مشكلتك يحلها الزمن يا سيد

مشكلتك يحلها الزمن يا سيد

21 اغسطس 2019
+ الخط -
في سهرة "الإمتاع والمؤانسة" التي عقدت في منزل أبو جهاد فَتَحَ الأستاذ كمال سيرة "الزمن". وقبل أن يسترسل في الشرح انفلت أبو الجود بالضحك وقال:

- ذكرتني بالبقال أبو مروان اللي كان يرمي كل المشاكل في رقبة الزمن، وكلما بتسأله عن شغلة صايرة معه بيقلك: الزمن يا سيد. وفي يوم من الأيام مر لعنده أخوه أبو زياد وسألُه عن القاشوشة اللي وقعت في الجب، رد عليه وقال له: الزمن يا سيد. بوقتها أبو زياد عَصَّبْ ومسكه من ياقة قميصه وقال له: أول شي أنا اسمي أبو زياد، كيف بتقلي (يا سيد) وكأنك ما بتعرفني؟ وتاني شي القاشوشة بتوقع في الجب بكل الأسباب اللي بتخطر ع بالك ما عدا الزمن. بوقتها أبو مروان فَلَّتْ نفسه من قبضة أبو زياد وقال له: الحبل اللي منربط فيه القاشوشة مع الزمن بيتخّ وبيضعفْ، وبينقطع الحبل لأنه ما عاد يتحمل تقل الكَلَّابات الحديدية تبع القاشوشة، وبوقتها بتوقع في الجب.. يا سيد.

قال أبو محمد: صدقني يا أبو الجود هادا أبو مروان معه حق. أنا لما كان عمري تمنطعش سنة كنت إدخل في مراهنات وإطلع منها ربحان. راهنت واحد مرة على أني باكل تلات فراريج مشوية مع تلات صحون سلطة وتلات أرغفة، وأكلتهم بحضور رفاقي وأصدقائي الموجودين، وربحت الرهن، وفي المضافة لعبت مع عشرين واحد من حارتنا بقلبة الإيد، وغلبت الكل، ومرة كان ابن عمي أبو سلمان جايب معه ليرة دهبية عليها كتابة، قلت له أنا براهنك إني بمسكها بين أصابيعي وبفركها وبخلي الكتابة تنمحي، وإذا انمحت بتصير الليرة ملكي، وإذا ما انمحت بشتري لك ليرة متلها على حسابي. وبالفعل محيت الكتابة بأصابيعي وربحت الرهن. أما هلق تفرج عليّ، لما بمشي بتلاقيني عم صيح من وجع ركبي، وإيدي يا دوب بشيل فيها الملعقة، والدكتور مانعني من أكل الدسم والخبز ومن التدخين، وهالشي سَبَبُه الزمن (يا سيد).


قال كمال: أنا فتحت موضوع الزمن وعندي شي بدي قوله، ومع هيك بدي أعطيكم الحق في رواية الأمثلة والحكايات.. وطبعاً الأمثلة اللي عم تقدموها بتغني الموضوع وبتساويه أحسن.

قلت: الأستاذ كمال من دون شك بده يحكي عن الزمن بمعناه الفلسفي الوجودي.

قال أبو جهاد: لا، دخيلك. نحن متفقين إنه بسهراتنا ممنوع الحكي بالفلسفة وحكي المثقفين.

صح يا أستاذ كمال؟

قال كمال: صح. منشان هيك أنا بدي عن أم كلثوم. في مشكلة؟

قال أبو جهاد: إذا هيك على راسي. تفضل.

قال كمال: أم كلثوم متلما بتعرفوا بتغني قصيدة "رباعيات الخيام"، المؤلف الأصلي للقصيدة هو عمر الخيام، والمؤلف اللي أعاد صياغة الرباعيات ببراعة عظيمة هو الشاعر المصري الكبير أحمد رامي، والألحان للموسيقار الهائل رياض السنباطي.

قال أبو زاهر: أنا شايف إنك خرجت عن الموضوع يا أستاذ. يعني بأيش يفيدنا نعرف مين اللي ألف ومين اللي لَحَّن؟ إنته بدك تحكي عن الزمن يا سيد!

قال كمال: طيب. في أحد الأبيات بتقول أم كلثوم إنه الشخص اللي مات من مئات السنين، والشخص اللي بيموت هلق، هدول التنين لما بيكونوا تحت التراب بيكونوا متساوين. ما في فرق بيناتهم. هادا هوي المعنى الوجودي للعبارة.

قلت: هون لازم نعترف بمهارة الأستاذ كمال في شرح المعاني الصعبة. واسمحوا لي إضرب مثال واحد من شعر أبو العلاء المعري اللي بيقول:
خفف الوطء ما أظن أديمَ الأرضِ إلا من هذه الأجسادِ

قال الأستاذ مجيد: أمثلة رائعة، ومع هيك أنا بأيّدْ كلام الأخ أبو جهاد. بالفعل لازم تكون الأحاديث في سهراتنا عبارة عن وجبات خفيفة وما بتتحمل فلسفة.

قال أبو الجود: إذا بدكم تبعدوا عن الفلسفة لازم تجوا لعندي وتطلبوا مني إحكي. لأني أنا متلما بتعرفوا يا دوب بفك الحرف، وما بميز بين الشاعر الخَيَّام والخْيَامْ اللي بيعمروها في الكروم منشان الحراسة..

قال أبو جهاد: يا أبو الجود، بهيك سهرات إنته لازم تخرس، لأنه الشباب عم يحكوا عن الزمن. إنته بتفهم بالـ زمن؟

قال أبو الجود: بفهم شوي. وفهمي على قَدّي. وهلق راح إحكي لكم قصة إلها علاقة بالزمن. أنا لما كان عمري حوالي أربعين سنة صار معي مَرَضْ خفيف، يمكن جريب أو رَشْحْ.. ما عدت إذكر.. وبالصدفة التقيت بصديقي أبو فاتح، وقال لي: إشبك أبو الجود؟ مبين عليك تعبان. فأنا حبيت أمزح معه، وساويت حالي تعبان كتير وقلت له: أي والله يا أبو فاتح، مريض كتير، ويمكن بدي أودعْ هَالدنيا الفانية.. بوقتها أحب أبو فاتح يواسيني فقال لي: لا تقلق، لسه بتعيش سنتين كمان! أنا بوقتها يا لطيف شقد انزعجت منه، وقلت له: - يخرب بيتك يا قليل الوجدان.. قول إني بعيش عشر سنين كمان.. بس سنتين؟ أشو عَمْ تدفعْ الأعمارْ من جيبك؟!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...