حين اكتسى قلبي بالأزرق

حين اكتسى قلبي بالأزرق

08 يوليو 2019
+ الخط -
في طريق قديم من الطرق المنسية، كنت أقبع هناك ناسية أنه علي العودة إلى المنزل قبل مغيب الشمس فقط لأن أمي ستصرخ علي. كنت قد غفوت وأنا أراقب برعم زهرة ينمو، وحين استيقظت بفعل رشة ماء من غيمة مرت بجانبي وجدت الدنيا قد أظلمت وحلقي جاف. لذلك طلبت منها جرعة حياة صغيرة لأستطيع العودة إلى المنزل بسرعة. ثم ركضت مسرعة.

دخلت إلى المنزل من النافذة بعدما اكتشفت أن والدتي ظنت أني نائمة بفعل أوجاع بطني. ثم حين استقرت أنفاسي أخيرا أغمي علي من النعاس. حلمت يومها بأني في واد غريب، تجولت فيه فإذا بي في قرية جميلة. جلست على الطريق بجانب جرة ماء كبيرة مغطاة بوشاح فاكتشفت أنها امرأة عجوز حين نطقت:

- هل أنت وحدك؟
- أجل.
- من أين جئت؟
- كنت في غرفتي قبل أن أجد نفسي هنا.


ضحكت مني ثم قالت:
- يتوجب عليك العودة الآن.

كنت قد اعتدت تلك الأحلام، لذلك ذهبت إلى أمي وأخبرتها بأني سأبيت غدا عند صديقة ما، وبخلاف المتوقع وافقت مما جعلني أشك في كونها حقيقية أم أنه مجرد حلم. في اليوم التالي عدت إلى مكاني المألوف وأخذت مخيمي الصغير معي. ليس لأبيت فيه بل لأبعده قليلا عن قسوة العالم.

حين وصلت رسمت له سماء زرقاء مع بعض الغيوم الجميلة ومحيطا أزرق بالقرب منه -على الرغم من أنه كان بعيدا عن المحيط- وأمواجا بيضاء تتقافز كما لو كانت أرانب. وسكبت بعض الألوان في طرقاته ناسية في كل زقاق قطعة حلوى وحظا يناسب كل الفتيات، مفتتحة حيا صغيرا من أجل صغار العصافير والحشرات. ثم تعويذة صغيرة من أجل حمايته حين نعود إلى مكاننا فنحن لا نستطيع البقاء هنا سوى لليلة.

كنت أكمل رسمي في الحائط المقابل لمبنى قديم حين ظهر طفل في الخمسين من عمره. رفع رأسه عاليا وقال:
- هل أنت الآلهة؟ علمونا أن الآلهة ليست امرأة.
- أنت قلتها، أنا صديقة فحسب.

سألته في أي ناحية من المخيم يقطن فأخبرني بأن هناك مكاناً آخر يحتاج للتلوين:
- هو أقرب إلى حفرة بدون ماء ينزف إليها الأكسجين ذرة فذرة. هكذا قال.
- دلني عليه!

أخذني إلى قبو إحدى العمارات المهدمة ووضعني أمام رجل عجوز امتدت قدماه في سائل موحل. سألته عمن يكون لكني لم أجد له أي أثر. بدأت أحاول الرسم لكن اللون كان يزول بسرعة. حاولت بكل بطاقاتي الملونة وكل علب الألوان القديمة لكن ذلك لم ينفع. عندها ضحك مني ذاك الرجل العجوز وقال:
- الحل ليس هنا، ما عليك فعله هو تحويل هذا المكان إلى مقبرة وصبغه بالبياض.

حاولت حمله خارجا لكنه ظل متشبثا بمكانه وقال:
- سأعتني بالموتى، وسأحرس القبور.

في تلك الليلة بعد أن أنهيت عملي غفوت واستيقظت بعد ساعة. كان طفل صغير يحاول عبور جدار المخيم نحو المحيط.

نظرت إليه فقال لي:
- لم لا ترسمين بحيرة أيضا؟

حملته ووضعته أمام المحيط خائفة من غضب والدتي إن خرجت عن قواعدها "إياك أن تغيري أماكن الأشياء. ستصيبك لعنة سريعة ولن تتخلصي من الحزن بعدها". بعد ذلك بعدة سنوات انتقلت إلى شقة بمفردي ولم يعد بإمكاني الهروب إلى مكاني لأنه كان بعيدا، استطعت المبيت فيه ليلة أخيرة.

كانت الجثة التي حصلنا عليها تبدو كما لو أنها أرادت هي بنفسها الموت. وكانت يداها تحيط بجسد صغير لمخيم أزرق.

دلالات