الفتى الكسول في سجن تدمر

الفتى الكسول في سجن تدمر

26 اغسطس 2019
+ الخط -
أفكار وحكايات وطرائف كثيرة هبَّ الأصدقاءُ لتداولها عندما فُتِحَتْ سيرة "الزمن" خلال سهرة الإمتاع والمؤانسة. الأستاذ كمال أورد مثلاً عربياً قال إنه يعبر عن أهمية الزمن بالنسبة للأفراد والشعوب، هو: الوقت كالسيف إن لم تقطعْهُ قَطَعَكَ.

قال أبو الجود: هادا المتل لازم يعملوا عليه تعديلْ، ويقولوا إنه مخصص للأفراد والشعوب الذكية، والناس اللي بتفهم. الإنسان البهيمة ما بينطبق عليه بالمرة. إنتوا مو بتعرفوا إبني محمود؟

قال أبو ابراهيم: ع الأغلب الكل بيعرفوه عدا الأستاذ مجيد والأخ أبو ماهر.

قال أبو الجود مخاطباً مجيد وأبو ماهر: إبني محمود ما بيشتري الوقت والزمن وأغنية (حَ سيبك للزمن) بربع ليرة. من وقت ما وعي عَ الدنيا وهوي قاعد في البيت من دون شغل. حطيناه في المدرسة كان يروح متأخر، ومو كاتبْ وظايفه، ولا حفظانْ دروسه. أوقات بيسهر للساعة تلاتة الصبح، وأوقات بينام الساعة تسعة، وما بيفيق بكير أبداً.. لما بيفيق الساعة طنعش الضهر نحن منقول اليوم محمود مْبَكِّرْ. وأنا أواقيت بسأله: ما بدك تشتغلْ؟ بيرد على سؤالي بسؤال: أشو بدي إشتغل؟ وإذا خطر لي أعدد لُه الأعمال اللي ممكن يشتغل فيها، بيرفضها من دون ما يحكي، بيجاوبني برفع حواجبه لفوق متل الكديش لما بيدوس على الرَسَنْ.


قال أبو ابراهيم: سمعت مرة إنه هادا إبنك محمود صارت معه مشكلة لما كان عم يخدم عسكرية.

قال أبو الجود: مشكلة وحدة؟ الله يسامحك يا أبو ابراهيم. لازم تقول إنه صارت معه مية مشكلة وكسور. وهادا شي طبيعي لأنه العسكر أوقاتهم منظمة، ومحمود كل شي عنده فوضى. صاروا الضباط يعاقبوه ويبعتوه ع السجن. وهني مفكرين إنهم عم يزعجوه. بالعكس، هوي بيكيّفْ في السجن، لأنه ما في فيقة بكير، ولا في تدريب، ولا ركض. في أول عسكريته عطوه إجازة أسبوع. خلص الأسبوع، وبقي محمود عندنا في البيت. سألته: أشو يا محمود؟ ما بدك تلتحق بالقطعة العسكرية تبعك؟ قام هوي سألني: ليش بدي إلتحق؟ فأنا عرفت إنه مرتفعة عنده نسبة الغباء، فتركته. بعد شي شهرين أجت دورية من الشرطة العسكرية، عناصر الدورية داهموا البيت وأخدوا محمود عَ سجن تدمر. حكموه تلات أشهر، ولما انتهى الحكم رَجَّعُوه على قطعته العسكرية، ولما عطوه إجازة مرة تانية عمل متل المرة الماضية، وراح ع تدمر تلات أشهر وبعدين رَجَّعُوه ع القطعة العسكرية تبعه.

قال أبو ماهر: على علمي هاي العقوبات ما بتنحسب من الخدمة.

قال أبو الجود: صح. منشان هيك بقي محمود في الخدمة سنين طويلة، بالأول كنا نحسبها بالسنين والشهور بعدين بَطَّلْنا نحسبها، أنا وأمه صارت عندنا قناعة إنه ممكن نكبر ونموت ولسه محمود في العسكرية.

قال أبو مراد: عن جد. الله يعينكم على هالبلوة.

قال أبو الجود: بهديك الأيام فكرت إني أنا الوحيد اللي بعاني من مشكلة محمود مع الزمن. بعدين عرفت إنه الضباط تبع كتيبتُه مقهورين منه، وما عم يعرفوا شلون بدهم يخلصوا منه. لأنه إذا قالوا له: يا محمود اعمل رياضة مع رفاقك، كان يسألهم ليش بدي أعمل رياضة؟ يا محمود قوم ع التدريب. يرد عليهم: لأيش التدريب؟ الشغلة الوحيدة اللي كان ينفذها هي إنه ياخد إجازة، والإجازة آخرتها في سجن تدمر.

قال الأستاذ مجيد: قصة غريبة فعلاً. وكيف انحلت القصة تبعه بالأخير؟

قال أبو الجود: محمود خدم عسكريته برتبة عسكري مجند، لأنه ما معه أي نوع من الشهادات الدراسية، ولا حتى وثيقة إتمام المرحلة الابتدائية. والعسكري المجند اللي بلا شهادات بيخدم عسكريته في الأعمال الصعبة.. لاكن الجماعة في القطعة العسكرية عرفوا إنه ما بيصلح لأي عمل صعب أو هين. يعني إذا شي ضابط قال له: يا محمود حط القذيفة في المدفع، أكيد محمود بيسأله: لأيش بدنا نحطها في المدفع؟! خليها في الصندوق أحسن. وإذا ألح عليه الضابط بيقله: لك يا سيدي إذا حَرْب مع العدو ما في لأيش تعذبونا وتخلونا نشيل القذيفة وندحشها في بوز المدفع؟ آخر شي حطوه لمحمود حاجب عن واحد نقيب. إذا قال له النقيب اعمل لي شاي بيقله: شو بدك بالشاي سيدي؟ إذا قال له: اعمل لي قهوة بيقله: مو منيحة القهوة، إذا شربتها ما بتحسن تنام بالليل، وبيوجعك راسك. ومرة عصب منه النقيب وبعته ع السجن المحلي تبع الكتيبة، وطلع من السجن وأخد إجازة ورجع ع تدمر كالعادة. بالأخير الله بعت له ضابط ابن حلال. بعدما درس إضبارته عرف إنه هالشاب عنده مشكلة كبيرة، مشكلته عدم الإحساس بـ الزمن. وبعته على المستشفى العسكري، وحكى مع الطبيب وشرح له مشكلته. وبوقتها قرروا إنهم يخربوا بيتي أنا.

قال الأستاذ مجيد: أوف. كيف خربوا بيتك؟

قال أبو الجود: سرحوه وحطوه في خلقتي والمشكلة إني أنا ما عندي سجن تدمر حتى أبعته عليه.

قال أبو جهاد مختتماً الحكاية بمزحة ظريفة: لو كان عندك تدمر كانت أختنا أم الجود حطتك فيه قبل إبنك. وترى والله الحق معها!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...