عن الرعب البرازيلي والقدرة على الإنجاز وتفاصيل أخرى

عن الرعب البرازيلي والقدرة على الإنجاز وتفاصيل أخرى

01 يوليو 2019
+ الخط -
ـ في الوقت الذي توقع فيه كثير من سكان المدن البرازيلية أن يؤدي انتخابهم للرئيس البرازيلي الجديد جاير بولسونارو صاحب الأفكار الفاشية المتطرفة، إلى انخفاض نسبة الجريمة التي أصبحت الكابوس الأبرز الذي يعانون منه، كشفت الأرقام مؤخراً عن ارتفاع نسبة الجريمة المنظمة بشكل غير مسبوق في الربع الأول من عام 2019. في مدينة ريو دي جانيرو على سبيل المثال تم تسجيل 1614 شكوى من الممارسات التي تقوم بها ميليشيات شبه عسكرية تحولت إلى دولة داخل الدولة، عدد الشكاوى يمثل نسبة زيادة قدرها 87 في المائة مقارنة بعدد الشكاوى المسجلة في نفس الفترة قبل خمس سنوات مضت.

تنقل مجلة (ذي ويك) الأمريكية عن الصحافة البرازيلية تغطيتها لنشاط مجموعات المافيا البرازيلية التي تحولت إلى ميليشيات شبه عسكرية، والتي تصاعد أداءها منذ انتخاب الرئيس الجديد مطلع العام الحالي، فبدلاً من اكتفائها في الماضي بعرض خدمات الحماية للأفراد والشركات من عصابات المخدرات وقيامها ببيع سلع مثل أنابيب الغاز وخطوط القنوات المشفرة، بدأت هذه الميليشيات توسع نشاطها مؤخراً، وأصبحت تطلب إتاوات من الجميع، يتساوى في ذلك الصيادون وأصحاب صالونات التجميل وحتى المرضى المترددين على المستشفيات. وما يزيد الطين بلة أن غالبية السكان الذين يتعرضون لمضايقات ميليشيات الجريمة، يخافون من إبلاغ السلطات لكي لا يتعرضوا للانتقام الذي رأوه يحدث لبعض من يقومون بإبلاغ السلطات الأمنية، لكنهم في الوقت نفسه مع تصاعد نسبة البطالة ومعدلات الفقر، لا يجدون المال الكافي للإفلات من بطش الميليشيات التي تطلب ثمناً لحمايتها لهم.


من أشهر الحكايات المثيرة للخوف واليأس، ما يتداوله البرازيليون عن مصير السياسي مارييلي فرانكو الذي قاد حملة للتحقيق في نشاطات ميليشيات الجريمة في العام الماضي، ثم تعرض للقتل على يد ضباط شرطة سابقين تربطهم صلات عمل بعائلة الرئيس الجديد بولسانارو، طبقاً لما يقوله الباحث البرازيلي إجناسيو كانو الذي يشير إلى تصريح مسجل قال فيه بولسانارو أنه يعتقد أن هذه الميليشيات يمكن أن تكون نافعة لمكافحة العنف في المدن، لأنها تحمي السكان من العصابات المسلحة.

بالطبع لا تستطيع أن تفصل هذه الأنباء عما تم كشفه مؤخراً عن وجود كميات كبيرة من مخدر الكوكايين مع بعض أعضاء الوفد الرئاسي المسافر للاشتراك في قمة مجموعة العشرين، ولا عما كشفه الصحفي جرين جرينوالد عن الفضائح التي صاحبت إصدار أحكام قضائية ضد الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دي سيلفا لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية في مواجهة بولسونارو. لا يستطيع أحد أن يجزم هل سيستمر موقف بولسونارو من العصابات المسلحة كما هو، أم أنه سيتغير لتخفيف الضغوط السياسية والإعلامية عليه، خاصة إذا تسبب تصاعد شكاوى المواطنين في انفجارات تشبه ما سبق أن حدث في عهد من سبقوه، لكن المؤكد أن النشاط الذي تمارسه الميليشيات الصاعدة نجح في جمع كميات مهولة من الأموال، يمكن أن يتم استخدامها لشراء رجال الشرطة كما كان يحدث في السابق بسهولة وفُجر، ومن المؤكد أيضاً أن التخلص من هذه الميليشيات لن يتم بسهولة، ولا عزاء للمواطنين الشرفاء من هواة الاستجارة من الرمضاء بالنار.

ـ في تجلٍ جديد من تجلياته الدرامية، قال الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتيه إنه كان يعاني في الماضي من المثلية الجنسية، لكنه قام بشفاء نفسه منها بمساعدة النساء الجميلات، وبالطبع لم يكن إطلاقه مثل ذلك التصريح بعيداً عن رغبته في الهجوم على أحد أبرز معارضيه الذي ينتقد حربه الدامية على تجار المخدرات، والتي يقول المراقبون إنها أدت إلى عكس ما كان يأمل به الفلبينيون الذين انتخبوا دوتيرتيه بوصفه الرجل الذي سيخلصهم من الجريمة المنظمة، الرئيس الفلبيني الذي لا يكف عن إطلاق التصريحات الفاشية والتحريضية، اتهم معارضه بأنه "شاذ جنسياً"، ثم قال إنه شخصياً كان "شاذاً بعض الشيئ" وهو أصغر سناً، ثم تم شفاؤه بمساعدة زوجته السابقة إليزابيث زيمرمان، التي انفصلت عنه عام 2000، وأنه بعد أن تزوجها أصبح يكره الرجال الوسيمين بعد أن كان يحبهم، وأصبح منذ ذلك الوقت يفضل النساء الجميلات.

ـ اتضح أن أكثر من ربع الجازولين الذي يتم بيعه في كولومبيا يستخدم لإنتاج الكوكايين، طبقاً لما أعلنته الحكومة الكولومبية مؤخراً، بعد أن قامت بالتحقيق في نشاط أكثر من 33 محطة لبيع الوقود في المناطق الريفية، تبين أنها تقوم ببيع كميات هائلة من الوقود، لا تتناسب مع احتياجات السائقين في المناطق المحيطة بها، إحدى هذه المحطات التي تقع في منطقة منعزلة قامت ببيع 1.2 مليون جالون من الوقود خلال عام، وهو ما يماثل حجم ما باعته محطة وقود في أكثر مناطق العاصمة الكولومبية بوجوتا ازدحاماً بالسيارات. يمثل الجازولين العنصر الرئيسي في العملية الكيميائية التي تقوم بتحويل أوراق الكوكا إلى معجون يتم تجفيفه بعد ذلك، في عملية تتطلب حوالي 75 جالون من الجازولين لصنع كيلو واحد من خام الكوكايين، ومن أجل تجارة مربحة كهذه، نشأت محطات لبيع الوقود في طرق غير معبدة ولا تشهد أي نشاط مكثف لوسائل النقل، ما عدا وسائل النقل التابعة لمزارع الكوكايين التي لا زالت تعمل بكامل طاقتها، لتأمين الكوكايين اللازم لتأمين احتياجات المدمنين، وصناعة مواسم جديدة من مسلسل (ناركوز) لإبهاج مشاهدي "نيتفليكس" حول العالم.

ـ إذا كنت تعتقد أن لديك مشكلة مع الإنتاج ككاتب أو كمواطن لا يمارس الكتابة، لا أدري كيف سيكون شعورك حين تقرأ المقابلة التي أجرتها مجلة (جلامار) مع الكاتبة الأمريكية دانييل ستيل والتي اشتهرت برواياتها الرومانسية التجارية، والتي بلغ عددها حتى الآن 179 رواية بيعت منها 650 مليون نسخة بشكل شرعي، غير النسخ المقرصنة التي لا يعلم عددها إلا الله. داننيل ستيل قالت للمجلة أنها تقضي كل ساعات يقظتها خلال اليوم في الكتابة، وهي ساعات قد تصل أحياناً إلى عشرين ساعة في اليوم إذا لم تستطع النوم، وهو ما يمكنها من إنجاز سبع روايات في بعض السنين. ستيل البالغة من العمر 71 عاماً لا زالت تكتب على آلة كاتبة من طراز أوليمبيا، لا تفارقها حين تكتب في غرفة مكتبها في منزلها في باريس أو منزلها في سان فرانسيسكو، ولكي لا تعطل نفسها بالذهاب للأكل، تضع إلى جوارها ألواح شوكولاتة لتشبع جوعها وتعينها على مواصلة الكتابة، ولا تذهب إلى سريرها للنوم إلا إذا كانت في غاية التعب، بل إنها تفضل أحياناً أخذ غفوات قصيرة على أرضية مكتبها قبل أن تواصل الكتابة من جديد.

بدأت دانييل ستيل العمل في كتابها الأول وهي في سن التاسعة عشرة، واستمرت منذ ذلك الحين في العمل بهذه الطريقة، التي لم تتغير تفاصيلها كثيراً خلال زيجتين خاضتهما، أثمرا عن تسعة أطفال، لأنها على ما يبدو من هواة "الأفورة" في الإنجاب والكتابة. تقول دانيل ستيل لمحاورتها إنها لا تكتب من أجل تحقيق نجاح مادي، برغم أن كتبها جعلتها غنية، وأن تحقيق النجاح لم يكن أبداً دافعها لمواصلة الكتابة، فكل ما يشغلها هو أن تواصل الكتابة لكي تحكي كل القصص التي تخطر على بالها، وتراها موجودة على الورق بدلاً من وجودها في رأسها، ولذلك لا تنوي أبداً أن تتوقف عن الكتابة، مثلما فعلت من قبلها الكاتبة الأشهر أجاثا كريستي والتي التقت بها داننيل ستيل حين كانت كريستي قد تجاوزت السبعين من العمر، فقالت لها أجاثا كريستي إنها تريد أن تموت وهي تعمل على آلتها الكاتبة، وهو ما تعلق عليه داننيل ستيل قائلة: "هذا ما أشعر به، أريد أن أستمر إلى الأبد وأنا أكتب".

ـ حالة شبيهة للقدرة الرهيبة على الإنجاز ستجدها لدى الموسيقار الشهير جون ويليامز الذي صنع موسيقى عدد من اشهر أفلام السينما، مثل "جوراسيك بارك ـ جوز ـ إي تي ـ شندلر ليست ـ سوبرمان ـ ستار وورز ـ هاري بوتر ـ إنديانا جونز ـ أميستاد ـ سليبرز ـ جودباي مستر تشيبس ـ فيدلر أون ذا روف ـ هوم ألون ـ جي إف كي ـ سيفينج برايفيت رايان"، وغيرها من الأفلام التي نال عنها 51 ترشيحاً لجائزة أوسكار أحسن موسيقى تصويرية، حصل منها على خمس جوائز أوسكار. جون ويليامز البالغ من العمر 87 عاماً، لا زال يخصص خمس ساعات يومياً للتأليف الموسيقي في مكتبه الذي يبعد خطوات عن مكتب صديقه المخرج الشهير ستيفن سبيلبيرج الذي يصف جون ويليامز بأنه من أهم المشاركين في صنع نجاحه وشهرته، وبالطبع لا ينكر جون ويليامز فضل سبيلبيرج عليه، حيث ساهم في تكريس نجاحه كمؤلف موسيقي، بعد أن قضى سنوات طويلة يعمل عازفاً للبيانو في ستديوهات هوليود، لتكون بداية عملهما معاً في فيلم "جوز" الذي اشتهر لدينا باسم "الفك المفترس"، والذي حقق نجاحاً أسطورياً عبر العالم لأسباب كثيرة من أهمها موسيقى جون التي لن تغادر ذهنك فور سماعك لها، ليقدمه سبيلبيرج بعدها إلى صديقه جورج لوكاس الذي تعاون معه في فيلمه الأشهر "ستار وورز" أو (حرب الكواكب) كما اشتهر لدينا، وهو الفيلم الذي يضع جون ويليامز الآن الموسيقيى التصويرية لجزئه التاسع، بعد 42 سنة من صنعه لموسيقى الفيلم الأول من السلسلة السينمائية الأشهر في تاريخ السينما، والذي كان جون ويليامز يعتقد حين رأى نسخة عمله بعد أن أنهاها جورج لوكاس أنه "فيلم أطفال سيكون محظوظا لو استمر ثلاث أسابيع في دور العرض"، فسبحان العاطي الوهاب.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.