سيارات سورية أسدية (2)

سيارات سورية أسدية (2)

09 سبتمبر 2019
+ الخط -
قال أبو الجود إن الحديث عن السيارات في سورية يشبه "سيرة الأفعى"، ما إنْ تُفْتَح في مكان ما حتى يندفع كلُّ واحد من الموجودين ليروي حكايته مع أفعى اعترضت طريقه في يوم من الأيام، وكيف تخلص من أذاها في آخر لحظة، وبأعجوبة. وأضاف: أنا اللي كل الناس بينظروا لي باستخفاف، بعرف عدد كبير من قصص السيارات. من دون يمين أنا بحسن إحكي لكم قصص عن السيارات للصبح.

قال كمال: ما بظنّْ إنه شعوبْ العالمْ المتحضرْ بتحكي عن السيارات، ممكن واحد منهم يحكي لرفيقه كيف إنه باع سيارته العتيقة واشترى وحدة جديدة. وهالحديث بياخد نص دقيقة في الحد الأعلى. وممكن واحد يلتقى برفيقته ويلاحظ أنها راكبة سيارة جديدة، ويسألها: شو؟ الظاهرْ مغيرة سيارتك؟ بتقله: نعم. وبينتقلوا فوراً لموضوع تاني. لكنْ في سورية، متلما بتعرفوا، كلْ شي شاذّْ، وبالأخص موضوع السيارات، وحافيييظ، بعدما استبد بالشعب السوري قرر يعملْ ركوبْ سيارة جديدة بالنسبة للمواطن السوري حلمْ بعيدْ المنالْ، ونجح طبعاً متلما نجح في كل شي كان بده ياه..

قال أبو ماهر: أي نعم. كلام الأستاذ كمال صحيح مية بالمية. وعلى فكرة، في السبعينات والتمانينات كان الإنسان السوري اللي عنده سيارة بينشهرْ في محيطْ المجتمعْ اللي عايش فيه، والناس بتنظرْ لُه بإعجابْ، ومين منا ما بيتذكرْ الأغنية الشعبية اللي بتقول: بين العصر والمغرب، مرتْ سيارة حمرة، هاي سيارتك يا شويقي، وأنا عرفتا من النمرة.


تدخلتُ في الحديث محاولاً توضيح الفكرة التي طرحها كمال، فقلت ما معناه إن حافييظ والأشخاص المتسلطين المحيطين به، ولكي يتمكنوا من اختلاس أكبر كمية ممكنة من أموال الشعب السوري، رفعوا شعار "شد الأحزمة على البطون"، وقالوا للشعب ما معناه: استخدموا السيارات الموجودة قبلْ ما نستلم نحن السلطة، وبلا رفاهية وفخفخة وعلاكْ فاضي..

وكانت العادة أن يجري الدفاعُ عن أي قرار حقير يريد نظام حافييظ فرضَه على الناس من خلال الفزاعة الإسرائيلية، فإذا صادف أن تجرأ (كائن غريب متهور) وطالب بفتح باب استيراد السيارات الحديثة لكي يتمكن الناس من اقتنائها واستعمالها سرعان ما تواجهه دائرةُ السلطة الاستبدادية بسؤال استنكاري رهيب هو:
- بدك يانا نستوردْ سيارات حديثة والعدو الإسرائيلي عَ الأبوابْ؟

ضحك كمال وقال: يعني مثل الروائي اللي قالوا له ليش رواياتك ما فيها فنيات روائية حديثة، فرد عليهم باستنكار وقال: بدكم فنيات روائية حديثة والعدو ع الأبوابْ؟ وأنا بتخيل أخونا أبو الجود فايق الصبح وهوي منزعج ومعصب وعم يبحث في جيوبه على أمل يلاقي في شي جيب خمس ليرات أو عشرة، وقبلما يطلع من الباب بتلحقه الأخت أم الجود وبتقله لما بترجع جيب معك ربطة خبز، فبيقلا بعدما يتخذ وضعية الرفاق المناضلين: تريدينَ ربطةَ خبزٍ والعدوُّ على الأبواب؟ تباً لك من بين الزوجات!

ضحك الحاضرون جميعاً، وبضمنهم أبو الجود، ثم قال: واضح أنُّه الأستاذ كمال أَلَّفْ هاي القصة هلق، ع السليقة، مع أني والله العظيم صارت معي قصة بتشبهها.

قال أبو محمد: صارت معك قصة بتشبهها مع أختنا أم الجود؟

قال أبو الجود: لأ. بس أنا لما قررتْ إشتغلْ شوفيرْ سيارة رحتْ دغري لعند أم الجود وبلشت إحكي لها عن الأموال الطائلة اللي ممكن تدخل لجيبنا إذا أنا عملت شهادة سواقة ونزلت ع الشغل، لأنه في كتير ناس بيمتلكوا سيارات عمومي وعَمْ يبحثوا عن شوفير يشتغل عندهم بالأجرة. قالت لي: طيب روح اعمل شهادة سواقة. أنا ماسكتك؟ قلت لها: لازم أعمل فحص طبي بالأول، لأني عندي مشكلة في النظر، إنتي هلق واقفة قدامي بطولك وعرضك وأنا يا دوب شايفك. قالت لي: طالما أنك ما بتشوف بشكل جيد كيف بدك تشتغل شوفير؟ ما بتخاف تعمل حوادث؟ قلت لها: لا تعملي لي محاضرات وخطابات، البلد مليانة سائقين شوفهم ضعيف متلي، وعم يسوقوا سيارات وماشي حالهم. هاتي اعطيني ميتين ليرة من المصاري اللي موفرتيهم حتى إدفعهم لـ"أبو هداد" موظف اللجنة الطبية حتى يعطيني تقرير إني بشوف بعيوني عشرة على عشرة.

قال أبو زاهر: كل شي بالرشاوي، حتى التقارير الطبية؟

قال أبو الجود: المهم أم الجود ما قبلت تعطيني مصاري، قالت لي: لو كنت بتستحي ما بتاخد مصاري من مصروف العيلة وبتدفعها لأبو هداد اللي ما بيخاف من ربنا.. المهم، تركتها ورحت لعند أبو هداد وبلشت إبكي قدامه، وإحكي له عن الفقر والنحس وكتر العيال وقلة المصروف.. وأنا عم بحكي وهوي عم يركز بصره على إيدي. ولما تأكد إني مو جايب لُه معي رشوة بتعرفوا أيش قال لي؟

قال أبو محمد: أشو؟

قال أبو الجود: قال لي والله يا أخي أبو الجود إذا أنا بعطيك تقرير بينص على إنه عيونك سليمة بكرة من الصبح راح تلاقي القوات الإسرائيلية واصلة لهون. على نِصّْ ضيعتنا. يا أبو الجود نحن ما خرب بيتنا وخلانا نضعف أمام العدو الإسرائيلي غير الخواطر والمحسوبيات والرشاوي. أي نعم.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...