جيش من رجل واحد لمطاردة بن لادن (1/2)

جيش من رجل واحد لمطاردة بن لادن (1/2)

31 يوليو 2019
+ الخط -

كان ذلك في صيف عام 2009، وكنت وقتها في بريطانيا، وحين قرأت في صحيفة (صانداي تايمز) الشهيرة، حواراً مع ذلك الرجل غريب الأطوار، استمتعت بقصته جدا، ورأيت أنها تصلح مادة للكتابة عن تأثير الشحن الإعلامي على المواطن العادي وإصابته بالهوس المؤذي، وتوقعت أن تتحول قصته إلى فيلم أكشن هوليودي، لكني لم أكن أتوقع أن تتحول قصة الرجل إلى فيلم كوميدي، راهن البعض على أنه سينقذ النجم الشهير نيكولاس كيج من عثراته السينمائية المتتالية، لكنه لم يفده على الإطلاق، بل أكد وجوده ضمن قائمة النجوم الذين أدبرت الدنيا عنهم بعد طول إقبال.
أتحدث عن فيلم (جيش من رجل واحد) الذي أخرجه المخرج الأمريكي لاري تشارلز، مخرج أفلام (بورات) و (برونو) و(الديكتاتور) التي لعب بطولتها الكوميديان العبقري ساشا بارون كوهين ومسلسليّ الأكثر تفضيلاً (ساينفيلد) و(اكبح حماسك) وغيرها من الأعمال الكوميدية الناجحة، يروي الفيلم قصة عامل البناء جاري بروكس فولكنر الذي تم العثور عليه في عام 2009 بين الحياة والموت، على الحدود الباكستانية الأفغانية، وحين استعاد صحته اكتشفت السلطات الباكستانية أن ذلك الرجل الذي وجدوه بلحية طويلة غير مهذبة، مرتدياً لخليط من الملابس الباكستانية التقليدية والملابس المودرن، قد جاء من مكان لا يخطر لهم على بال، وهو ولاية كولورادو الأمريكية، لكي ينفذ في هذه البقعة النائية مهمة شخصية لم يكلفه بها أحد، وهي مطاردة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الذي كان وقتها ولسنوات طويلة المطلوب الأول على أغلب قوائم المطلوبين الدولية، وليس الأمريكية فقط.

سيزول استغرابك من تحويل قصة مثل هذه تصلح لأفلام الأكشن والتشويق إلى فيلم كوميدي هزلي، من النوع الذي تخصص لاري تشارلز في إخراجه، إذا قرأت بعض تفاصيل حياة جاري فولكنر، الذي تحول منذ تم القبض عليه وعودته إلى أمريكا، إلى مادة إعلامية مسلية، تتبارى الصحف والبرامج في عرض غرابة أطواره، وكان من أهم تلك المعالجات الإعلامية، تحقيق صحفي مطول كتبه الصحفي كريس هيث ونشرته مجلة (جي كيو) الشهيرة، وهو الذي اعتمد عليه كاتبا سيناريو الفيلم سكوت روثمان وراجيف جوزيف، لكن مع ذلك تبقى صحيفة (صانداي تايمز) البريطانية صاحبة السبق الدولي في الكتابة عن شخصية جاري فولكنر، حيث التقى به مراسلها عقب القبض عليه مباشرة، وأجرى معه ذلك اللقاء الذي احتفظت به بين أوراقي لفترة طويلة، وعدت إليه بعد نشر أخبار الفيلم الذي تم تصوير مشاهده في المغرب، واشترك في بطولته النجم البريطاني المثير للجدل راسل براند، وشاركت في إنتاجه شركة الأخوين بوب وهارفي وينستين التي كانت أحد أبرز شركات الإنتاج السينمائي الأمريكية، قبل أن يدهسها قطار "هاشتاج مي تو".


حين كتب مراسل (صانداي تايمز) عن فولكنر، قال أنه برغم الحالة الصحية المزرية التي كان يمر بها حين عثرت السلطات الباكستانية عليه، كان يردد كثيراً جملة تقول "أعلم أين هو"، وحين التقى المراسل به بعد شهر من العثور عليه، عرف أنه كان يقصد أسامة بن لادن بالتحديد، وأن الأدوات التي عثر عليها معه (سيف ومسدس وسكين لتقطيع شرائح اللحم وحشيش ومعدات للرؤية الليلية وإنجيل)، كانت هي الأدوات التي استخدمها طيلة أشهر خلال بحثه عن بن لادن، وأنه كان ينوي الإستمرار في مهمته بعد خروجه من المستشفى، مطمئناً المراسل أنه لن يقتل بن لادن، لأن قتله سيصنع منه شهيدا، وكل ما سيفعله هو أن يتحفظ عليه، ويسلمه للسلطات الباكستانية، حتى تقدمه للعدالة في باكستان، وليس في الولايات المتحدة الأمريكية، "لأن هذا سيجعلنا ننفق ملايين الدولارات على المحامين، كما أن المحاكمة ستستغرق سنوات وسنوات"، ولم يكن يدري أن السلطات الأمريكية، لن تنتبه إلى خطورة تحويل أسامة بن لادن إلى شهيد، حين نجحت في العثور عليه، بعد ذلك بسنوات، حين قررت التخلص من نفقات المحاكمة وتبعاتها السياسية والإعلامية، وقامت بتصفية بن لادن ورمي جثمانه في البحر، وهي الرواية التي لا يصدقها الكثيرون حتى الآن.


حين التقت الصانداي تايمز بفولكنر، كان قد زار باكستان سبع مرات للبحث عن بن لادن، وحين قال لمراسلها أنه سيعود من جديد، لم يأخذ المراسل كلامه بجدية، لأنه كان في حالة صحية يرثى لها، لكن السنين أثبتت جدية فولكنر، فقد زار باكستان أربع مرات بعد ذلك، ليصل إجمالي مرات عمليات بحثه عن بن لادن إلى 11 مرة، فقد كان فولكنر يؤمن بأنه الرجل المثالي لمهمة العثور على بن لادن، لأنه يعاني من نفس حالة الفشل الكلوي التي يعاني منها بن لادن، والأهم من ذلك هو أنه يشبه بن لادن في طريقة تفكيره أيضا، طبقا لمنطقه الذي قال فيه "أنا أنتمي إلى المدرسة القديمة للغاية، أنا من العصور الوسطى أيضا، ثم إنني صياد وخارج على القانون، فقط ألقي نظرة على سجل السوابق الخاص بي لتكتشف أنني أنسب شخص يمكن أن يقبض على بن لادن"، ولم يكن فولكنر يخجل من إعلان سجل جرائمه ومخالفاته القانونية على الملأ، لأنه كان يعتقد أن الاستشهاد بها في موضع مطاردة بن لادن سيمنحه قيمة مضافة.

لم يخجل جاري فولكنر أيضا من إعلان أنه كان يدخن الماريجوانا مرتين يوميا، وأنه كان يتعاطى أقوى أنواع المخدرات "إل إس دي"، في نفس الوقت الذي كان يعلن فيه عن تدينه الشديد، وأنه ظل يبحث عن بن لادن، ليس لأنه مهتم بالمكافآت المرصودة لرأسه من جهات متعددة، بدليل أنه يقوم بجمع تمويل بشكل فردي، للإنفاق على مهمته، التي لم يعقه عن تنفيذها من قبل منعه من دخول باكستان، لأنه يعتقد أن الإيمان الذي يسكنه سيكون أقوى من كل سلاح، ومع ذلك، وخلال المرات التي دخل فيها إلى باكستان، ظل فولكنر يشتري في السر أسلحة من السوق السوداء، ويخبئها في مناطق جبلية على الحدود الباكستانية الأفغانية، وكان "أخطر" هذه الأسلحة مسدس صيني الصنع، خبأه تحت صخرة في وادي بيمبورت حيث تم القبض عليه، لكنه قال للمراسل أنه ليس مكترثا جدا بوجود أسلحة نارية متطورة لديه، لأنه سيقبض على بن لادن بسلاح أو بدون سلاح، مضيفاً: "كلما توغل بن لادن في الجبال كلما توغلت أنا، وهذا الأمر لا يزعجني على الإطلاق، إن أحدنا على صواب والآخر على خطأ، لكن الرب سيحميني أنا".
ولد جاري فولكنر في 15 أغسطس 1959، ومن سخريات القدر أنه ولد بالتحديد في هوليود بمدينة لوس أنجلوس، كان أبوه مغنياً وكانت أمه عاملة في شركة تليفونات، ثم انتقل الإثنان إلى ولاية كولورادو وأقاما بها، توفي الأب بأزمة قلبية عن 45 عاما، بعد أن أنجب 4 أبناء، لكنه ترك بصمة لدى أبنائه، خصوصا ابنه الأكبر جاري ، الذي ورث عن أبيه حب رياضة الصيد والقيادة العنيفة للسيارات والمغامرات. لم تكن عائلة فولكنر عائلة متدينة، حتى أنه لم يكن في بيتهم نسخة من الإنجيل كما يقول، لكن ذلك تغير في بداية السبعينات، حين ذهب أطفال الأسرة إلى معسكر مسيحي، فتعرفوا على تعاليم العهد الجديد، "وولدوا من جديد" حسب تعبير جاري . وهو ما جعل جاري يقرر التبكير في زواجه منعا للوقوع في الخطيئة، فتزوج في العشرين من عمره من فتاة تدعى ماكسين، وأنجب طفلا اسمه روبرت.
لكن التدين لم يغير شخصية جاري فولكنر إلا إلى الأسوأ، فقد انغمس في إدمان المخدرات، مجربا كل شيئ كان متاحا أمامه: الحشيش والكوكايين والميث والهيروين، وبدأ يدخل في معارك عنيفة مع تجار المخدرات والعصابات المحلية، وهي معارك وصلت إلى حد استخدام المتفجرات التي كان يصنعها بنفسه، وكان طبيعيا بعد حياة حافلة مثل هذه، أن يقضي 12 عاما بين السجون والمراقبة وأقسام البوليس، محبوسا بتهم ظل يفتخر بها كلها، إلا تهمة الاعتداء على والدته التي قضى بسببها عاما في السجن، لكنه ينكرها بشدة ويعتبرها كاذبة وملفقة، لأنه يمكن أن يفعل كل الموبقات إلا الإعتداء على والدته، مؤكداً أنه مع وصول فترات سجنه إلى نهايتها، كان قد استعاد تدينه وعلاقته بالإنجيل الذي أدمن قراءته في السجن.
في عام 2001 كان جاري بروكس فولكنر في أسوأ حال يمكن تخيلها: زواجه انتهى وأصبح مثلا سيئا لابنه، وفقد بيته بسبب عدم دفعه المستحقات القانونية التي ترتبت على الطلاق، فبدأ يعمل في البناء متنقلا بين عدة ولايات، وحين وقعت أحداث 11 سبتمبر، رأى جاري في الأخبار كيف يفتخر بن لادن بفعلته التي خطط لها ونفذها أنصاره، والتي تسببت في مقتل آلاف المدنيين، فقال لأخيه سكوت الطبيب إن ما فعله بن لادن مذكور في الإنجيل، مضيفاً أن "الرب يكره الجبناء وأنا لا أريد أن أكون جبانا ولن أتخلى عن شجاعتي، لقد أهان أسامة بن لادن بلادي وإلهي". كان فولكنر يشعر بالحزن لأن حكومة بلاده فشلت في القبض على بن لادن وحماية مواطنيها، ولذلك قرر أن يأخذ على عاتقه تلك المهمة، وحين بدأ يعلن ذلك لمن حوله، لم يأخذه أحد مأخذ الجد، سوى أخيه الذي يتذكر كيف كان فولكنر منذ صغره يغيب عن المنزل لأيام عديدة، ثم يعود إلى البيت حاملا طرائد صيد، وكيف كان يقضي في رحلات الصيد تلك فترات عصيبة لا يمكن أن يتحملها من هو في سنه.
ظل جاري فولكنر لمدة عامين يجمع التمويل اللازم لمهنته، حتى استطاع إدخار عشرة آلاف دولار، اشترى بها من مدينة جريلي بولاية كولورادو يختاً وبندقية وبعض السيوف المنتقاة بعناية وزجاجات الخمر الكبيرة، وقام بنقل اليخت بصعوبة بالغة، إلى مدينة سان دييجو المطلة على المحيط الهادي، مقرراً أن يبحر إلى باكستان التي لم يكن يعلم أين تقع بالتحديد، لكنه كان يظن أنها على الطرف الآخر من المحيط، وهو بالمناسبة ليس أمراً غريباً على ملايين المواطنين الأمريكيين العاديين، الذين لا يملكون قدرا كبيرا من المعرفة بما يجري في العالم، ولا يسمعون عن أغلب دول العالم، إلا إذا كانت أمريكا ستحاربها، أو إذا عرفوا من وسائل الإعلام الأمريكية أن هذه الدولة تشكل خطرا على أمن أمريكا.
بعد أن أمضى فولكنر 22 يوماً في عرض المحيط، تحطمت سفينته على مشارف أحد الشواطئ، ليكتشف أنه لم يصل إلى باكستان، بل وصل إلى المكسيك. ولم ييأس جاري بعد عودته إلى مسقط رأسه، فقد واصل العمل مجددا وجمع التمويل، ليشتري يختا أرخص سعراً، بكلفة 3500 دولارا، لينطلق به من ميناء آخر في الشمال الغربي هذه المرة، لكي يبتعد عن المكسيك، لكن رحلته لم تنطلق، لأنه تعرض لحادث قبل إقلاعه، حين كان ينظف مسدسه فأصابته إحدى الطلقات، ليلجأ فولكنر إلى الإنجيل لكي يرشده، إلى أفضل الطرق التي يمكن أن يحقق من خلالها مهمته، فتأخذ قصته منحى أكثر عبثية وغرائبية، حيث تملكه الشعور أن مهمته لن تنجح إلا إذا حصل على رداء وغطاء رأس من مدينة أردنية عتيقة، يرد اسمها في الإنجيل بوصفها مدينة الرؤية والكشف، مبررا قراره ذلك بقوله "الكتاب المقدس كالخزينة إن لم تضع مفاتيحها بالشكل الصحيح لن تنفتح". (ذكر تحقيق الصانداي تايمز أن إسم المدينة هو بوسير، ويبدو أن خلطا قد وقع في الاسم ربما يكون حدث من قبل جاري فولكنر، لأن مدينة بوصير الأثرية تقع في تونس، وربما كان يقصد مدينة أم قيس الأثرية التي ورد اسمها في الكتاب المقدس والتي تقع على الحدود الأردنية وتطل على بحيرة طبريا).
وجد جاري فولكنر أن دخوله إلى الأردن سيكون صعبا وسيعرضه للمراقبة الأمنية، لذلك قرر أن يسافر إلى اسرائيل، التي سترحب بدخوله كمواطن أمريكي، على أن يعبر من خلالها الحدود إلى الأردن، ولأنه كان قد تعرض لتجربة سيئة مع البحار والمياه عموما، فقد قرر أن يعبر من فوق البحر الميت، بدلا من أن يعبر البحر الميت، ولذلك قام بتهريب طائرة شراعية داخل حقيبة أدوات تزلج، لم تلفت أنظار العاملين في الجمرك، لأنهم لم يروا فيه خطرا، وإلا لكانوا سألوا أنفسهم: "لماذا يأتي أمريكي للتزلج في اسرائيل أصلا".
بعد أن وضع فولكنر حقيبته في الفندق، قام بمغادرته باحثا عن أقرب تل يمكن أن يطير من عليه، فوجد تلا يبدو بعيدا جدا عن البحر الميت، لكن ذلك لم يحبطه، فبدأ في تركيب طائرته الشراعية، قائلا لنفسه أنه حتى لو لم تنجح تجربته وسقط، سيسقط على سهل أخضر ليس وعرا، وأن تجربة الطائرة الشراعية ستكون أكثر أمنا من تجربته السابقتين مع اليخوت والبحر، لكن حسابات فولكنر اتضح أنها خاطئة كالعادة، فقد تحطمت طائرته الشراعية وسقطت به على الصخور، لينكسر ضلعه ويتمزق رسغه وتنخلع يده من مكانها، لكنه تماسك وظل سائرا حتى عاد إلى الفندق دون أن يلحظ ما جرى له أحد، وهو ما جعله يقوم بوضع رباط للأضلع بدلا من زيارة الطبيب، مقررا العودة إلى الولايات المتحدة، ليأخذ استراحة محارب ويعيد التخطيط لمهمته من جديد.
حين عاد جاري فولكنر إلى مدينته في ولاية كولورادو، بعد مغامرته الفاشلة في الأردن، وبدأ المقربون منه في معرفة تفاصيل قصته، تشكك الكثيرون منهم في قواه العقلية، لكن أخاه سكوت سانده بقوة وكان سببا مهما في دعم جاري وتقوية موقفه. يشرح سكوت فولكنر موقفه لمراسل الصانداي تايمز قائلا "من وجهة نظري كطبيب، أخي ليس مختلا، أعتقد أن علينا أن نفكر بأنه كإبراهيم أو كدانيال في الكتاب المقدس، فهو شخص عادي يعمل لأشياء غير عادية، ولو كان أخي أحد أفراد الجيش النظامي، لن يقول أحد أنه مجنون، بل سيقال أنه يؤدي واجبه تجاه بلده، أنا كأخوه أخاف عليه طبعا، ولكننا جميعا مصيرنا الموت يوما ما، لكن المأساة الحقيقية هي أن تعيش حياتك في سكون، دون أن تجرب المخاطرة يوما ما، لقد اختار جاري أن يعيش حياته لأقصاها، وكانت هذه دعوته التي يجب أن نساندها جميعا".
والحقيقة أنك حين تقرأ كلاما عاطفيا مثل هذا، تتأثر قطعا بتلك المساندة المدهشة التي يقدمها أخ لأخيه، لكنك تتساءل أيضا عما إذا كان يجب فحص القوى العقليلة لسكوت أيضا، دون الإكتفاء بفحص جاري وحده، لكن على أية حال، فات الأوان على ذلك الآن، لأن موقف سكوت كان سببا في انتصار وجهة النظر الداعمة لجاري، بل وتحولها إلى مساندة مادية سخية، مكنته من عبور الحدود الإسرائيلية الأردنية، بسهولة هذه المرة، والسر كما قال لمراسل الصانداي تايمز هو أنه سحر جنود حرس الحدود، فلم يتمكنوا من رؤيته وهو يعبرها، وبعد أن وجد نفسه في الأردن استقل تاكسيا وطلب منه أن يقله إلى المدينة المذكورة في الكتاب المقدس، وحين وصل إليها اشترى الملابس التي يريدها، وأصبح بعدها جاهزا لتنفيذ مهمته المقدسة، بعد أن استكمل المعايير الإنجيلية المطلوبة.
هذه المرة أثبت فولكنر أنه ليس مجنونا ولا غبيا، كما يقول المشككون، لذلك لم يكرر أخطاء الماضي، فلم يضيع الأموال التي ادخرها من جديد، والتي تبرع بها له داعموه، لينفقها على شراء يخت جديد، فقد تنبه أخيرا إلى أن هناك وسيلة مواصلات اسمها الطائرة، وأنه يمكن أن يشتري بسعر أقل من سعر اليخت، تذكرة طيران إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد، لتكون زيارته الأولى في عام 2005 استكشافية للبلد والمكان، كانت على حد تعبيره "زيارة تعليمية بشكل أساسي"، وكانت ناجحة جدا، مما جعل فولكنر يدرك أن الملابس الإنجيلية كانت كل ما ينقصه بالفعل، ولذلك فقد ترك لروحه العنان لكي تقوده في زيارته الثانية، حيث قام بشراء خنجر وسيف وربطهما على صدره، وقرر أن يتوجه إلى مدينة جيلجيت على الحدود الأفغانية، ولأنه لم يكن يعرف سوى كلمة واحدة باللغة الأوردية، هي كلمة "قف"، فقد قرر أن يصمت تماما، لأن الكلام سيكشف هويته، وسيعرضه للإصطدام مع كارهي الأمريكان من ركاب الحافلات، لكن ركاب الحافلات على ما يبدو كان لديهم ما يشغلهم أكثر من محاولة كشف هوية فولكنر، الذي ساعدته لحيته الكثيفة وملابسه الباكستانية على الإندماج في البيئة المحيطة به.
نكمل غداً بإذن الله

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.