في مكتبة تاليّا

في مكتبة تاليّا

04 اغسطس 2019
+ الخط -
تدهشك الصورة وتثيرك بأجمل أطرها، وأنت تهمّ بالدخول إلى مكتبة تاليّا التي تقع وسط شارع ماريّا هيلفر في العاصمة النمساوية فيينا، الذي يمتدّ لأكثر من ثلاثة كيلومترات، بدءاً من فست بانهوف، المركز الرئيسي لمحطّة القطارات القادمة والذاهبة من وإلى فيينا، وانتهاءً بحديقة موزارت، الموسيقار النمساوي الشهير.

في هذا الشارع الضخم، الذي يُعد الأوّل إن لم يكن الثاني من حيث توزّع المحال التجارية وأنشطتها وتعددها فيه، وتزاحم الناس على مختلف شرائحهم الذين يأتون إليه بهدف التسوّق أولاً، والترفيه عن النفس ثانياً، لا سيما أنّه يشتمل على الكثير من المقاهي التي تتوزّع وسط الجزيرة الوسطية المنصّفة للشارع، والذي تصل أبعادها إلى حوالي ثلاثين متراً.

في شارع ماريّا هيلفر، الذي يعتبر واحداً من أشهر الشوارع السياحية في المنطقة السادسة في مدينة فيينا، على مقربة من مركز المدينة، وعلامة تاريخية مهمّة ومميزة في العاصمة النمساوية، ويعود إلى بداية العقد الخامس من القرن التاسع عشر الميلادي ويتميّز ببناياته التاريخية المختلفة التي يرجع شكلها وهيئتها إلى العصور القديمة، ويقيم فيه العديد من السكّان، وفي ما بعد أصبح يضمّ أكبر عدد من المتاجر المحلية والمختلفة والتي تجعله يغصّ بالكثير من السائحين القادمين من أنحاء العالم للتمتّع بالأجواء التاريخية الموجودة في هذا الشارع، والتعرّف على الثقافة المحلية لمدينة فيينا.

ويشتمل الشارع على العديد من الفنادق التي يصل عددها إلى المئات، ومنها القديم والحديث والتي تُميّز وتُزيّن هذا الشارع الخلاّب، كما يمتدّ على قطعة أرض تصل مساحتها إلى أكثر من ألف وأربعمائة وخمسة وثمانين متراً مربعاً تقريباً، ويوجد في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة فيينا، ويعتبر واحداً من أهم الشوارع الخاصة بالتسوّق داخل المدينة. كما يتميّز شارع ماريّا هيلفر بالعديد من المتاجر المختلفة والمطاعم والمقاهي العائلية.

وإلى جانب ذلك تقوم كنيسة ماريّا هيلفر، الذي عرف الشارع باسمها، وتأخذك قدماك بعد ذلك إلى المكتبة الرئيسية التي تقع في وسطه، والتي تتألف من أربعة طوابق، وتشتمل على ما يطيب لك من الكتب الصادرة حديثاً، والمجلات والصحف وما أكثرها بألوانها الرائعة، وبورقها المصقول.

وتقرأ في المجلات المتوافرة فيها الكثير من العناوين، والتي تتجاوز ما يزيد عن خمسمائة عنوان لمجلة وصحيفة تتصدر مدخل المكتبة.. والنمساويون من أكثر الناس اقتناءً لها، وحبّاً في الاطلاع عليها بعناوينها المختلفة، والتي تهتم بشؤون التصوير، الموسيقى، الغناء، الطبخ، الرياضة، السيارات، والعلوم، فضلاً عن المجلات الثقافية والعلمية والفنية، ومجلات الأطفال الملونة والمصورة والكاريكاتيرية التي تتناول جانباً مهمّاً من حياتهم وحكاياتهم، ناهيك بالمجلات السياسية المعروفة والمتداولة، وأهمّها: دير شبيغل الألمانية، والتايم البريطانية، وغيرها.

وفي طابقها الأرضي، حيث يختزل محتوى المكتبة على أنواع من الأقلام والقرطاسية وأغلفتها، والمحافظ والحقائب الجلدية، وكل ما يمكن أن يحتاج إليه التلميذ والطالب، والطالب الجامعي.

أشكال متنوّعة من الأدوات الهندسية، والأجندات الفاخرة، وأشرطة الفيديو التي تضمّ مئات العناوين من الأفلام الحديثة والكلاسيكية، إضافةً إلى الأشرطة الموسيقية. وفي الطابق الأول الذي يشتمل على استراحة ومقهى للزوّار، وكتب منوّعة مشغولة بدقّة متناهية، وكذلك الحال في الطابق الثاني والثالث.

إنها تحفّة فنية أكثر من رائعة، يلجأ إليها أبناء البلد، بصورة دائمة، ويقضون ساعات في قراءة محتوياتها، من كتب ومجلات وصحف يومية، أما بالنسبة للأخوة العرب، من مقيمين ولاجئين وغيرهم، وممن مضى على وجودهم في النمسا أعوام، فإنّه من النادر جداً أن تجد ما يضفي أحد من الناطقين بلغة الضاد بالتردد عليها، بالكاد تلمح زائراً عربياً يؤمّها، حتى وإن كان من أبناء الخليج العربي الذين يتوافدون إلى زيارة النمسا، بصورة دائمة، في عطلتهم الصيفية! إذ من النادر أن تصادف زيارتك للمكتبة لقاء وجه عربي غريب القلب واليد واللسان!

إنَّ المواطن العربي غائب عن أجوائها، هذا ما يعني أنه، بالكاد تجد من يهتم باقتناء ما ينشر في الصحف أو لجهة الكتب والمجلات الغنية بمحتواها. كل ما يهمّه أن يبقى بعيداً عن الأماكن الثقافية التي تفتح له أبوابها، ويومياً من الصباح الباكر وحتى ما بعد الغياب. فالمكتبة تشتمل على الكثير مما ينشر في عالم الكتب وغيرها، ويمكن للزائر الاطلاع عليها وتصفحها بالمجّان.

في هذه الصورة، نحب أن نقول، وهو نداء لكل الشباب العرب الموجودين في فيينا: عليكم بزيارة هذه المكتبة والاطلاع عليها، وعلى ما تتضمنّه من منشورات، وعلى الأقل في الشهر مرتين، لكسر روتين الوقت، ولتجديد نشاطكم، والإفادة في سعة معرفتكم وإدراككم، وإن كانت اللغة الألمانية تقف حجر عثرة في معرفة وفهم ما ينشر للكثيرين منكم، إلاّ أنَّ زيارتها تظل نافعة، والفائدة من كل ذلك لا بد أنها ستنعكس على القارئ المتابع مستقبلاً، ومهما كانت المسافة بين القارئ والكتاب، وتصفّح المجلة بعيدة.

فالثقافة، والتعلّم ومتابعة ما يحدث في العالم، مطلوب منا أن نتعلمه ونكون على اطلاع مستمر عليه، وهذا كما أظن، بأنه لا يفسد للود قضية، بل يزيد أكثر من إدراكنا وتعريفنا بالأشياء التي نجهلها مهما كانت صغيرة وتافهة. باعتقادي أنها تظل مفيدة، ومفيدة جداً، ومن الضروري الاطلاع عليها والأخذ بها لأنها تشكل جانباً مهماً ينعكس بالتالي على ثقافتنا، ومعرفتنا بالعالم وما يجري من حولنا وإن كان هناك الكثير من الأشخاص ما زالوا إلى الآن، يجهلون لغة البلد الذي يعيشون فيه!

في مكتبة تاليّا ترتاح النفس وتبتهج لمجرد أنك تتصفح مجلة حديثة الإصدار، سواء أكانت رياضية، أم سياسية، ثقافية أو أي مجلة تناول واقع السيارات الحديثة الصنع، وإلى آخر ما توصل إليه العلم في عالم التصوير، والفلك، والعلوم، والموسيقا، وأشياء أخرى لا يمكن لها أن تخطر على بال، وكذلك الحال بالنسبة للصحف اليومية التي تزخر بها رفوفها، وتصوير قضايا الناس، والوقوف على مشاكلهم، ناقلةً ما يحدث في العالم الرحب، فضلاً عن الكتب والروايات والقصص، والدراسات والملفات التي تعجّ بها وتفتح أمام المتلقي آفاقاً رحبة.

وما يلزم من كل ذلك يمكنك اختياره والوقوف عليه في حال أنك رغبت في زيارة هذه المكتبة التي تعني بتثقيف الإنسان أياً كانت جنسيته وعرقه واتجاهاته، والاهتمام به، وبالمجان.

وهذا التحفيز يصبّ في اتجاه الأخ العربي، الذي بالكاد، وكما ذكرنا، أن نشاهد أحداً من زوّارها، وكما سمعت وقرأت وشاهدت، فإنَّ أكثر ما يهمّ أمثال هؤلاء في بلاد اللجوء، التي سبق أن قدموا إليها واحتضنتهم، وبكل سعة صدر، هو البحث عن المال أولاً بعيداً عن كل شيء يتعلق بالمعرفة!

اركضوا نحو العلم، واستفيدوا قدر الإمكان من هذه الفرصة الذهبية المتاحة أمامكم، والتي وجدت لأجل عيونكم، وللتغلّب على معاناتكم وعلى همومكم!

زادكم العلم والمعرفة والاطلاع، بدلاً من الاهتمام بجمع الأموال والركض وراء المجهول، وأنتم تدركون ذلك تماماً، وكفاكم هذياناً بما تقصّونه وتلصقونه من منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بغرض التسلية والإساءة للغير دون مبرّر، وكل ذلك لأجل تذكير الغير على أنكم من فحول الكتابة والإبداع، إلاّ أنه يظل نشره غير مستساغ، وهو بمثابة النشر الهدّام الذي يسيء إليكم وإلى سمعتكم، وإلى مبادئنا العربية الأصيلة التي لا تقبل أمثال هذه التفاهات التي يجهل الكثير أبسط مقوماتها.

العودة للكتاب والمجلة والصحيفة، وبدون دفع أيّ مقابل، ما هو متاح أمامكم اليوم، فلتقبلوا عليه، ولتتعلموا وتزدادوا ثقافة ومعرفة، والتغلّب على الصورة النمطية التي تسيطر على غالبية الشباب.

أنتم مدّعو الثقافة والمعرفة الذين لم يقفوا، وإلى اليوم عن الصراخ والشغب لأجل الإثارة والإضرار بالناس، غير متناسين أنَّ ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظل مجرد خزعبلات لا تغني ولا تسمن من جوع، إلاّ ما ندر منها، والتي تصبّ في فحوى المادة الثقافية المفيدة التي تلامس شريحة واسعة من الناس، وهذه ما نرجو لها أن تتعمّق وتؤثّر في مجتمعنا العربي الذي بات يعيش قسم كبير منه في البلاد الأوروبية، وبعيدون كل البعد، وللأسف، عن الكتاب والصحيفة، وهما سلاحنا الوحيد في زيادة  الوعي والإدراك والمعرفة.

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.