سيارات سورية أسدية (3)

سيارات سورية أسدية (3)

10 سبتمبر 2019
+ الخط -
أوضح الأستاذ كمال للآخرين أن وجود الأوضاع الشاذة في مكان ما، يفيد في إبداع القصص والحكايات أكثر من الأوضاع الطبيعية السليمة. وضرب مثلاً بمواطن ألماني اشترى سيارة وأراد أن يسجلها على اسمه. وقال: بحسب ما سمعت إنُّه ملكية السيارة بتنتقل من البائع للشاري في نفس لحظة الشراء. أما شراء سيارة وتسجيلها في المواصلات السورية فعبارة عن ملحمة.

قال أبو زاهر: ليش ضربت مثال بألمانيا؟ هون في دول الخليج لما بتشتري سيارة من المعرض، بيجي عامل بيعلق للسيارة نمرة جديدة، وبيسجلها على إسمك. وبتطلع أنت بتسوقها وبتروح على بيتك وبراءة الأطفال في عينيك.

قال كمال: في سورية، قبل سنة 1993 ما كان في سيارات مستوردة جديدة، ولا في معارض سيارات حديثة. إذا بتتذكروا نحن حكينا أمس إنه المواطن السوري كان يشتري سيارة مستعملة، وإذا لقاها تعبانة كتير ياخدها ع الراموسة، أو على حي السليمانية بحلب، وينفضها. منشان هيك كان البياع الشاطر يقول: عندي سيارة منفوضة، اللي بيشوفها بيفكرها جديدة من الوكالة.


ضحك أبو الجود وقال: ولما بيجي واحد يبيع سيارته أول سؤال بيتوجه إله هوي (السيارة منفوضة؟) والسؤال التاني (فيها بَخّ؟)..

قال أبو ماهر: شو هاد البَخّ؟

قال أبو الجود: إذا السيارة عملتْ حادثْ، أو إذا كانت عتيقة كتير، والصاج الحديدي صار فيه صدأ، بياخدها صاحبها لمحل الصواج، وبيركب لها صاج جديد، وحتى تصير كلها بلون واحد بياخدها لعند البخاج (البويجي) وبيدهنها (يبخها) من نفس لونها الأساسي، وإذا مشي حالْها وصارت بلون واحد بيصير بيمدحها وبيقول: طلعت من تحت إيد البَخَّاخْ متل العروس!

قال كمال: لا تخلونا نبعد عن موضوعنا الأساسي، قصدي موضوع التسجيل. أول شي أنا بحب أقول إنه أكترْ دائرة حكومية سورية بتعاني من الازدحام في سورية هيي مديرية النقل البري، وهيي نفسها بيسموها الناس (المواصلات). أنا لما كنت أروح حتى أسجل سيارتي كنت أفكر في الموضوع قبل شهر ع الأقل، لأني بالأساس ما بطيق الازدحام.

قال أبو محمد: أنا كنت أسجل سيارتي باسم ابني محمد، بحياتي كلها ما رحت ع مديرية النقل.

قال أبو الجود: هَنِيَّا لَكْ يا عمي أبو محمد. خيو. أول شغلة لما بتوصل ع مديرية النقل لازم تكتب "استدعا"، وبعدين بتفوت في قلب الازدحام متل السباح المبتدئ لما بيغمض عينيه وبيغطسْ في البحر وبيصير يخبط بإيديه ورجليه منشان ما يغرق. وبتضل بتمشي في هالمتاهة وبتسأل عن الموظف المختص بمعاملتك، لوقت ما تلاقيه.. هون الموظف إذا عرف إنه سيارتك مسجلة من قَبْلْ لازم يعطي رقمها للآذن (الفراش) حتى يدخل ع المستودع ويجيب له الإضبارة. وهادا كله بياخدْ وقت، ولازم تدفع رشوة (إكرامية) للآذن لحتى يعجل في إحضارها.. وبعدما يجيب الإضبارة بيفتحها الموظف، وإذا عرف أنك شاريها بيطلب منك تحضر البائع، وتاخده وتروحوا سوا على نقابة السائقين حتى يفرغ لك فيها، يعني يتنازل لك عنها قانونياً.. وهاي معاملة قائمة بذاتها، وإذا مالك السيارة ما عنده وقت، ممكن يعمل وكالة لشخص آخر، والشخص الآخر بيجي بيفرغ لك فيها، وبعدما تنتهي هاي العملية وتتكلل بالنجاح، بتصير ورقة نقل الملكية بدها تصديق.. ولما بتتجاوز هاي المرحلة بالسلامة يفترض فيك تدفع رسوم السيارة، يعني لازم تروح على مديرية المالية وتشوف الجابي وتدفع له، وتجيب إيصال الدفع وترجع على مديرية النقل (المواصلات).

قال أبو محمود: المهم إنه بيكون دورك محفوظ؟

قال أبو الجود: أبداً مو صحيح هالحكي، لأنك أنت ما راح ترجع بنفس اليوم، شغلتك ممكن تاخد يومين أو تلاتة، بحسب تيسير الله رب العالمين.

تساءل أبو محمد: عم تقول "بحسب تيسير الله رب العالمين"؟ ليش بقى؟

قال أبو الجود: لأنك ممكن تروح ويكون الموظف المختص غايب، بيقلك رفيقُه إنه هو في إجازة، أو المسكين صاير معه حادث، أو مرته عم تخلف عقبال خلفتك، وهلق رفيقه راح لعنده ع المستشفى حتى يجيب منه مفتاح الدرج والخزانة اللي فيها الأوراق والأختام، وممكن تلاقي الموظف، ويبلش يلف ويدور حتى ما يْمَشّي معاملتك، يعني في الأخير بدك تدفع رشوة (الصيغة الملطفة: إكرامية) .. ولما بتوصل ع مديرية المواصلات وكل أوراقك جاهزة، بترجع تطلب الإضبارة عن طريق الآذن، وبتدفع للآذن إكرامية، وبيمسك الموظف إضبارتك وبيبتسم حتى يشعرك أنه أمورك صارت سليمة، وبيقلك روح جيب طوابع.. وإنته بتفكر تأمين الطوابع شغلة بسيطة.. لا أبداً، كمان بدك تطلع برة المديرية وتشتري طوابع بسعر أعلى من سعرها، لأن كاتب العرضحالات بيشتريها وبيتعذب فيها بده يربح فيها شوي..

قال كمال محاولاً تلخيص العملية: لا بد أنه في حدا من الناس يقترح على المسؤولين أنهم يستخدموا الكومبيوتر ويحلوا تلات أرباع إجراءات التسجيل والدفع إلكترونياً.. هادا ممكن طبعاً، وأكيد فكروا فيه، ولكن تطبيقُه بيأدّي إلى قطع رزق جيش من النصابين والمتعيشين والمختلسين اللي منتشرين حوالي هالسيارات الجربانة التعبانة وصاحبها المسكين.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...