صفحات الموت البطيء!

صفحات الموت البطيء!

20 يناير 2020
+ الخط -
أصبحنا نشهد ثورة كبيرة لصفحات الموت البطيء، أو ما يسمى بالصفحات التي تحمل مشاعرك وتعبر عما بداخلك، ولكن هل حقاً بعض كلمات مسروقة من موقع ما قد تعبر عن ما يجول في نفسك، هل أصبحنا بهذه السذاجة؟

عند تصفحك، لصفحتك على فيسبوك مثلاً، وأنت تقلب فيها وإذ بمنشور يقول: "أنت مليء بالحزن، داخلك يحترق، لقد خانتك الحياة وخانك فلان، خسرت نفسك وأنت تحاول الحفاظ على من لم يتشبثوا بك".. مع العلم أنك تكون قبلها في مزاج رائع أنهيت عشاءك للتو، وحدثت عائلتك عن يومك العظيم وإنجازك الفذ، ولكن بضع كلمات لا تدري فعلياً من قام بكتابتها قلبت كيانك رأسا على عقب!

لماذا؟ هل نفوسنا حقا تأبى السعادة؟ هل حقاً نحن نشعر بالنشوة من خلال تعذيب ذواتنا بأمور لا صلة لها بالواقع؟ ما السبب الذي يدعونا لتصديق صفحات فارغة المحتوى قد يكون مجرد الإعجاب بها سبباً في شهرتها وانتشارها ووصولها إلى آلاف الأشخاص الذين من المحتمل أنهم فاقدو الأمل ونحن زدنا الطين بلة بكبسة زر واحدة!


مثل هذه الصفحات تحاول توسيع الفجوة بين الواقع والخيال، وجعل الإنسان أكثر سخطا على ما لم يستطع الوصول إليه، ما يجعل نفسه أكثر تطلباً وإلحاحا على ما هو غير موجود وغير ممكن.. بضع كلمات غير ذات معنى قد تكون سبباً في خسارتك لكل شيء وذاتك بالدرجة الأولى.. إن مجرد مقاطعة مثل هذه الصفحات تعد الخطوة الأولى للتمعن بما لدينا والرضى بما نملك.

هذا الموضوع لا يقتصر على صفحات الحزن فقط، ولا على الصفحات الكارثية حقيقة على المجتمع لمن يسمون أنفسهم المؤثرين الاجتماعيين، فهم يسعون بمثاليتهم المصطنعة إلى جعل متابعيهم مجانين بهذه الحياة التي ليست لها صلة بالواقع، وقد يتوجه الكثيرون من متابعيهم إلى اتباع أساليب مجنونة من خلال التقليد الأعمى لما يشاهدونه.

ولكن لنعلم أننا لسنا أقل شأنا من أولئك الذين نتابعهم، وأن كل شخص منا لديه ما يميزه عن غيره تمامًا، شيء هو يفعله بإتقان، بحُب، بشغف.. شيء مميز، يستحيل أن يتشاركه أحد معه، يتفرد هو فقط بإبداعه..

يجب أن نقتنع بأن حياتنا ليست وردية، وأنه مثلما فيها يوم سيئ، يوجد فيها يوم واحد على الأقل جيد، الحياة امتحان يحتوي على الأسئلة الصعبة، وسؤال سهل لا يحتاج للتفكير، في كل شخص منا شيء جيد، يمكن أن يكون مخبأ، ويمكن أن يكون ظاهراً، لكن لنعلم أننا مهما حاولنا إخفاء شيء ما في النهاية سوف يظهر.. لذلك لنجعل مكنوناتنا الداخلية عند ظهورها تعبر عن قيمتنا الحقيقية.

لا تأخذوا الجانب المريح من الأمور، وتصدروا أحكامكم عليها. أي لا تجعلوا ما تراه أعينكم على مواقع التواصل الاجتماعي تخدعكم، إنها محض منصات للتنظير وادعاء المثاليات، من أولئك المرتاحين الذين لا أحمال ولا ضغوط عليهم، كونوا على يقين بأنه لا توجد مثاليات في الحياة.. هم ليسوا رائعين، يأكلون ويشربون وينامون ولكن بطرق مبتذلة، هم بشر مثلنا إن لم يكونوا أقل، ولكن العين تسحر دائما باللمعان الأخاذ للأشياء..

راقبوا أولئك المدعين وقت الغضب، وقت الاختبارات الربانية، لا تحكموا بفوقية أو بُعد نظر، الأولى مختزلة ولا تعطي غير الشيء الذي على الوجه، والثانية قاصرة وغير واضحة. راقبوهم عن قرب، وبقرب شديد، لتفهموا أنكم تعيشون بشكل رائع!

في الحياة، لا بد من قواسم مشتركة لنبدأ بالمقارنة، وإلا فإنها تصبح مقارنة غير متكافئة فعليا، فتكون أي شيء آخر غير ذي معنى. ولكي تستطيع مواجهة ذاتك المتطلبة يجب أولاً أن تتعلم تقدير ما لديك، وثانيا لا تسمح لشيء بالتقليل منك أبدا، ولا بأي حال من الأحوال، والأهم من كل هذا، يجب عليك أن تتعايش مع واقعك، واقتنع بأن التجارب التي حاولت فيها وفشلت صنعتك، وأثرت فيك أكثر من التي نجحت فيها، تصالح مع أخطائك وتعلم منها بدل أن تلعنها..
59F11749-FE79-4F14-8B51-F3B635C403D3
أماني عمر مخارزه

كاتبة وباحثة فلسطينية

مدونات أخرى