صار إنه هادا الجناح سَبَّبْ لُه حدوث قفزة نوعية كبيرة في مسيرته وخلى ثروتُه تتضخم.

قال أبو عبدو: هاي أنا ما فهمتها.

قال كمال: في يوم من الأيام كان "نديم شَفَلَّحْ" قاعد في طرف جناحْ الفولْ، وعم يتناولْ صحن تسقية مع بصلة من الحجم الكبير، وكان معتاد إنه يقطعْ راسْ البصلة بأسنانُه ويضربها بقبضتُه بحيث يطلع اللبّ الأبيضْ تَبَعْها لبره، ويبلش يهبش ويهرش منها بطريقة كتير سوقية.. في هاللحظة ما شاف غير أجا لعنده شخصْ عَرَّفُه على نفسه بلقبُه "ملك الخط"، وقال له إنه طريقتُه في أكل التسقية والبصلة جذبتُه، وخلته يدخل لقلبه ويوثق فيه، وإنه في عنده مشروع شغل حاببْ يعرضُه عليه. قام "نديم شَفَلَّحْ" غسل إيديه ومَسَحْ فمه بمنديل أبيض وقال للرجل: على راسي حارتك يا خيو. أنا جاهز للشغل، بشرط ما يكون إله علاقة بـ (الإرهابيون). فضحك ملك الخط وقال له: لا تاكل هَمّْ، الإرهابيون لما بيسمعوا بـ "ملك الخط" بينهزموا وبيتلفتوا وراهم.

قال أبو ماهر: عظيم. وأيش هوي الشغل؟

قال كمال: تجارة حشيش!

شفلح رد على ملك الخط وقال له: والله يا قبضاي أنا ما عندي مانع بس لازم أشاور شريكتي.
هون ملك الخط ضحك وقال له: إنته أجدب شي؟ يا إبني هاي الشغلة ما بتتحمل شَرَاكَاتْ ولا مشاورات، ولازم يكون موالك من راسك.

وشرح له إنه القصة كتير بسيطة وسهلة، ولازم ما تتجاوزْ حدودْ جناحْ الفولْ والحمص والفلافلْ. وقال له: شوف يا حاج نديم، إنته لازم تتواجدْ كل يوم خميس هون، الساعة تلاتة بعد صلاة الضهر، وبتاكل تسقية مع بصلة متلما كنت عم تساوي قبل شوي، بيجي لعندك واحد من طرفي، بيسألك حضرتك شريكه لملك الخط؟ بتقله (أي نعم يا أبو العيون الكحيلة).. إذا قلت له هيك بيعرفك وبيتطمن لك، وبيحط عندك جنتاية، وبيروح، وقبلما تبدا السهرة بيجي واحد تاني، وبيسألك نفس السؤال وبتجاوبه نفس الجواب، فبيتطمن لك وبياخد الجنتاية وبيطلع.. ويوم الجمعة بجي أنا مناكل فول مدمس بطحينة بمعيتك وبدفع لك حصتك من أرباح الجنتاية.. منشتغل بهالشكل إذا كنت إنته حابب تاخد مربح زغير، يعني شي تلاتمية ألف أربعمية ألف ليرة كل جمعة، أما إذا حبيت تعمل كم مليون نضافْ، وبسرعة البرقْ، بتاخد الجنتاية من الزلمة، وبتبيع الحشيش اللي جواتها بالمفرق..

اندهش نديم شفلح وقال لملك الخط: لمين بدي أبيع؟ أنا ما بعرف حدا من الحشاشين؟ قال له: أنت لا تاكل هم.. الزباين أنا ببعتهم لعندك..

دهش الحاضرون في سهرة الإمتاع والمؤانسة مما كانوا يسمعون. وقال أبو الجود:
- الأستاذ كمال مفكرنا طشومة متل نديم شفلح، وحابب ياكل براسنا حلاوة. يا أستاذ كمال هلق هاي القصة قد ما طولت، الجنائية والمسؤولين في فروع الأمن التانية راح يحسوا عليهم. صح ولا لأ؟

قال كمال: نديم شفلح سأله نفس السؤال لـ ملك الخط. وهادا بدوره صار يضحك ويتسهسك ويتبربق.. وقال له: أكبر مسؤول أمن في هالبلد على قفا صرمايتك يا حجي نديم، وعلى قولة المتل (اللي بتعرف شقد ديته اقتله).. يعني نحنا منشتغل شغلنا في السر ومناخد احتياطاتنا، واللي بيكشفنا، وبيجي لعنا وبيبلش يتفلسف منناوله مية ألف ليرة ومنقله: احليق وقَحِّطْ، بيقوم هوي بيحلق وبيقحط.

فسكت شفلح لأن كلام ملك الخط أفحمه.

(وللقصة بقية)
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...