رجال في حياة ماجدة! (2/2)

رجال في حياة ماجدة! (2/2)

20 يناير 2020
+ الخط -
حين قام السيد الحراني بسؤال ماجدة الصباحي عن سر تأخر زواجها حتى بلغت سن الخامسة والعشرين مما أدى إلى إطلاق شائعات عن كونها سحاقية، قالت له إنها لم تهتم بالرد على تلك الشائعة، وأنها كانت تتعرض قبل ذلك وبعده لكثير من الإشاعات من بينها ما نشرته مجلة (آخر ساعة) عن خطوبتها على فريد الأطرش، قائلة إن زواجها تأخر بسبب ارتباطها بالفن والسينما، وأنها اعتذرت عن الارتباط بيحيى شاهين الذي شاركها في بطولة أكثر من فيلم، وكانت قد حدثت بينها وبينه أزمة في فيلم (عشاق الليل) حين أصر على تقبيلها في أحد المشاهد بشكل رأت أنه لا ضرورة درامية له، وحين سخر منها يحيى شاهين تركت الاستوديو ولم تعد إلا بعد أن اعتذر لها، وتصافيا بعد ذلك وعملا في أكثر من فيلم.

لكنها بعد ذلك بسنوات تقول إن الحب "تسرب إلى قلبها"، وكان الحبيب هو النجم رشدي أباظة الذي صرح لها بحبه، وكان الوحيد من الوسط الفني المختلط بأسرتها، فقد بدأت علاقتها به منذ كانت طفلة وكان صديقا لأشقائها ويلعبون الكرة معا، لكنه حين تقدم ليطلب يدها رفضته الأسرة، لأن حياته الخاصة التي يعرفها الجميع لن تستطيع ماجدة مجاراتها، وأن ماجدة ليس لها تجارب سابقة وستعاني معه، وأحزن رفض الأسرة رشدي كما أحزن ماجدة، لكنها لم تفكر في مخالفة قرار أسرتها، وهو ما أغضب رشدي الذي قال لها في مكالمة تليفونية "هل تظنين أن نساء العالم فنوا، جميع الفتيات يتمنين إشارة من طرف عيني، أنني كنت أتمسك بك كزوجة لأنني أؤمن أن أبنائي منكِ سينتمون لأسرة عريقة ويتمتعون بالاهتمام والرعاية".

تروي ماجدة أنه حين نشرت الصحف خبر موافقة أسرتها على ارتباطها بإيهاب نافع، "ظل رشدي أباظة طوال الليل يهذي نتيجة السكر وكان يؤكد أنه سيبرح إيهاب ضرباً قاسياً وسيكسر له عظامه، وأبلغني في حينها صديقه الذي كان معه في تلك الليلة بما ينوي رشدي فعله، ولكنه أثناه عن ذلك في اللحظات الأخيرة. لقد سمعت من شقيق رشدي أنهم بعد وفاته وجدوا في خزنته الخاصة دبلتين حملت واحدة اسمه والأخرى اسم ماجدة"، مما يكشف أنه كان جاداً بالفعل في الارتباط بها، وهي قصة تقول إنها تعلنها لأول مرة في المذكرات، لكن رشدي أباظة لم يقم بتنفيذ تهديداته، بعد أن تم إعلان خبر ارتباطها بضابط المخابرات السابق والطيار الخاص لعبد الناصر إيهاب نافع الذي تقول إنه "سرق قلبها"، لكن الضربة جاءتها من حيث لم تتوقع، حيث فوجئت بشاب يقتحم غرفة نومها "بعد أن دخل مع الخدم في معركة مريرة مدعيا أنه زوجي"، وبعد أن قبض عليه البوليس اتضح أنه ميكانيكي اسمه عوض، لكنه قال إنه تزوج ماجدة منذ أشهر، وأن إيهاب نافع شهد على عقد القران، ولذلك جاء ليقتل إيهاب ويسترد زوجته بالقوة، فقررت النيابة تحويله لمستشفى الأمراض العقلية الذي قرر أنه يعاني من اضطراب نفسي وعصبي.


في قسم خصصه السيد الحراني لحكايات الأفلام، تعود ماجدة مجدداً إلى سيرة رشدي أباظة، حين تحكي عن فيلم (أنف وثلاث عيون) الذي أنتجته ولعبت بطولته وأسندت إخراجه إلى حسين كمال، وحين اقترحت اسم رشدي أباظة ليكون بطلا للفيلم، فزع حسين كمال وقال لها إنه يخشى العمل معه برغم كونه الأنسب للدور، "لكنه عصبي ودائم السكر، وإذا غضب من شيء يقوم بالضرب وتحطيم ما حوله، وأنا لست أنوي التضحية بنفسي الآن"، لكنها أصرت على أن تعرض الدور على رشدي، لأنها شعرت أنه الأنسب لدور الدونجوان الذي "تعشقه النساء وتذوب في حبه الفتيات ويتنقل بينهم كالزهور"، وحين التقت به اختلفا بسبب عدم تفرغه للفيلم وارتباطه بأعمال أخرى، لكنه قال لها إنها لن تجد أنسب منه للدور، وأنها ستضطر لقبول جميع شروطه، فقالت له إنها ستتجداه وستمنح البطولة لأي ممثل جديد ليصبح بطلاً، فضحك رشدي وأكد أنه قبل التحدي، وكان أول من عرضت عليه الدور هو حسين كمال نفسه، لكنه رفض أن يجمع بين الإخراج والتمثيل، ورشح لها ممثله المفضل محمود ياسين، وبرغم اقتناعها بأنه ممثل قوي، لكنها شعرت أنه ليس الدونجوان المطلوب، وأن ملامحه الشكلية أقل عمراً من عمر البطل المطلوب، ثم تذكرت خلافها مع رشدي والتحدي الذي بينهما، فقبلت عرض حسين كمال، ووقعت عقد الفيلم مع محمود ياسين، وبدأ التصوير الذي تتذكر من كواليسه أن حسين كمال جلس معها أكثر من ثلاث ساعات يقنعها أن تظهر في أحد المشاهد مرتدية قميص نوم خلال كشف الطبيب عليها، فوافقت بعد رفض شديد، وبعد انتهاء المشهد تروي أن حسين كمال داعبها قائلاً: "لشدة رفضك ظننت أن بكِ عاهة تخشين ظهورها أثناء التصوير، ولم أكن أتوقع أن أشاهد كل هذا الجمال الذي صدمني"، وحين عرض الفيلم ساهم في تعزيز نجومية محمود ياسين، وهو ما أغضب منها رشدي أباظة لفترة كبيرة، وجعلها تشعر بالندم "لما آل إليه حال رشدي بعد ذلك"، دون أن تفسر بالتحديد ما الذي تقصده بذلك.

من ألطف أجزاء المذكرات الجزء الذي أخرجت فيه ماجدة لكاتب مذكراتها أجندة تحتفظ بها منذ سنوات، تحتوي على تفاصيل الأيام التي سبقت خطوبتها والتي كانت تكتبها أولاً بأول في الأجندة، وحين وصلت إلى وصف حفل الخطوبة حكت عنه بالتفصيل، وقالت إن حفل الخطوبة الذي أقيم على ظهر باخرة نيلية، سرعان ما انقلب إلى مباراة في كرة القدم، حيث انقسم المدعوون إلى فريقين: فريق يشجع النادي الأهلي بقيادة تحية كاريوكا وزوجها فايز حلاوة، وآخر يشجع الزمالك بقيادة هدى سلطان وزوجها فريد شوقي، وكان السيناريست علي الزرقاني بمثابة ميكروفون ينقل للحاضرين كل كلمات الهجوم التي تطلقها تحية على الزملكاوية، وحين جاء عبد الحليم حافظ في نهاية السهرة لتهنئة ماجدة وخطيبها، انضم إلى فريق تحية بوصفه من مشجعي الأهلي، ولم يستطع مشجعو الزمالك ومن بينهم صلاح ذو الفقار وجلال معوض وزوجته ليلى فوزي ولاعبا الزمالك حنفي بسطان وعلي قنديل أن يردوا على هجمات تحية، لكن رشدي أباظة حين جاء إلى الحفلة متأخراً، انضم إلى مشجعي الزمالك، وقال بعد أن احتسى الكأس العاشرة: "مين يا ولاد البراطيش اللي بيهاجم الزمالك"، فردت عليه تحية "بتقول إيه يا سي رشدي، ناقص كمان تقول إنك زملكاوي، وأنت لا تفهم أي شيء في الكرة"، فبلع رشدي ريقه ولم يستطع أن يرد على لسان تحية الطويل فتركها وراح يحتسي الكأس الحادي عشرة".

تقول ماجدة إنها تحمست لإدخال إيهاب نافع إلى الوسط الفني والسينما "حتى لا يقال عليه بعد ذلك زوج الست وليستطيع تقدير ما أعانيه من عملي"، فحصل على موافقة من جهاز المخابرات للتمثيل في فيلمه الأول (هجرة الرسول)، ثم قدم معها فيلم (القبلة الأخيرة) الذي أخرجه محمود ذو الفقار ابن خالة إيهاب، والذي اشترك في بطولته رشدي أباظة، بعد أن نسي موقفه من إيهاب واحتضنه وساعده حتى يؤدي الدور، ثم شارك معها بعد ذلك في بطولة فيلم (الحقيقة العارية)، لكن انشغال إيهاب برحلاته التجارية إلى الخارج "تسببت في تثليج قلبي وخلقت تباعدا بيننا، وأدركت بأن الحياة على هذا الشكل لا يمكن أن تطاق وفجرت شرارة الخلاف بيننا، وقلت له في لحظة يسودها الجنون إما البيت وإما رحلاتك"، ثم تفاقم الخلاف بينهما حين سمح لأحد أصدقائه بالنادي في التدخل في حياتهما، وظن أن طلباتها المتكررة بالطلاق مجرد دلع، لكنها كانت جادة في ما طلبته وأصرت عليه حتى نالته، ليطلقها وهو يبكي، ويعيش بعدها حياة غير مستقرة، حتى أنه تزوج إحدى عشرة مرة، وكان من بين ضمن زيجاته أرملة رجل الأعمال رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان، وحاول مساعدتها على أن تحصل لأبنائها على الجنسية المصرية، لكن الدولة رفضت طلبها، وحين مرضت "فراو شارل سمحون" اقترضت من إيهاب 250 ألف دولار، ثم رفضت أن ترد له الأموال، بعد أن شفيت متعللة أنه زوجها وتلك الأموال من حقها، وحدث بينهما خلاف أدى إلى الانفصال النهائي.

تروي ماجدة للسيد الحرّاني أن آخر زوجات إيهاب نافع كانت سيدة لم تعرف الرحمة، فقد استغلت توكيلا كان قدمه لها في نقل جزء كبير من ثروته وأمواله باسمها، حتى شقته التي كان يسكن بها، وكانت تسيئ معاملته برغم إصابته بالشلل الرعاش ودخوله في حالة من عدم القدرة على النطق والحركة، فعزلته في غرفة بشقته، ومنعت ابنته غادة وبقية أبنائه من زيارته، وأصبح لا يستطيع محادثة أبنائه تليفونياً خشية بطش تلك السيدة، التي أساءت له حين طلبت علاجه على نفقة الدولة مدعية أنه فقير، مع أنه كان ثرياً، كما تقول ماجدة، التي أكثرت من زيارته في أيامه الأخيرة في مستشفى القوات الجوية التي نُقل إليها، وتوفي فيها بعد أربعين يوماً عن عمر 71 سنة، لتعترف ماجدة أنها أخطأت في حقه حين أصرت على الطلاق، ولم تعطه فرصة ثانية، وأنها تشعر بالذنب لأنها ربما كانت سبباً في حالة الضياع التي عانى منها بعد انفصالهما، خاصة أنه كان الحب الأول والأخير في حياتها.

رحم الله الجميع.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.