توفيق صالح يحكي عن أيامه الطويلة في السينما (1/5)

توفيق صالح يحكي عن أيامه الطويلة في السينما (1/5)

02 سبتمبر 2019
+ الخط -

نظرياً، كان يبدو في تلك الأيام من صيف 1998 أن الدنيا قد ابتسمت أخيراً للمخرج الكبير توفيق صالح، فأعطاه القمر وجهه بعد أن ظل يعطيه "ظهره" طيلة 43 عاماً، طبقاً للتعبير الساخر الذي قاله أحد أصدقائه، ونقله لي الأستاذ توفيق ضاحكاً في بداية حديثنا، ثم علق عليه قائلاً إن تجربته في الحياة علمته ألا يطمئن للحياة بالذات حين تبتسم له.

لم يكن ما قاله الأستاذ توفيق غريباً بحكم عشرته مع الظروف السيئة، مع أنه وقت أن التقينا في نهاية شهر يونيو عام 1998 للبدء في هذا الحوار الذي كانت ستنشره مجلة (صباح الخير)، كان على وشك أن يحصل لأول مرة على تكريم رسمي رفيع تمثّل في جائزة الدولة التقديرية. حين ذهبت لمحاورته عشية إعلان الخبر، كان لدي معلومات مؤكدة أنه سيحصل على الجائزة، لكن الصديق العليم الذي أبلغني بالخبر، نصحني أن لا أبلغه خوفاً من أن يرجع المسئولون في كلامهم كما حدث قبل ذلك، وبالفعل لم أخبره بما أعرفه، وحين اتصلت به في اليوم التالي لأهنئه بعد إعلان الخبر رسمياً، قال لي إنه سمع منذ عدة سنوات، ولأكثر من مرة أنه مرشح للحصول على الجائزة، لكنه لم يتوقع الحصول عليها، لأنه لم يتعود أبداً على التكريم، والغريب أن الدولة قررت بعد حصوله على جائزتها التقديرية بأسابيع، أن ترفع قيمتها من خمسة آلاف جنيه فقط إلى مائة ألف جنيه، أيام كان للجنيه شنّة ورنّة، وهو ما أثبت لي أن الأستاذ توفيق لم يكن مبالغاً جداً فيما قاله عن حظه، لكنه لم يملك إلا أن يطلق ضحكة عريضة، حين أثرت معه الموضوع بعد عام من لقائنا الأول، وكان وقتها ينتظر تكريمه في المهرجان القومي للسينما المصرية، والذي لم تكن سعادته به خالصة، لأن تجاربه السينمائية جعلت ضحكاته دائماً مختلطة بالأسى.

بالطبع كان الأستاذ توفيق سعيداً بأن أربعة أفلام من الأفلام الخمسة التي أخرجها في مصر، وهي أفلام (درب المهابيل ـ صراع الأبطال ـ المتمردون ـ يوميات نائب في الأرياف) اختيرت ضمن قائمة أحسن 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، التي اختارها عدد من النقاد والسينمائيين عام 1997 بإشراف من الكاتب سعد الدين وهبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وأثارت ضجة كبيرة وقت إعلانها، لكن سعادة توفيق صالح لم تكن كاملة، لأن التلفزيون المصري لم يكن يعرض أياً من أفلامه تلك ولو على سبيل الخطأ، ومع ذلك فقد كان يلمس تأثير هذه الأفلام على الأجيال الشابة من المخرجين، من خلال تواجده في الفعاليات السينمائية منذ عاد إلى مصر بعد غربته الطويلة، ومن خلال عودته للتدريس في معهد السينما، ليعوضه ذلك عن تجاهل الوسط السينمائي الذي ظل الكثيرون يتعاملون معه فيه بوصفه "المخرج أبو لسان مدبّ اللي عامل لي فيها فيلسوف"، وهو ما قاله لي بنفسه واصفاً تلك العبارة بأنها لقبه المفضل في الوسط السينمائي المليئ بالفساد حتى الثمالة.

لم يرغب توفيق صالح في التعليق على ما أثير بعد إعلان القائمة، عن كونه الأحق بلقب (أحسن مخرج في تاريخ السينما) لأن أربعة من أفلامه المصرية الخمسة اختيرت في القائمة ـ كان فيلمه (السيد البلطي) الوحيد الذي لم يدخل في القائمة ـ قائلاً إن اختيار تلك الأفلام الأربعة في القائمة يكفيه وزيادة، لكنه حدثني باستفاضة عن تجربته مع فيلمه السادس (المخدوعون) الذي أنتج في سوريا، والذي يعتبره بعض النقاد والمؤرخين السينمائيين نقطة الانطلاق الحقيقية للسينما السورية، لكنه حرم من ذلك الاعتراف بشكل رسمي في سوريا، ثم حُرِم من فرصة استمرار التعاون معه لأسباب حكى نصها في هذا الحوار، كما حكى عن فيلمه السابع والأخير (الأيام الطويلة) والذي أنتج في العراق، وجلب لتوفيق صالح مزيداً من السخط والاتهامات التي لم تكن تنقصه.

للأسف، منذ أن عاد توفيق صالح إلى مصر في عام 1984، بعد 14 عاماً من الغربة، لم يقف وراء الكاميرا ولو للحظات، بل وقف أمامها فقط حين شارك صديق عمره اللدود يوسف شاهين في تمثيل فيلم (اسكندرية كمان وكمان) الذي وثّقت بعض أجزائه أحداث اعتصام الفنانين في نقابة المهن السينمائية احتجاجاً على محاولة الدولة فرض قانون يحد من استقلالية النقابات الفنية. وكنا حين تحدثنا عن هذه الحقيقة المرة، نجلس في بلكونته المطلة على كوبري عباس بالجيزة، التي قلت له إنها في رأيي من أجمل عشرة بلكونات في مصر، ولا يمكن أن يمل أبداً من يجلس فيها، فقال لي ضاحكاً إنه مع ذلك يكره اضطراره للقعدة فيها أغلب الوقت، ويكره أن يتصور ـ أو يصوّر ـ البعض أنه يجلس في بيته بمحض إرادته، مع أنه لا يكف عن البحث عن فرص للإنتاج والتفكير في مشاريع للتنفيذ، لكنه كما حكى لي، كلما جاءه منتج ما ليعرض عليه فرصة ما، تطوع أولاد الحلال لإسدائه "زمبة" تذهب بالمنتج وفرصته بعيدا، مرة لانه عصبى ومرة لانه شيوعى ومرة لانه مابيفهمش سينما، طبقاً لما نقل إليه في مناسبات متعددة.

لكنه مع ذلك لم يستسلم، فحين التقيته مرة ثانية في صيف عام 1999 وسألته عن المشاريع التي كان يعمل عليها في العام الماضي، وعرفت أنه لم يوفق فيها، فاجأني بأنه منذ شهرين يعيش حالة من النشاط الفني، بعد أن تلقى عرضاً جاداً من أحد المنتجين المحبين لفنه، وأنه كان يبحث بشدة عن سيناريو فيلم كوميدي غنائي ليشبع حلماً قديماً له، منذ أيام شبابه التي كان متيماً فيها بالأفلام "الميوزيكال" الأمريكية، وحين فشل في العثور على سيناريو يحقق لها ما يريد، قرر تأجيل تنفيذ المشروع، ليبدأ في عمل فيلم مستوحى من تجارب جيل السبعينيات الذي قاد الحركة الطلابية، بعد أن تأثر كثيراً بواقعة انتحار الكاتبة أروى صالح التي كان معجباً جداً بكتابها الجميل (المبتسرون)، وطلب مني فكرة لفيلم كوميدي، فأعطيته فكرة أعجبته كانت تحمل عنوان (خلي عندك دم)، وعرض علي بعد قراءتها أن أتعاون معه في كتابة مشروعه عن جيل السبعينيات، لكن حظ التجربتين لم يكن سعيداً كالعادة.  

حين بدأت حواري معه لأول مرة، قلت له إن الكثيرين لا يفهمون حقيقة حالة العزلة التي فرضها على نفسه والتي توقف فيها عن العمل، ويظنونها اختياراً منه، ويعتبرها بعضهم عجزاً، ويعتبرها البعض الآخر ادعاءً لأن الكل يعمل حسب رأيهم، واتخذنا من هذه النقطة مدخلاً للحديث عن علاقته كفنان بالسلطة، سواءً كانت سلطة الدولة أو سلطة الوسط السينمائي، وهي العلاقة التي شكلت تجربته ورسمت شكل "أيامه الطويلة" التي عاشها "متمرداً" في أغلب الأحيان، و"مخدوعاً" في بعضها، وكان هذا الحوار الذي تحدث عن تلك الأيام، والذي نشرت أجزاء منه في مجلة (صباح الخير) عام 1998، وأجزاء منه في مجلة (المصور) عام 1999، وتعرض ما نشر للحذف أو التخفيف في المرتين على أيدي المسئولين عن التحرير، لأسباب تتعلق بصراحة الأستاذ توفيق ورغبته في تسمية الأمور بمسمياتها، وها أنا أضع الحوار بين يديك كاملاً لأول مرة.

...

ـ أستاذ توفيق، إجمالاً وقبل أن ندخل في تفاصيل تجاربك السينمائية في أكثر من بلد عربي والتي تعرضت للقمع والمضايقة، كيف يمكن أن تصف علاقتك كفنان بالسلطة بشكل عام؟

هناك نوعان من العلاقة بين الفنان والسلطة في رأيي، ومن خلال تجربتي الشخصية خلال الخمسين سنة الماضية، النوع الأول أن تكون مؤمن ومقتنع بالنظام العام للدولة، بدون أن تكون مستفيداً من النظام، ودون أن يطلب منك أحد في السلطة، يعني ممكن تعمل عمل يتوافق مع خط هذا النظام، وعندما ترى أن الدولة تراجعت فيما وعدت به تنتقدها بحرية، أو تقول تصورك المختلف عن تصورها. النوع الثاني هو أن تكون مستفيداً بشكل ما من النظام، ومنفذاً لطلباته وتصبح بوق للأجهزة المختلفة، وأنا لم أكن من النوع الثاني إطلاقاً. 

ـ هذه الإجابة تتسق مع ما أعلنته لأكثر من مرة عن انحيازك منذ البداية لثورة يوليو 1952، ما الذي جعلك تنحاز لهذا الاختيار السياسي؟

ببساطة كنت أحلم كجزء كبير من جيلي بعد ثورة 52 بأننا قادرين علي التغيير وتطوير الظروف والاشتراك في بناء مستقبل أفضل مما كنا نعيشها، وصادف أن هذا التوجه والحلم تلاقى في لحظات معينة مع تصديقي لشعارات ورغبات تخيلت أن الدولة تريد تحقيقها. طبعاً بدأت في تكوين وعيي السياسي وفي تعميق الرغبة في تغيير ما أستطيع من ظروف الحياة، قبل قيام ثورة يوليو. وللعلم أنا في البداية كنت مقتنعاً أن قيام ثورة يوليو عطّل قيام ثورة حقيقية في مصر. أقدر أقول برضه إن المصيبة عندنا دائماً أن من يغيرون نظام الحكم، بيعتمدوا في وعيهم وتخيلاتهم على النظام السابق عليهم، كل ما يعرفوه بيكون معتمد على النظام السابق عليهم، ولا تتكون لديهم عقلية مستقلة وفهم مدروس قبل تولي الحكم، هذا ما حصل في مصر وتقريباً بيحصل في كل الثورات، ستجد أغلب المشاركين في الثورة ليسوا على مستواها، وبيفكروا باستخدام المنطق الذي سبق الثورة وليس طبقاً لتفكيرها الجديد كما هو مفترض.  

ـ فترة ما قبل ثورة يوليو شهدت زخماً سياسياً في ظل وجود العديد من الأحزاب والحركات السياسية، هل انضممت في هذه الفترة لحزب سياسي؟

لا، إنما في الجامعة أيام انتفاضة 46 شاركت في الحركة الطلابية زي غيري من الطلاب، عمري ما انضممت لحزب ولكن كنت باستمرار مع المنضمين للأحزاب والجماعات.

ـ نقدر نقول إنك كنت بتميل إلى أي توجه سياسي؟

كانت ميولي يسارية طبعاً.

ـ كان في أكثر من مخرج سينمائي من أبناء جيلك معروف أن توجهاتهم يسارية زي أحمد كامل مرسي وكامل التلمساني وحتى صلاح أبو سيف؟

لا، ما كنتش في السن دي على صلة بالسينمائيين، وبالمناسبة (يضحك) لم يكن أحمد كامل مرسي وكامل التلمساني في نظري مخرجين جيدين، التلمساني كان عمل فيلم (السوق السوداء) اللي كان بالنسبة لي كارثة، أحمد كامل مرسي في نظري كان كثير الكلام، وكثير الكتابة في الصحافة لكن كان مخرج ضعيف.

ـ كان موقفك إيه من ثورة يوليو لما قامت؟

لما قامت الثورة كنت بادرس في فرنسا، ولا أخفي عليك، كان رأيي في الثورة في البداية إنها انقلاب عسكري، وكنت حتى بعد رجوعي لمصر بعد أكثر من سنة على الثورة كنت ضدها وغير راضي عنها، يعني أول ما رجعت من فرنسا بعدها بأسبوع مع أزمة 54 طلعت مظاهرات تهتف "تسقط الحرية" وحاجات من اللي لا تدخل العقل. وكان لي أصحاب كثيرين من نفس الرأي. نقطة التحول في تفكيري اللى خلتني أغير موقفي هي تأميم قناة السويس وطبعًا إلى جانب التأميم كنت باشوف بدايات الإصلاح الزراعي والتصنيع وهي ظواهر وتوجهات لا يمكن أن تكون ضدها. في نية لتغيير مجتمع وتطوير بلد لو اختلفنا على أشياء لا مانع. لكن ناس بتحاول تصلح البلد وتنقل الملكية من طبقة إلي الشعب هذه أشياء كانت من أصل تقدم المجتمع ولذلك كان لازم أكون معاها.

ـ لكن أول مشروع لك بعد عودتك من السفر، هو فيلم (درب المهابيل) اللي بدأت تشتغل فيه سنة 54، وهو فيلم لم يكن له علاقة بما هو سائد وقتها، يعني لم تختر أن تفعل مثل زملاءك وأبناء جيلك  عز الدين ذو الفقار ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف، وتساند التفكير الجديد للثورة في أفلامك بشكل واضح، طيب لماذا اخترت الابتعاد عن التعاون الفني مع واقع جديد أنت مقتنع بيه؟

يعني أقدر أقول لك إنه في حدودٍ ما، كنت أكثر صدقاً من زملائي في التعامل مع النظام، الدولة كان بالنسبة لها الفن والإعلان والدعاية شيئ واحد، عملوا صلاح الدين وغيره واختاروا يوسف شاهين لعمل صلاح الدين لإنه هو اللي على صلة بيهم، لكن أنا راجل بعيد، من يوم ما اشتغلت سينما وحتى الآن، مرفوض من المجتمع السينمائي في مصر. أنا دخلت المجتمع السينمائي بدرب المهابيل وظلّيت غريب فيه، وتقريبا مارضيش حد يشغلني لحد ما عملت فيلم (صراع الأبطال) وهو في نظري يمثل التفكير الثوري المطلوب في تلك الفترة والذي لم يكن موجودا وقتها وهو أن الذي جاءته فرصة التعليم، يمكن أن يضع قدراته في خدمة مجتمعه، وأعتقد إنه من غير وجود الثورة هذا الفيلم لم يكن ممكن إنه يتعمل.

ـ هل كان الفيلم من إنتاج الدولة؟

لا، كان إنتاج خاص، من إنتاج شركة عز الدين ذو الفقار، طبعًا السيناريو الذي أعطيته للشركة، لا علاقة له بما صنعته في النهاية، لكن عز الله يرحمه، كان من الأفق الواسع في تفكيره إنه قال لي: إعمل اللى انت عايزه.

ـ لكن الفيلم اتعمل سنة 60 ودرب المهابيل ظهر للنور سنة 55 وحقق رد فعل كويس جدا، ما هو سر التوقف من 55 إلى 60؟

ببساطة رفض المجتمع السينمائي لي.

ـ هل رفضتك أجهزة الدولة؟ 

لا، تعرضت للرفض من المجتمع السينمائي وليس أجهزة الدولة.

ـ ماذا كان رد فعل الدولة على فيلمك الأول؟

ولا حاجة، ولا كأنه موجود. أو خلينا نقول إنه واحد من الموجودين وخلاص. وأعتقد إنه على مستوى الدولة كان رد الفعل تجاهي أفضل لإنهم كافأوني بوسام وكنت دايما آخد جوايز في الفترة دي، لكن السينمائيين التابعين للدولة هم اللي كانوا واقفين ضدي.

ـ زي مين؟

أولهم صلاح أبو سيف. قال لي بوضوح أنا هاجوّعك، أيام ما كان رئيس مؤسسة السينما. ببساطة أنا مشكلتي في الوقت ده لم تكن مع الدولة. مشكلتي كانت داخل الوسط السينمائي، اللي عاملني إني غريب وظل يعاملني كغريب حتى الآن.

ـ في (صراع الابطال) قيل أن الرئيس عبد الناصر أبدى إعجابه بالفيلم، هل وصل ذلك إليك؟

وصل إلي هذا الكلام ولكن بعد 20 سنة.

ـ إزاي؟

اللى أنا أعرفه إن كان أيامها السينمائيين بيطلبوا من عبد الناصر تأميم السينما وعمل قطاع عام وكان رافض، وقيل لي في أواخر الثمانينات من شهود على المرحلة، إنه عندما عرض وزير الثقافة عليه هذا الفيلم، عبد الناصر قال: لو تعرفوا تعملوا 3 أو 4 أفلام في السنة خلاص نعمل قطاع عام. أنا سمعت هذا الكلام في الثمانينات وعمري ما سمعته قبل كده ولذلك أقوله لك بشيئ من التحفظ. إنما في الوقت نفسه الفيلم خدت عليه جائزة أولى إخراج وجائزة أولى سيناريو بس ده شيئ لا علاقة له بالدولة بشكل مباشر، دي كانت لجان فنية بتدي جوائز. بعد كده لما اتعمل فعلا القطاع العام من خلال مؤسسة السينما، طلبت لعمل فيلم (بين القصرين) لنجيب محفوظ، وكان صلاح أبو سيف هيخرجها في الأول، ولما بقى مسئول عن القطاع العام، كان لازم يختار مخرج آخر لإخراجها.

طيلة عمري كنت أظن أن صلاح أبو سيف هو الذي اختارني لإخراج بين القصرين، إلي أن عرفت في الثمانينات حكاية إعجاب عبد الناصر بفيلم صراع الأبطال، وإنه بسبب ذلك كان مطلوبا أن أخرج أنا فيلم (بين القصرين) لكني للأسف اختلفت علي السيناريو مع صلاح أبو سيف الذي ظل 3 سنوات مانعني من العمل في أي حتة، لا معهد سينما ولا غيره، بوصفي باشتغل في مؤسسة السينما، وأصبح في صدام شخصي بيني وبينه الأول بسبب سيناريو بين القصرين. بعدين أنا هاجمته وهو هاجمني وكبرت الحكاية وكان باستمرار يطلع أوراق للمسئولين ضدي إن أنا مش عايز أشتغل. لدرجة إني فكرت أسيب البلد وأمشي.

ـ كنت بتعيش إزاي في الفترة دي؟

حياتي كانت وِحشة جدا.

ـ هل حاول أحد منتجي القطاع الخاص مساعدتك؟

لا.

ـ ولماذا لم تفكر في التنازل لإخراج أعمال أخرى لا تتعارض مع انتماءاتك السياسية أو رؤيتك الفنية؟

 لما بدأ القطاع العام يشتغل، ما كانش في غيره في البلد. حتى القطاع الخاص كان يدخل بمشاريع مشتركة مع القطاع العام. وبعدين القطاع الخاص حس أني مغضوب علي، ليس من الدولة ولكن من واحد كبير كلمته مسموعة، وللأسف ماحدش يعرف أنه إنسان كذاب وحقود.

ـ طبعاً أنا مندهش جداً من اللي حضرتك بتحكيه، وده يخليني أسأل هل كان موقف صلاح أبو سيف منك وراه مثلاً رغبة من أحد المسئولين الأكبر منه كان بينفذها؟

على حد علمي لا، أيامها برضه حصلت مشاكل مع يوسف شاهين لكنه سافر، وأنا ماعرفتش أسافر لإنهم منعوني من السفر، يوسف عرف يسافر لبنان وياخد جنسية لبنانية، وبصراحة أعتقد إن اللي ساعده كونه مسيحي وليه أصول لبنانية، وعلى فكرة اللى جاب يوسف تاني لمصر، هو الوزير محمد عبد القادر حاتم لما قابله بالصدفة في أسبانيا وكان بينهم صداقة شخصية وكان ده بعد ما مشي صلاح أبو سيف من المؤسسة، وحاتم قال ليوسف أوعدك لو رجعت إني أشغّلك، لكن ده ما حصلش معايا.

....

نكمل غداً بإذن الله.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.