على قيد الذاكرة

على قيد الذاكرة

25 اغسطس 2019
+ الخط -
قد يخطر في بال البعض منّا في الأوقات التي قد يعتقدون أن لا مخرج لهم منها، أن يا ليت لو أن فقدان الذاكرة يصيبنا فننسى جميع ما نحن به محترقون، ولنعد بعدها أطفالاً وأن تتقلص أكبر مصاعبنا إلى قطع صغيرة من الألعاب.


ولكن لو تحققت تلك الأمنية وأصابنا ذلك الفقدان، إلى أين سنذهب بكل ما نحن فيه من تراكم السنوات، إلى أين ستختفي تلك الحروب التي رفعتنا إلى هذه النقطة من القوة التي نحن عليها الآن..

ومن أين ستأتي بكل تلك الجرأة بأن ننسى اللحظة العظيمة التي تخليت فيها عن أحب الأشياء إليك والتي كانت في حياتك كالمسلمات التي تخاف عليها حتى من نفسك، لكنها هانت وكان كل ذلك فقط لترى البسمة في قلب من تحب. وجموع تلك اللحظات التي تطلبت منك أن تهمل ضجيج قلبك وتسير ثابت الخطى نحو قرار عقلك المفجع لقلبك دون أي تردد، والجهادات الكبيرة التي خضتها داخلك وأنت تتخلى عن ما كان فيك من عادات سيئة لتحصل على نسخة أفضل من نفسك ولأجل نفسك.


إلى أين ستذهب الأوقات التي كنّا فيها حصنا منيعا، واحتوينا تحت أجنحتنا قلوب من نخاف عليهم من تجبّر أنفسهم وأبينا الانهيار، ثم خرجنا بعد ذلك فخورين بأنفسنا مكتشفين أن هناك قوة كامنة تتربص داخلنا بإمكانها أن تسير الجيوش إن أرادت.

ماذا عن تلك اللحظة التي أتاك فيها الأمل منتفضا ورد إليك الشعور بعد ما ظننت أن قلبك قد تعطل! كيف سنشعر إن تخلينا عن ما يجعل منا أنفسنا ويميزنا عن سائر من حولنا، فنحن كالزهور لكل منّا عطر مختلف، فلماذا ترغب في تطاير ذلك العطر؟

لما ترغب في خسارة الكثير ممن حولك، على الرغم من ادعائك بأنك وحيد، كيف سيقوى محبونا على رؤية الغربة في أعيننا بعد ما كنا لهم وطنا، ولكن لم نعد كذلك لأننا سنكون فقدنا كل شيء حتى هويتنا.

لذلك لا تجاهد لتنسى كل شيء كأنك يوماً لم تكن، وتأكد أنك لو عدت إلى بداية الأمر الذي لا زلت نادما عليه الآن، ستجد أنك قد عبرت الطريق الأفضل، وأن الذي تندم على خسارته ما هو إلا وكر مفخخ إن وقعت فيه فلن تخرج بعد ذلك حيا.

ابحث دائما عن الجمال في أحلك أوقاتك، ستجد أن هناك يد صديق لم تفارق يدك وأنك كنت الأمل والسند لصديق آخر، ولو أبصرت جيداً ستجد أن هنالك من يتأملك وعيناه تنطق بكثير مما لا يقال، وأنك أجمل ما في حياته، وستجد أن صمودهم ما كان ليكتمل إلا بوجودك بجوارهم.. تدعمهم وتقويهم وتنير لهم دربا كان من شدة العتمة لا يرى!

ولو ابتعدت قليلا عن نفسك ونظرك ستجد أنك كنت رفيقا لبسمتك، على الرغم من الحروب التي كانت مشتعلة داخل أسوارك من دون أن يسمع أحد حسيسها.. لذلك آمن بأنك عظيم، وعظيم جداً، ولكن ربما قد تحتاج إلى أن تبصر إلى نفسك بعين المحب، وكف عن تقمّص دور الضحية، فهذا الدور لم يخلق من أجلك، بل هو للضعفاء وأنت لست كذلك.. ارحم ضعف قلبك ولا تخف ما في داخله، وأبقِ على قيد الحب لتبق على قيد الأمل.