عجز الصامتين وصمت العاجزين

عجز الصامتين وصمت العاجزين

13 سبتمبر 2019
+ الخط -
ملعون ذلك الخوف الذي يرعب الإنسان، ويجعله أشبه بكرة ثلج باردة لا حياة فيها، وملعون ذلك الجوع المؤدي لزواريب يختفي فيها كل ما يبعث على التقزز بل والتقيؤ أيضاً. درب المهالك يفرش خوفاً، جوعاً، أو طمعاً. كم هي تافهة الحياة حين لا تكون فيها أحلام الرجال كبيرة، تقتصر على رغيف خبز يذلنا ويلهينا أو مال سرق منا ليمنح لنا كهبة من سلطان "جائر"، ما يؤدي إلى حالة من الرق خلناها غير موجودة حتى في كتب التاريخ القديم، حديثة الطباعة.


نتألم لحال بلداننا الجريحة، فها هي سورية "جرح يصيح على المدى" لا شيء يشير إلى توقفه في أجل قريب، والذي عند الله ليس ببعيد. مصر، كل يوم تظهر لنا فضيحة "بجلاجل" أكبر "جرصة" من سابقتها، شعب متبرم غضبا ومرعوب خوفا، لعنة الله مرة أخرى على الخوف، الذي يسكن النفوس، ليستعمر الشعوب. وما "كارثة" ما تحدث عنه "شاهد من أهلها" ببعيدة بل مستمرة، ليستمر الإلهاء، اللعبة التي يمارسها منزوعو الضمائر والآدمية.

في ليبيا، دماء تسفح يوميّاً، حتى كاد الخزان يفيض، و"لا بواكي" علينا، وعلى زهور تسقط يوميا، في وحل الحرب ثم الموت. ملعونة أيضا "قلة الحيلة"، التي هي أساسا، يمكن تمثيلها برؤوس خاوية فارغة، تتسابق على المغانم، متناسية أن أكبر غنيمة هي الوطن، وأفضل نصر هو أن ترى شبابا يعمل، يفكر، يتزوج لا أنْ يموتْ.

يمن سبأ وحضارتها، أصبح أهله مثل كرة القدم الأميركية، الكل يتشابك، والكل يركل، والكل يسقط، والملعب مقسم إلى عشرة خطوط. سرقوه سابقا وضحكوا على أهله وكنوه بـ"السعيد"، ووالله مذ وعيت على الدنيا، وهذا اليمن تعيس بل في قمة التعاسة، خاصة بعد أن تم الاستيلاء على مقدراته النفطية، ورشوة حكامه ليصمتوا، ولولا نعمة "القات" لفقد اليمنيون عقولهم وفلتوا منها.

أكبر كارثة حلت على العرب، منذ الطاعون الذي عزل "عمواس"، في عهد عمر، وأفنى ثلاثين ألفا من صحابة رسول الله، والفتنة الكبرى، لم تحدث على مر العصور كارثة، تماثل اعتلاء هؤلاء المغفلين، من أمثال بن سلمان وبن زايد والسيسي لعروش بلدانهم. كارثة لا يعادلها حتى غزو المغول لبغداد وقتل رجالها.
ابتلينا بحكام لا يملكون سوى رؤوسا كبيرة فارغة إلا من الشحم واللحم، ومؤخرات وبطونا منتفخة من قلة التفكير، وكثرة الشفط الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الدهن والفايبر، ويا ليته مثل ذلك الذي نستفيد منه في كل تقنيات العصر، بل هو والروث سواء لا يجلبان إلا الرائحة الكريهة و"التنبلة".

نحن نعيش في عالم متنفع "لا حياة" فيه "لمن تنادي"، الكل يغلب مصالحه، ولا يعني أحد لهم شيئا، بما في ذلك شعوبهم، لولا بقية من قوانين ودساتير، تشكل سد الحماية الأخير. وحتى هو يتم تجاوزه كثيرا ما لم "تهب" الشعوب مصبحة "ولا تبقي خمور الأندرينا". نموذجا فرنسا، بريطانيا قريباً، وأميركا من قبل وربما من بعد أيضاً.

ظهر جليا بما لا يدع مجالا للشك والتخمين، أن أمثال من ذكر من حكام، ما هم إلا "وردية خفارة" لآبار نفط وخيرات أخرى تخص تلكم الشعوب، كونها اشتقت من بطن الأرض (الوطن) الذي يعيشون فيه، وينتسبون له. وما الوطن في نظرة هؤلاء الحكام، إلا حفنة تراب مرصع بالحلي الثمينة لهم، وقبر وكفن لنا، بينما الوطن هو المواطن، حق المواطن، حياة المواطن، كرامة المواطن، واشياء أخرى وإلا لكنا اعتبرنا القطب المتجمد "الخالي" وطنا.

فصل الخطاب "ما نيل المطالب بالتمني" إنما "تؤخذ الدنيا غلابا"، فقد خلق الله التدافع، إن لزم، وما خلق الله الحاكم أبديا "مؤبدا" بل أعطى الأمم حق الاختيار، وإنا نرى قطافا قريبا لا حل سواه لرؤوس كبيرة وعلى الشعوب ألا تخاف الفوضى والفراغ، فما شهدنا فوضى وفراغا إلا في ظل حكام فاشلين مثل هؤلاء وتجنبت تشبيههم بالحمير لأن لها مآثر عليهم. تحرروا من خوفكم فمن لم يمت بحد السيف مات بغيره!

8E38CF27-B10A-4916-A022-177616221C42
أحمد يوسف علي
مختص في نظم المعلومات ومحاضر جامعي سابق.