معنى القوة

ألا تستسلم وترفع شارة بيضاء رغم عمق جراحك، فقد خلقت لتثبت وتَبُث في الناس معنى العزم حتى لا تنمحي شجاعة التصدي. أن تلتقط راية الحق حين يأتي دورك، وتكون قائداً لأجيال تأتي من بعدك يسلّم بعضها بعضاً، فالقوة ملكية وميراث. أن تكون صادقاً، دقيقاً، محدداً، صريحاً، واضحاً، واثقاً، متوافقاً، متحداً مع ذاتك، تملك رؤية، تصنع فكراً، تملك هدفاً. ألا تنادي بفضيلة خلت منها روحك، وألا تجاهر برذيلة تدعي بها جرأة وجسارة، فلا قوة شريفة تسكن أجسام ضباع.

أن ترفع رأسك دائماً بابتسامة رضىً لا تعني فرحك بالضرورة قدر ما تعني تحديك لكل من يحاول كسر إرادتك. أن تملك جرأة الحق إلى تلك الدرجة التي تحدق بها في عيني خصمك، دون أن يطرف لك جفن أو يرجف لك نبض. أن تصبر حين لن تلام إن استشطت غضباً، أو انتقمت قصاصاً. أن تملك زمام أمرك لا يضرك من ضلّ ولا يثنيك عن الترقي إلى المعالي من جبن.

" عزيزى القوي، لا تعتزل، أعلم أنهم قد أنهكوا قواك بجلد فجرهم، ونشبوا فيك مخالب طغيانهم حتى لا يبقى من يشهد على عهود شرف، إن جل ما تحتاجه هو أن تربض كما الأسود على ضفاف نهر إيمان يغسل آلامك "

أن تقيم ما تهدم من جدران المنكسرين، وتمسك بيد من هو إلى السقوط أقرب. أن تكون نجماً يُهتدى به، بوصلة تجد الطريق، دفة توجه الحائر، شراعاً يحمل الأمل إلى مرساه. أن تكون لمن حولك مرجعاً وملاذاً وملجأً لا يأسف على حاله إذا ما ذكره الناس حال احتياجهم ثم نسوه.
أن تكون متجدداً وقت تكرار ورتابة تميت الأحلام، وتحطم سفن الآمال. أن تصير خيط فجر يفرق به الناس بين النهار والليل، والحق والضلال، والأبيض والأسود.

ألا تهمل كاذباً طالما استغاث بك من غرق استخفافاً بقدرك، وتعي أنك قد تكون في لحظة أنت أمله الأخير. أن تبدل القضبان ليسير الباطل نحو الحق، والمعصية تجاه الطاعة. أن تنتقد خطأك دون تهوين أو جلد ذات، وأن تمتلك مرونة التحول وقرار التراجع وإقدام المحاربين. أن يكون لديك من اتساع الأفق ورحابة القلب ما يجعلك تفهم ما بين سطور الناس، وما يختبئ خلف ابتساماتهم وعبوسهم، وحديث عيونهم وصمت شفاههم، وأن تُطمئن الطفل المرعوب المختبئ داخل ضلوعهم.

ألا تقهر ولو امتلكت كل أدوات البطش بقصف كلامي أو سمّ لساني أو تهديد دنيء بالكشف عن زلات. أن تكون لديك القدرة على المبادأة والاقتحام بخطوات محسوبة في غير حمق. أن تسبق رحمتك غضبك، فغضب القوي أمضى في النفوس من السيوف، وإن رحمته وحلمه لأجدى وأنفع في أغلب الأحوال.

إن القوة تعني ألّا يُفقد اليقين، ألّا يهتز الثبات، ألّا تتداخل الألوان، ألّا تختلط الأحكام، ألا تتشوش الرؤية، ألا يضيع الطريق. بلى أيها القوي، إن وجودك في هذا العالم كالجبال التي يرسي بها الله الأرض وإن أراد ضعاف النفوس أن يعكسوا الفطرة، فيرفعوا من قيمة كل دنيء ويحطوا من قدر كل كريم.

عزيزي القوي، لا تعتزل، أعلم أنهم قد أنهكوا قواك بجلد فجرهم، ونشبوا فيك مخالب طغيانهم حتى لا يبقى من يشهد على عهود شرف، إن جلّ ما تحتاجه هو أن تربض كما الأسود على ضفاف نهر إيمان يغسل آلامك، ويجدد عزيمتك، ويمنحك السلام، لتستعيد دورك في معركة بين حق وباطل نشأت منذ بدء الخليقة ولن تنتهي إلا بقيامة تقوم.