دولار

دولار

18 اغسطس 2019
+ الخط -
مهما حقق الإنسان من تطوّرات وأنتج ابتكارات تساهم في جعل حياته أكثر بساطة؛ إلا أن الكثير من الأشياء التي اكتشفها بنفسه ستظلّ مسيطرةً عليه دون إرادة منه؛ حتّى لو حاول تقنينها أو تقليل التعامل معها، ولكنها تبقى جزءًا مهمًا من حاجاته التي لن يستطيع العيش من غيرها، فكيف إذا كانت أساسًا مهمًا بل ورئيسًا من أساسات الحياة؟ وأبسط مثالٍ عليها (المال)، الذي يُضحّي الكثير من النّاس بأيامهم وسنوات من أعمارهم مقابل الحصول عليه، فهناك من لا يمانع أن يعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميًا أو في وظيفتين لتأمين وتوفير حاجته إلى المال.

اهتمّت الأعمال التلفزيونية والسينمائية بتسليط الضوء على عددٍ من القضايا الاجتماعية، وكان المال واحدًا منها باعتباره حاجة إنسانية مهمة، وقضية بطبيعة الحال لها أبعادها وعناصرها وماضيها وحاضرها، وأحدث الإنتاجات المتعلقة بالمال؛ هو مسلسل راصور العمل العربي المُنتج من قبل شبكة نتفليكس العالمية، والتي أطلقت في شهر أغسطس/ آب موسمه الأوّل الذي حمل اسم (دولار)، ثم سيتبعه موسم ثانٍ يعلن عنه لاحقًا.


يعتبر مسلسل راصور التجربة الثانية لشبكة نتفليكس في عالم إنتاج المسلسلات العربية، فتجربتها الإنتاجية الأولى مسلسل جنّ الذي أُطلق منذ شهور قليلة، ولم تتوقف الدعاية والإعلان عنه قبل بزوغه للنّور، قد أثار جدلًا ملحوظًا رافقه تباين وتفاوت في الآراء والتقييمات، وأرى أن ذلك لعب دورًا مهمًا في الحملة التسويقية للشبكة في العالم العربي، والممتدة على المدى الطويل؛ من خلال توفير إنتاجات متنوّعة تساهم في جذب المشاهدين العرب.

بالعودة إلى (دولار) المكوّن من خمس عشرة حلقة تصل مدّة كلّ واحدة منها إلى 40 دقيقة تقريبًا، وبعد متابعتي للعرض التشويقي الخاص بهذا الموسم من المسلسل، والآراء المتداولة عنه في وسائل الإعلام، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، سواء ممّن شاهده كاملًا أو اكتفى بمشاهدة مقتطفات منه، قررتُ بدوري مشاهدته؛ لأكتب في تدوينتي هذه رأيي الشخصي عنه وتحليلي لأحداثه، ورؤيتي له بعين مشاهدٍ من المشاهدين الذين تسمّروا وراء شاشات حواسيبهم أو أجهزتهم الذكية لمتابعته.

بُنيت حبكة دولار على نمط كوميدي دراما؛ أي الذي يجمعُ بين الكوميديا والدراما في قالبٍ مشترك ضمن قصة واحدة؛ وهي بحث بطلي العمل عادل كرم (طارق) وأمل بشوشة (زينة)، عن دولار يحمل رقمًا متسلسلًا معينًا سوف يعلنُ عنه في بداية العام الجديد، ومن يملك هذه الورقة النقدية يربح جائزة بقيمة مليون دولار مقابلها، من البنك صاحب الإعلان الذي تعمل فيه زينة، وتعرف أيضًا الرقم المتسلسل المدوّن على الدولار، كما أن طارق هو من اقترح هذه الفكرة الإعلانية الترويجية على مدير البنك تمهيدًا لافتتاح البنك في ليلة رأس السنة، وهكذا يسعى كلٌّ من البطلين للبحث عن هذا الدولار لا غير، ثم اقتسام قيمة الجائزة مناصفة بينهما في نهاية الطريق.

يشارك في حلقات المسلسل ضيوف من الممثلين الذين يساهمون في تحريك الأحداث؛ إذ تحملُ كلّ شخصية منهم قصة ما وقضية معينة، وجميعهم يستحوذون على الدولار، ويبقى معهم وقتًا قصيرًا قبل أن ينتقلَ للشخصيات التي تليهم في أحداث العمل، فتتابع الحلقات في محاولات زينة وطارق المتكررة التي تنجح أحيانًا، ولكنها تُختم غالبًا بالفشل والاستسلام في سبيل الحصول على الدولار، وقبل انتهاء كلّ حلقة يلمعُ بريق تفاؤل يشجعهما على الاستمرار في طريقهما، ولكن عند نهايته يتفاجآن بنتيجة لم يتوقّعها مطلقًا.

إن المتابع لتسلسل الأحداث قد يطرح على نفسه سؤالًا؛ وهو هل يستحق الدولار كل هذا العناء؟ والإجابة عن السؤال تكون بإسقاطها على الواقع؛ حيث استقر الدولار في أكثر من مكان وأصبح بحوّزة عددٍ من الأشخاص، ثم فارقهم دون اكتراث منهم لوجوده أو أهميته، وفي الحياة العادية كثيرون من يملكون أشياء ثمينة، والمقصود بذلك ليست قيمتها المالية أو المادية، بل عدم تقديرها أو إدراك مدى أهميتها إلا بعد فوات الأوان، وهذه برأيي الفلسفة التي أراد المسلسل توصيلها؛ وهي الحاجة إلى تقدير الأشياء التي نملكها قبل أن نرحل ونفارقها.

دلالات