نزهة إدلبية بالطريقة الأميركية

نزهة إدلبية بالطريقة الأميركية

09 يونيو 2019
+ الخط -
أبدى أبو الجود فرحاً وحبوراً كبيرين عندما علم أن جلسات الإمتاع والمؤانسة ستستمر في إسطنبول بعد انقضاء شهر رمضان وأيام العيد. حينما التقينا في منزل الصديق "أبو إبراهيم" وقف أبو الجود مثلما كان الأشخاصُ الذين فشلوا في إدارة المؤسسات الإنتاجية السورية يقفون أمام حافظ الأسد ليؤدوا اليمين الدستورية بعد أن جرى تعيينهم بصفة سفراء لسورية في دول العالم!.. وقال: بْعَاهِدْ نفسي وبعاهدكن إنو ما غيب عن أي جلسة، وبدي أجي أول واحد ع السهرة، وغادر السهرة آخر واحد، وكل يوم بدي إترحم على أستاذو لأبو مرداس تبع الإمتاع والمؤانسة.. أشو كان إسمو؟

قلت: أستاذنا الأديب الكبير أبو حيان التوحيدي..
قال أبو جهاد: يا سلام. وإن شالله بدك تعزمنا ع السهرة عندك في البيت بواحدة من هالسهرات؟

قال أبو الجود: أنا بعزمكم، وبنفس الوقت بنصحكم تعتذروا عن الحضور، لحتى ما تتندموا وما ينفعكم الندم. يا شباب أنا مو بس ما معي فلوس لحتى أعزمكُم، كمان ما في حدا بيرضى يْسَلّفني مصاري، وترى الناس معهن حق، لأني ياما استلفت مصاري وما رَجَّعْتْهَا لأصحابها.
في مرة واحد طالبني بالمصاري اللي استلفتها منو شي عشرين مرة، وبعدها تلاقيت فيه واعتدى عليّ بالضرب، وأنا ضربتو، وأجوا الشرطة وأخدونا ع المخفر، وأنا أصريت على عدم الدفع بسبب الطفر، والشرطة قرروا يحبسونا لحين انتهاء المشكلة، فانجبر هوي يسقط حقو، ويْمْضِي عالمَحْضَرْ لحتى انتهت المشكلة وأخلوا سبيلنا أنا وهوي.

قال أبو إبراهيم: أخي أنا عندي حل. اعملوا دُوْرْ للسهرة، ولما بيجي دُوْرْ أبو الجود منعمل السهرة عندي. يعني أنا بشيل السهرة عنو.
قال أبو الجود: يا سلام، هادا هوي الكلام اللي بينسمع. خيو، هلق كنتي زوجة إبني جواد حامل، إذا إجانا صبي بدي سميه "حيان" على اسم هادا اللي إسمو أبو حيان التوحيدي، يا إما منسميه إبراهيم تيمناً بهالإنسان الراقي أبو إبراهيم..
ضحك الأستاذ كمال وقال: خايف يصير معنا متل ما كان يصير قبل ربع قرن في إدلب.
قال أبو محمد: خبرنا، أيش كان يصير معكن؟

قال كمال: كان إلنا صديق إسمو "أبو سَلْمَان"، كلما رحنا ع "جبل الأربعين" حتى نتعشى ونسهر في أحد المطاعم والمقاصف السياحية، كان يبدي استعدادو لمرافقتنا، ونحنا نوافق على ذهابو معنا لأنو إنسان طيب وصاحب نكتة وبديهتو حاضرة. وكنا متفقين إنو يكون الدفع ع الطريقة الأميركية، يعني منجيب فاتورة المطعم ومنقسمها على عدد الموجودين، وكل واحد بيدفع المبلغ اللي بيترتب عليه. وكنا نستثني "أبو سلمان" لأنو مفلس ومنحوس متل أخونا "أبو الجود". وعلى كل حال مو هون النكتة.

قال أبو محمد: لكان وين النكتة؟
قال كمال: النكتة أنو كان أبو سلمان يشوفنا عم نتحاسبْ، وكل واحدْ عَمْ يدفعْ اللي عليه، فتغرغر عيونو بالدمع، ويقول: مو حرام عليكُنْ تعاملوني معاملة الأيتام وأبناء السبيل؟ مو أنا رَجُلْ محترمْ متلكم؟ ليش ما بتخلوني إدفع الحصة تبعي؟ وبعدما يقول هيك، كان يمسح دموعو، ويمد يدو لجيبو ويطلع مبلغ زغير، (خمسة وعشرين ليرة مثلاً) ويرمي المبلغ ع الطاولة، ويقول: إذا ما بتاخدوا مني هالخمسة وعشرين بحياتي ما عاد رافقكن في نزهة أو مشوار! إهي إهي إهي..

قال أبو جهاد: كمان هاي مو نكتة. التصرف تبع صاحبك أبو سلمان جيد، وبرأيي إنو هادا هوي الموقف السليم.
قال كمال: صح. لاكن الموقف غير العادي إنو كان يجي تاني يوم ع المقهى، ويكون قسم كبير منا موجودين، ويوقف ويقول للزباين:
- هدول أصدقائي اللي شايفينُنْ قدامكُمْ ناس سيئين، تصوروا أنا صديقهم، وبيعرفوا إني رجل طفران، بيعزموني على مشوار بجبل الأربعين، وهناك بيتحايلوا عليّ وبيشلحوني كل المصاري اللي معي!
وكانوا عينيه يغرغروا بالدمع، ويقول: خمسة وعشرين ليرة دَفَّعُوني. مو حرام عليهم؟ لَكْ مو حرام؟ أنا من وين بدي جيب مصاري وأطعمي عيالي؟ وأنا وأنا وأنا.. ويبقى عم يحكي ويبكي لحتى يقوم واحد منا ويعطيه خمسة وعشرين ليرة ويقلو:
- يا أخي أبو سلمان تفضل، هاي المصاري تبعك، والله يستر عليك استرْ علينا!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...