نسوية بشوارب

نسوية بشوارب

20 يوليو 2019
+ الخط -
نواجه اليوم يقظة نسوية سورية وحتى عالمية، ولا يعود الفضل في الحركة النسوية السورية  لشخصيات بعينها، ولكن لظروف جبارة، أحكمت الرباط حول أعناق النساء، ممن بقين وحدهن في مواجهة الظروف الحالية، في غياب الأب والأخ والزوج والابن، وفي وجود الأطفال والحياة الكاملة التي يتوجب عليهن متابعة حملها والسير بها قدماً. 

وما يجعلهن في هذه الحالة نسويات هو امتلاكهن للاستقلال المادي ولمقود التحكم المتاح، والذي يؤدي في النهاية لوعيهن بحقوقهن المنقوصة، ولمطالبتهن برد الاعتبار وترميم الهوة الزمنية التي جارت على حقوق المرأة بدءاً بالقانون السوري وانتهاء بأعراف مجتمعية تكرس سلطة الرجل. 

ومن المضحك التعرف على مفهوم النسوية لدى الكثيرين، فهناك أنواع وتصنيفات للنسويات: 

  • امرأة ذات شوارب، وشعر طويل تحت الإبطين، وحاجبين كثين.

  •  امرأة شديدة التحرر، صارخة الجمال والتجميل، لا تُعنى بالقيم والأخلاق المتعارف عليها. 

  • شابة تطالب بحقوقها بعنف، ويزعجها أن يقوم رجل بفتح الباب لها أو مساعدتها بحمل محفظتها الثقيلة.

  • شابة نسوية تدافع عن حقوق المرأة في كل محفل، وتتحدث بأسمائنا جميعاً، ولا تفوت أول فرصة لتصطف مع ابن عمها في أول خلاف مع زوجته، ولتهضم حقوق زوجة أخيها عند أول أزمة، وهي أيضاً تتنازل عن كل حقوقها المدوية من أجل رموش عيني حبيب القلب.

ولستُ هنا بغرض الإساءة لأحد، ولا بغرض التقليل من شأن الحراك النسوي، فهو بطبيعة الحال غض، يبحث عن مكوناته بعد سنين ذكورية طويلة. 

أعترف بأنني أتعرض منذ بضع سنوات لهجمات لفظية شرسة من ذكور مقربين بأنني أصبحت نسوية، وبأنني أتكلم بلسان المظلومية، وبأنني قد وقعت في فخ النسويات العميق واستولين على عقلي كما تستولي المشعوذات على عقول الضعفاء. وتضحكني كل تلك الأوصاف، وأعلم أنني كنت هشة لدرجة أن كتابتي لهذا النص اليوم تبدو لهم وصمة نسوية في درب الاختلال الذي أصابني، وحجب عني رؤيتي الجلية. 

أعتقد أن لي حق التوضيح في مفهومي النسوي، الذي سلب عقلي منذ بدء الثورة السورية.. 

أرى أن النساء السوريات جامعات الورد في الغوطة الشرقية، هن رائحة النسوية الزكية، وأن الأمهات اللاتي واظبن على زيارة أبنائهم خلف قضبان السجون السورية دون التخلف مرة عن الزيارة المضنية هن آلهات النسوية السورية، وأرى أن الباحثات دون كلل أو ملل عن مصير مفقوديهن هن خارطة الطريق للنسوية السورية، وأغرق في بحر المعيلات الوحيدات لعائلات كبيرة واللاتي يتعلمن كل يوم حرفة، واللاتي لم ييأسن في العَدْو نحو مستقبل أفضل لأطفالهن، وأجد في تلك التي انتظرت طويلاً خبراً عن زوج مختفٍ ولم تجد فتابعت مسيرة نضالها ونضاله وحملت اسمه غالياً في القلب ولكنها تابعت الحياة مع شخص آخر، أراها نجمة مضيئة للأمل، وأرى في تلك التي ضمدت جراحها بعد الاعتقال، ونزعت عن نفسها وصمة العار الملتصقة، طريقاً معبداً لغيرها ولكل من نجون بعدها.

وإذ تكون النسوية اليوم بحجاب وعباءة أو بفستان مقطع وشعر مبعثر صديقة لنفسها أولاً وداعمة للنساء من مختلف الانتماءات والطبقات والأشكال والألوان، فهي تمثلني. 

وإذ تكون واعية لحق الجميع في التعبير عن آرائهن وآرائهم، وعلى أن  تقف هنا على الطرف العادل من الحقوق الإنسانية، وأن تعي بأننا لن نشكل يوماً حزباً أو حلفاً أو حركة، فنحن لا يمكن جمعنا تحت إطار ولون وفكر واحد، بل نحن جداتنا اللاتي سقين حقول الزيتون، ونحن عاملات المنزل المكافحات، ونحن سيدات قرارنا بمختلف أطيافنا، ونحن لنا الحق في التعريف عن هويتنا البصرية والفكرية بالشكل الذي يناسب كلاً منا.

أنا لا أريد أن أنتمي لمن يتركن شعرهن الأبيض ولا أريد أن أكون ضدهن، أنا لا أريد أن أصنف تحت أي بند، ولكنني أريد أن أحترم حق النساء في أن يكن ما يردن وأن يحصلن على حقوقهن العادلة وأن لا يكنّ عرضة للنقاش النسوي الذي يسعى إلى بناء حقوقهن باعتبارهن جزءاً ضعيفاً من المجتمع. أريد أن أكون في الطرف الأقوى كما أنا اليوم كما هي أمي وكما كانت جدتي، وكجميع صديقاتي اليوم. نحن اللواتي نملك دفئا يتسع لوطن وقوة تبني بلداً.

9BAC13F6-67B4-4BA6-A324-1015B2C63936
زينة قنواتي

صحافية سورية مقيمة في براغ، درست الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، والصحافة والإعلام في جامعة براغ. عملت في مجال تأليف قصص الأطفال. وحاصلة على شهادة تدريبية في علاج الصدمة.