رجل اسمه... غسان كنفاني

رجل اسمه... غسان كنفاني

02 يوليو 2019
+ الخط -
أكثر من قضية إنسانية ظلّت خالدة ولم تُنسَ، فكيف إذا كانت قضية عربية؟ لا يمكن نسيانها أو تجاهلها أو المرور عنها، وهي ليست إلا قضية فلسطين التي تتوارثها الأجيال وتحمل أوجاعها وهمومها وذاكرتها بكافة تفاصيلها؛ حتّى يأتي يوم النصر القريب، وتحرير الأرض من الشمال إلى الجنوب.

كان للقضية الفلسطينية عدد من الرموز النضالية المساندة لها، باختلاف الطرق والوسائل من الدفاع بالسلاح إلى حمل القلم لكتابة نصوص تخلّدُها للأبد، وكان منهم رمز ظلَّ يدافع ويناصر القضية الفلسطينية لآخر رمق، وهو رجل اسمه "غسّان كنفاني".

يُصادف في 8 يوليو/ تموز تاريخ حزين في الأدب العربي وتحديدًا أدب المقاومة، وهو يوم استشهاد أيقونة من الأيقونات الشعبية الفلسطينية الأديب غسّان كنفاني في مدينة بيروت، فهو الذي استخدم قوّة الكلمات التي خطّها بقلمه في مؤلفاته وكتاباته للدفاع عن قضية فلسطين، فأثبت أن القلم لا يقل تأثيرًا وقوّةً عن السلاح، فالكلمة تتحوّل إلى رصاصة قادرة على مواجهة الأعداء وجعلهم يخافونها، فكانت سببًا لاغتياله؛ حتّى يتوقف قلمه عن الكتابة، وقلبه عن النبض بعروبة وعدالة القضية الفلسطينية.


ترك غسّان كنفاني بعد رحيله مجموعة مؤلفات تنوّعت بين القصص القصيرة والمسرحيات والروايات والمقالات؛ إذ إن إنتاجه الأدبي يعتبر غنيًا مع أنه رحل بعُمرٍ صغير لم يتجاوز السادسة والثلاثين، ولكنه استطاع أن يتركَ صدى كلماته تؤثّر في الأدب العربي إلى الآن، كما تُرجمت الكثير من مؤلفاته إلى لغاتٍ أجنبية ساهمت في انتشار أدب كنفاني عالميًا، ومن مؤلفاته المشهورة عائد إلى حيفا، ورجال في الشمس، وأم سعد، وجسر إلى الأبد، وما تبقى لكم.

في كلّ كتاب قرأتُهُ لغسّان كنفاني كنتُ أكتشف شيئًا جديدًا عن أدبّهِ؛ ممّا يدفعني لإعادة قراءة الكتاب أكثر من مرّة، ولكن لم أُفكّر أن أقرأ كتابًا مؤلفًا عن كنفاني وحياته أو بتعبيرٍ أوضح جزء مهم منها؛ ألا وهو الجانب العاطفي لهذا الأديب المقاوم، وكان الكتاب هو (رسائل غسّان كنفاني لغادة السمّان)، والذي يجمع مجموعة رسائل أرسلها غسّان إلى غادة خلال تراسلهما، وكانت غادة السمّان قد أفرجت عن هذه الرسائل، وجمعتها في كتابٍ واحدٍ لنشرها خلال الذكرى العشرين لاغتيال غسّان كنفاني.

جاء كتاب رسائل غسّان كنفاني لغادة السمّان مطبوعًا بحجم متوسط، وعدد صفحات يصل إلى 180 صفحة تقريبًا، وتضاف في كلِّ طبعة من طبعاته صفحات جديدة تحتوي آراء نقدية تتحدث عن الكتاب منذ صدوره الأوّل إلى تاريخ صدور الطبعة الأخيرة. وكشفت غادة السمّان في هذا الكتاب الجانب العاطفي الخفي من حياة وشخصية غسّان كنفاني، والذي تتوارى تفاصيله وراء قلمه وكتاباته الثائرة، فعندما صدرت الطبعة الأولى مثّلت صدمةً كبيرةً رافقها تباين ملحوظ في الآراء حول الكتاب؛ بسبب محتوى الرسائل ذات الكم الهائل من العاطفة والحُبّ في مضمونها، والتي لا تتشابه مع شخصية غسّان المتسمة بالجدية والثورية والمقاومة.

مع كثرة اللغط الذي دار حول الكتاب، إلا أنه فقد عنصرًا مهمًا أشارت له غادة؛ وهو غياب الرسائل التي كانت تردّ فيها على غسّان، وقد وضّحت سبب ذلك في أكثر من مكان بالكتاب؛ وهو عدم استجابة عائلة كنفاني لطلباتها المتكررة بإعادة إرسال هذه الرسائل لها، لتضيفها إلى محتواه، ولكن في المقابل ألم تحتفظ غادة بأي مسودة من مسودات هذه الرسائل؟! والتي من الممكن إضافتها كمُلحقٍ للكتاب؛ لذلك أرى أن اكتمال صورة الجانب العاطفي لغسّان بحاجةٍ شديدةٍ إلى قراءة رسائل غادة؛ لأن الكتاب بشكله الحالي ينقل قصة حُبٍّ جافة، ومن طرفٍ واحدٍ فقط.

مهما كانت طبيعة ونوعية الكُتب المؤلفة عن غسّان، إلا أن شخصيته الحقيقية وتاريخه الأدبي يُقرآن في مؤلفاته التي تُعبّر عن حقِّ الشعب الفلسطيني في كلّ ذرة من ثرى تراب فلسطين، كما أن كلماته ستبقى نابضة في وجدان وعقول الكثيرين، وجزءًا لا يتجزأ من تاريخ الأدب الفلسطيني المقاوم، الذي ساهم في بنائه وترسيخ قواعده بمؤلفاته الروائية والقصصية، ومع أن عُمر غسّان كنفاني كان قصيرًا ولكن أدبه سوف يظلُّ مستمرًا عبر الأجيال.