حين يتحول المفكر إلى رئيس

حين يتحول المفكر إلى رئيس

06 سبتمبر 2019
+ الخط -
يقال إن القذافي كان يقف أمام المرآة ويحفظ خطابات عبدالناصر ويقلدها، رغم أنه شخصية خجولة صامتة حينها. في غفلة من الزمن ولا ندري كيف، أصبح رئيس "الجمهورية العربية الليبية" كاسم بديل عن المملكة المتحدة الليبية؛ ثم عطل الدستور.

كان له شغف بأن يكون كاتبا أو مثقفا أو "المفكر الملهم". قرأت له كتابا، قيل أنه صدر في العهد الملكي، اسمه آراء في السوق والتعبئة. هو كتاب عسكري، قرأته فوجدته هابط المضمون والشكل. لن أذهب إلى نظرية المؤامرة، والقول إن الكتاب صدر بعد الانقلاب بقلم آخر، ورغم تفاهة الكتاب، إلا أن مثل هكذا كتب يجب أن تصدر عن قادة كبار عظام، لهم صولات وجولات في الحروب، وليس عن خريج "فريش" فاشل دراسيا، ما زال يحبو في العسكرية. 



ثم كانت له بعض الآراء والأفكار البعض رآها شاذة، فيما العامة وهم السواد، بين عدم فاهم، أو عدم متابع، أو مبهور. ووصل إلى أن تضخمت الأنا عنده وأراد خداع العالم بأسره، بحكم ليبيا إلى الأزل بحجة نظرية عالمية ثالثة، تتوسط نظامين اقتصاديين أحدهما انهار والآخر بقي. القذافي قومجي عربي، وتبين الآن بما لا يدع مجالا للشك، أن سبب كوارث الأمة العربية والإسلامية هم أمثال هولاء القومجيين باعتبارهم وفقا لما أتضح لاحقا، ليسوا سوى بيادق شطرنج ودمى تحركها الدول الفاعلة والقوى العظمى.

السياسي لا يجب مطلقا أن يكون مفكرا فهذا يفسد عمله الأساسي، خاصة في العالم الثالث، الذي تختزل فيه كل السلطات، في يد القائد الملهم أو الزعيم الأوحد. تصبح كارثة كبرى أن يكون الزعيم مفكرا، إذ لديه القدرة على تحويل أي كابوس يراه في نومه إلى حدث حقيقي على أرض الواقع. حيث لا وجود لمؤسسات.


الرئيس أيضا ليس دوره أن يحلم وينتج كتبا بها مشاريع قومية كبرى، اقتصادية، أمنية، أو سياسية، فهذا العمل يلغي وينسف من الأساس، أهم المؤسسات وهي الحكومة، خاصة إن لم يكن الحكم رئاسيا. إذا كان الرئيس هو من يضع الخطط الخمسية أو السنوية ويضع الميزانيات التقديرية وشخص بمثل هكذا نرجسية سوف يقحم نفسه في الموازنات العامة وأوجه الصرف والإنفاق، وبذا يلغي حتى الدور التشريعي لمؤسساته، وبالتالي القضائي.

أكثر ما يزعجني، هم هولاء الناس، الذين ما زالوا يعيشون عهد الشريف حسين، ويتحدثون عن القومية، والكلام الذي لا ينهض بالأمم، لأننا نحن، العرب تحديدا، قاسينا كثيرا من استبدادهم وتسلطهم. كل من يحترم القذافي وأمثاله هو مثله ولن يكون أبدا صديقا، على الأقل للشعب الليبي وغيره من الشعوب العربية، إلا إذا اختزل هذه الشعوب في زمرة السارقين الهاربين بأموال أممهم للخارج.

أنا متيقن أن زمن القومجيين كزمن فرعون أصبح أثارا في متاحف التاريخ، ولن يحكموا، فالوحدة العربية أكذوبة لم تقم يوما وإن رزقنا الله بوطنيين، فهي لن تقوم بفعل لغة أو عرق بل تحتمها المصالح، ونزعة البقاء. ليس بالخطابات تبنى الأمم وليس بكتاب تترأس دولة في ظل شعوب أضحت متيقظة.

السماء تتلبد بالغيوم والشعب سيكون تعيسا، إن حكم رجل يملك كل هذه المواصفات التي ذكرت أي قطر عربي، ليس خوفا منه أكتب بل عليه لأنه سينزلق لحضيض لا قرار له.

8E38CF27-B10A-4916-A022-177616221C42
أحمد يوسف علي
مختص في نظم المعلومات ومحاضر جامعي سابق.