اغتيال سليماني والأرباح الأميركية

اغتيال سليماني والأرباح الأميركية

21 يناير 2020
+ الخط -
لم تلجأ الإدارة الأميركية لفعلتها في تنفيذ عملية اغتيال سليماني ومخاطرة الدخول في الصدام المسلح المباشر وإشعال حرب قد تدخل بها معظم الدول الكبرى المؤثرة عالميًا؛ لو لم تكن هنالك أرباح ثقيلة تحصل عليها أميركا، ونشبّه ذلك بما لجأت إليه في احتلال العراق وتعرضها لهذا الكم من الخسائر البشرية والمادية، حيث إنها لم تقدّم كل ذلك لو لم تكن هنالك أهداف حقيقية تسعى خلالها للوصول إلى أرباح لها وزنها التاريخي، مع الإشارة إلى أن عملية اغتيال سليماني ليست عملية جاءت من عقل ترامب الذي يوصف بالمتهور، بل كانت مدروسة منذ أكثر من سنة، وهذا ما اعترفت به الإدارة الأميركية بالفعل قبل أيام على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو.

إن عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وبعض القادة البارزين في الحشد الشعبي، نُفّذت بطريقة مهنية وذات تقنية متطورة، بما يتعلق بإنجاح العملية، وتاريخها، وموقعها، وكانت مدروسة ولها أهدافها التي تسعى إدارة البيت الأبيض من خلالها للوصول إلى مبتغاها وتحقيق أرباح عديدة في آن واحد.


وسياسة ترامب قد رسمت خطوطًا حمراء عديدة، تسببت بتصعيد التوتر بينه وبين الدول الأخرى منها الصين وإيران ومن حالفهما، وبسبب استمرار طهران في انتهاك الخطوط الحمراء وفق ما تنظر إليه إدارة البيت الأبيض، فإن ذلك دفع ترامب إلى إيقاف هذه الانتهاكات للحفاظ على هيبة أميركا عالميًا، وكما هو معروف عن أميركا فإنها لا تخطو بشيء ما لم تحصل على نتائج إيجابية متعددة الأرباح.

ما هي الأرباح الأميركية؟
في ظل إشعال إدارة ترامب الكثير من القضايا الحساسة مع الدول الكبرى، والتي تمس العلاقات الدولية معها، كعلاقتها بالصين أو بإيران، أو بملف انتشارها في الشرق الأوسط والملف النووي وقضية فلسطين، وما إلى ذلك؛ فإن واشنطن حاولت وبدعم الخبراء والمستشارين المقربين من إدارة البيت الأبيض، أن تسير نحو منهاج يبرز القوة الأميركية العظمى، وجديتها في وقف أي دولة أو جهة تحاول الانتقاص من شأنها أو تقف بطريقها، وبهذا كانت عملية اغتيال سليماني حلاً متقناً يوصل أميركا إلى ردع خصومها ودعم نفوذها الدولي.

كانت ضربة سليماني رسالة واضحة بأن أميركا، جادة حقًا في إسكات التهديدات الإيرانية وتطاول وكلاء طهران في الشرق الأوسط على واشنطن، حيث إن ضربتها أوقفت الخطة الإيرانية التي صعّدت من لهجتها ضد أميركا؛ ولذلك فإن الصوت الإيراني المعادي لها خفت بعد الضربة، لا سيما وأن الرد الإيراني على عملية الاغتيال كان خجولًا، حتى أصبحت عملية الرد سخرية شعوب المنطقة، وكما قيل، إن الضربة الإيرانية ضد أميركا في العراق أماتت أكثر من 100 جندي أميركي من الضحك!

ولم تكن الضربة تتعلق بالصراع مع إيران فقط، بل جاءت وسيلة ضغط وتهديد لدول الخليج لإجبارهم على قبول نشر المزيد من القوات الأجنبية بحجة حماية المنطقة ودعم الاستقرار، وبهذا تحصل على هيمنة أميركية إضافية في الشرق الأوسط، وتمويل مادي إضافي من قبل دول الخليج، وأهم نقطة هي الملف الذي يتعلق بأبرز الخصوم وهو "الصين"، حيث جاءت الضربة والتصعيد في المنطقة بأن ذلك قد يهدد المرافق النفطية الخليجية التي يعتمد كل من الصين والهند على قوتها الصناعية في استيراد النفط الخليجي.

وعن غاية ترامب، فإن ما حصل عليه شخصيًا هو الشعبية المقبولية النسبية لدى شعوب المنطقة بضرب مجرم الحرب سليماني، بالإضافة إلى دعم شعبيته أميركيًا تهيؤًا للانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة.

وأخيرًا وليس آخرًا، فإن سياسة ترامب القادمة لن تستمر في التصعيد العسكري، بل ستكون ذات طابع سياسي واقتصادي، حيث إن ذلك بدا واضحًا عقب الرد الإيراني، وما استخدمته بملف الطائرة الأوكرانية التي سقطت بضربة إيرانية في البلاد، كما أن الرد الإيراني ضد أميركا سيكون عبارة عن تهديدات خجولة من قبل وكلائها في المنطقة، وبهذا يمكن أن نقول إن الرد الإيراني لضربة سليماني كان نقطة تحول نحو التهدئة العسكرية والتصعيد الأميركي الإيراني، أكثر مما كانت عملية اغتيال سليماني.