أنت الوحيد صانع السعادة

أنت الوحيد صانع السعادة

30 سبتمبر 2019
+ الخط -
من رحم اليأس يولد الأمل وتتجدد الحياة، ومن طاقة الأمل الصغيرة ننظر إلى العالم بطمأنينة وارتياح، ولو فقد العالم الأمل ما وجدنا على الأرض من دابة، تفاءل واعلم أن من بطن الظلام يولد النور ويسطع شعاعه في قلوب المحبين للحياة، وفِي بطن الحوت عاش النبي يونس عليه السلام لمدة 40 يوماً، وفِي قلب قصر الطاغوت فرعون عاش وترعرع الطفل موسى إلى أن أصبح شاباً يافعاً ثم محارباً للطاغوت داعياً إلى التوحيد، ومن غياهب ظلمات سجن مصر التي قضى فيها سبع سنوات خرج النبي يوسف إلى عرش مصر ليحكم وينقذ البلاد من سبع سنوات عجاف، وبعد أن ظل في السجن نحو 27 عاماً خرج نيلسون مانديلا إلى القصر ليحكم جنوب أفريقيا ويمهد للقضاء على أخطر أمراض اجتماعية عاشتها البلاد لسنوات طويلة، أمراض العنصرية والكره والفساد الطبقي والاضطهاد العرقي والحرب الأهلية.

الأمل مرادف للحياة والنماء والزرع والإنتاج والخير والراحة النفسية، واليأس مرادف للاكتئاب والألم والعزلة والانزواء والانطواء والحرمان والشر والعوز والفقر وربما الانتحار، اجعل من حياتك طاقات أمل متجددة توزع الخير والبسمة والتفاؤل على الجميع وبلا استثناء، إذا أصابك اليأس لحظة أو حتى لحظات، ارجع إلى عبر ومواعظ التاريخ وقصص الماضي التي تقول إن لكل ظالم نهاية، وإن الجبروت يتحطم على صخرة الكبر والعناد، وأنه كيف لأشخاص ظن الجميع أن السجن والمعتقلات غيبتهم إلى الأبد، فإذا بهم يخرجون لينشروا السلام ويقيموا العدل ويريحوا قلوب المظلومين والمكلومين وأمهات الشهداء وأسر المقهورين.

في حال مسك شيء من "شيطان" اليأس والقهر والظلم، أو لفحت وجهك زفرات من القنوط، انظر لمن حولك وتفاءل، واعرف أن لديك من المزايا والمنح الربانية ما ليس لدى غيرك، انظر للمآسي التي يعيشها ملايين الناس حولك، للأمراض التي تسكن جسد الملايين حول العالم، لشعوب الدول التي لا تعرف سوى صوت الحروب والرصاص والبراميل المتفجرة وأصوات المدافع. انظر لنعم الله عليك حتى ولو كانت معنوية غير مادية.

عندما تلحف قلبك طاقة يأس وحزن، انظر في عين طفلك اللامعة، تأمل بسمة أولادك، براءتهم، حركاتهم، انظر إلى صحتك وعافيتك وأماكن القوة التي تتمتع بها، أنظر لرضا والديك عليك، وكيف أنهما يمدان يديهما إلى السماء للدعاء لك لا عليك وأنت غارق في نومك أو مشغول في عملك.

الحياة كَر وفر لا تدوم على حال، اليوم لك وغداً عليك، هذه سنة الله في الكون، لا تندم على ما فات، فربما لو كتب الله لك ما تريد وتتمنى أنت لتحولت حياتك إلى جحيم لا يطاق، إلى نقمة لا تستطيع مواجهة تبعاتها، لا تيأس، فمع الإصرار والعزم يتحقق لك ما تريد، لا تجعل من أيام الفرح حزناً فتطفئ فرحتك عن عمد، لا تبك عندما تكون سعيداً، بل عش اللحظة وأفرح من كل قلبك، اجعل بسمتك صافية من قلبك، وزعها على من حولك حتى تبعث فيهم الأمل وحب الحياة والثقة بنصر الله حتى وإن تأخر.

اجعل ما تمر به من لحظات جميلة شيئاً سعيداً لك، تدخل به السرور على نفسك وأولادك وعلى كل من حولك، في اللحظات الصعبة والتي تتعثر فيها، تذكر أنها استراحة محارب، اعمل خلالها لغدك، أعد ترتيب أوراقك، قيم حياتك وراجع نفسك، خذ دورات تدريبية وتعلم لغات، اقرأ، ابحث عن أصدقائك القدامى، حول لحظات الحزن إلى فرصة وتحدّ تتعلم خلالها أشياء جديدة وتعالج أخطاء الماضي.

تسامح مع كل من أساء إليك حتى مع من لم يحفظ جميلك وما قدمته له في بداية حياته أو في لحظات ضعفه، اعفُ عن ناكري الجميل حتى وإن لم يستحقوا، لا تتذكر من أساء إليك، فهؤلاء لا يستحقون تذكر تلك اللحظات التي قضيتها معهم، لا تشغل بالك بهم، فهم مروا عليك للحظات وإن طالت شأن الآلاف الذين مروا عليك ولم يتركوا بصمة في ذاكرتك أو مكاناً في قلبك، لا تعطِ أحداً لكي تأخذ، بل وزع الخير على من حولك وامضِ إلى حال سبيلك، لا تنتظر رد الجميل من أحد حتى ولو من أقرب الأقربين.

أنت سيد نفسك، ولا أحد غيرك هو السيد، أنت الحر والسيد، فلا تجعل أحداً يحدد منسوب السعادة الذي يتدفق إلى قلبك، أو يحدد حجم وموعد ومساحة بسمتك، لا تسمح لأي أحد مهما كانت درجة وجوده وأهميته في حياتك بأن يحدد كمية السعادة التي ترسمها على شفاهك، أو أن يحدد "مود" يومك، أو ينغص عليك حياتك كيفما يشاء، أنت الوحيد صانع السعادة والبهجة لنفسك، كل ما تشاء، ارتدِ ما تشاء من ملابس، لا يهمك كثيراً رأي من حولك فيما تفعل إن كان رأيه لا يدخل السعادة إلى قلبك، المهم أن تكون سعيداً، اختر ألواناً صارخة أو هادئة لترتديها حسب "مودك"، إذا أردت أن تصرخ، أغلق عليك غرفتك، وأصرخ بكل ما أوتيت من قوة، وإذا أردت أن تقهقه بصوت عال، افعل، لا تتردد، أطلق لبسمتك العنان، لا تقيدها وتلجمها وكأنك خجل منها أو أنها عيب اجتماعي أو أنك لا تستحق شخصياً البسمة.

من يقل لك إن لون ملابسك لا يليق بك ولا يناسب سنك، قل له بثقة وفخر: "عجباني جداَ، إنه لوني المفضل"، من ينتقد ألوانك، قل له: "سعيد به، لأنه لوني المفضل"، لا تجعل أحداً يمارس سياسة الوصاية عليك، أنت سيد نفسك، قل لمن حولك إن الحرية أغلى ما نملك، ولو أن الله أعطانا فقط نعمة الحرية لكفتنا ووسعتنا طوال العمر.

حاول أن ترسم بسمة على كل من حولك لأنها سترتد إليك في يوم ما قد تكون أكثر احتياجاً إليها من غيرك، وربما سيبعث إليك من حولك بتحية أفضل منها في التو والحين أو في المستقبل، من يحاول أن يضايقك أو ينغص عليك حياتك أو يقلب مودك و"يعكنن" عليك أو يفرض عليك واقعه البائس، كل ما عليك هو أن تبتسم، نعم ابتسم، حتى ولو لم تكن ابتسامة ليست من القلب، وبعدها واصل مسيرتك، أنت وحدك صانع السعادة وليس أحد غيرك، ولذا اصنعها لنفسك وازرعها بداخلك قبل أن توزعها على من حولك.

دمت سعيداً يا صديقي.

مصطفى عبد السلام
مصطفى عبد السلام
صحافي مصري، مسؤول قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد".