الأصنام والبيت الحرام

الأصنام والبيت الحرام

16 اغسطس 2019
+ الخط -
حين نزلت سورة قريش، لم تك سوى تأكيد على أنه سبحانه وتعالى ميز أم القرى عن باقي المدن بمنحتين، هما الحج والتجارة المرتبطان عضويا بعضهما ببعض، لذا أراد أبرهة هدم البيت العتيق لتتاح الفرصة بذلك لمعبده أن يعمل ويُنشِط التجارة في اليمن. ما ميز قريش عن باقي القبائل هو كون أن الحرم الشريف يقع في نطاقها الجغرافي، وبذا كان الجميع يأتونها ركبانا وراجلين.

فلما جاء الإسلام أنكروه، خوفا على أوضاعهم الاقتصادية و"بريستيجهم" الإجتماعي، بكون أن النبي الأمي محمد ساوى في دعوته بين العبد والسيد، وبالتالي بين العرب والعجم، أو قريش وباقي القبائل. كانت قريش تعبد الأصنام وتأكلها، وفي هذا تناقض غريب، دالا على أنهم لم يؤمنوا أبدا بالأصنام التي صنعتها أياديهم، إنما بالأصنام البشرية. وسمعنا أقوال، مثل لو أنزل على رجل من القريتين عظيم، لربما أستجابوا كون أن هذا الرجلَ "العظيم" هو منهم، ولن يخرج عن سلطاتهم وعاداتهم. أما الرسالات فهي هدم وبناء، أشبه ما تكون بثورة فكرية ومعرفية ومجتمعية تشمل كل شيء قديم خاطئ فلا تتركه، الخطأ الذي وقعنا فيه حين احتوينا شخوصا من النظم القديمة.

المساواة بين البشر، أمر دعا إليه النبي وأنكروه عليه. كذلك الحال بالنسبة للمساواة بين الرجل والمرأة، فهذا أيضا كان غير مقبول في أعراف قريش، وباقي العرب والأعراب. فقد درجت العرب على أن يرث الابن الأكبر كل ما ملك أبوه، بما في ذلك نساؤه وجواريه. أن تكون للمرأة حقوق وميراث، رغم أنه جاء متاخرا في زمن مجتمع المدينة، فهذه أمور لا تُقبل.
ساوموا محمدا، كما كانوا يخاطبوه، على كل الأشياء، وفي البداية كانت "الجزرة"، فأبى أن يترك ما أرسل به، لوحوا له "بعصيهم" الغليظة فازداد قوة وشكيمة وتحدياً. من هذه الأساليب القذرة، كانت حرب الشائعات والاتهامات والاتصال بالآخرين وتشويه صورته لهم واتهموه بكل التهم، وحين عجزوا، حاصروه بل تآمروا لقتله.
لعل مقولة التاريخ يعيد نفسه فيها من الصحة الكثير. فها نحن نرى ردة فكرية بسبب مراهقة سياسة. وبعد أن كان الحج مقتصرا على قبيلة كبيرة، أضحت الآن مفاتيحه بيد عائلة، بل ومتنفذين منها، وبل في يد أهوج وحيد.
حينما كانت لديار المسلمين دولة وولاة، كانت الكعبة ملكا مشاعا للجميع، أما حاليا فقد تمت الإساءة إليها أولا، ثم إنها محتلة من قبل عائلة، هي التي تستغل الخيرات والمرابح التي يدرها الحج والعمرة، في أعمال قذرة، وبدلا من أن تذهب هذه الأموال للفقراء والمحتاجين ومصارف خيّرة، أصبحت تُستخدم لاستباحة الحرمات، وتدمير البلاد، وترويع وقتل الآمنين من العباد، وتذهب أحيانا كرشىً، وتتم المقامرة بها.
هنا، وما يهمني بجانب العموم، هو بلدي ليبيا، الذي تغذي فيه مملكة آل سعود الموت والخراب والدمار والفتن، وتصرف أموالا، الأجدر أن يتم صرفها على شعب الجزيرة العربية والدول المجاورة إن فاضت، نراها تشتري بها الأسلحة لتمكن لأمعة (تافه) لا يساوي "نكلة" في بلدي ليبيا، حتى ينصاع لاحقا لهم، وهو لا شك قد باع البلاد والعباد في سبيل الكرسي.

إعطاء ألفي حصة تقريبا لهذا المجرم، أولا إنما يعطي دلالة على حجم الخسائر في صفوفه. فالشعب الواقع تحت قبضته الأمنية يفوق نصف ليبيا، وبذا سيحصل إضافة للألفين الإضافيين، على ثلاثة آلاف ومجموعهم خمسة الآف حاج، هو من يتحكم في تسييرهم إلى الأراضي المقدسة. لو اعتبرنا كل قتيل في هذه الحرب القذرة ما زال أبواه على قيد الحياة، فإن الرقم يدل على أن جملة من فقدنا من شباب يحاربون في صفوف حفتر لا يقل المعلن منهم عن ألفي قتيل من شرق وغرب وجنوب ليبيا، على اعتبار أن معظم من يقاتل هم من الغرب الليبي، لكن الطامة أن القاعدة والأرض، التي كانت بمثابة حاضنة، هي شرق ليبيا. إضافة إلى ألف آخر سيذهب لمن لا علاقة لهم بالتهجد أو التعبد اللهم "لا إن كانوا عبيدا لعبد يستعبدهم". هناك مرتزقة لا يعلن عنهم ولا يهتم أحد بشأنهم كونهم عمال "موت" يعملون بأجر، لا بواكي عليهم.

على الليبيين أن يعوا أن هذه القسمة الضيزى ما هي إلا رشوة لأهالي من سقطوا، ومعروف أن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها. بذا فالذهاب للحج بهذه الطريقة، هو والإثم سواء، لأنه، أولا رشوة، وثانيا الثمن دماء محرمة، وديار مهدمة، وأناس معذبة، تعيش في الخلاء، ومساجد مدمرة، وليس عندنا صوامع ولا بيع، وإلا كانت ذهبت هي الأخرى، أو لِما تهدم، ولها من يحميها وهو حامي حماهم وولي أمرهم وفارض الجزية عليهم.
الأمر الآخر، طالما الحج بات يخضع لكيف ومزاج متنفذين من عائلة، أو لعله كبيرهم، وهذه العائلة متغلبة، وسطت على الحرمين زورا وبهتانا وعدوانا وظلما، فإن من الواجب على دول منظمة المؤتمر الإسلامي المطالبة بأن يكون الإشراف على الأماكن المقدسة تحت لواء المنظمة، ولكم في الفاتيكان مثلا!

8E38CF27-B10A-4916-A022-177616221C42
أحمد يوسف علي
مختص في نظم المعلومات ومحاضر جامعي سابق.