الرجل الذي رأى حافظ الأسد في منامه (3-3)

الرجل الذي رأى حافظ الأسد في منامه (3-3)

28 يونيو 2019
+ الخط -

قال أبو الجود إنَّ زميلَه في السجن "أبو راس الدمخ" بعدما رأى حافييظ الأسد في منامه تَسَبَّبَ بنشاط محموم لسوق كتابة التقاريرْ في مدينة إدلب، وعلى إثر شيوع حكاية منامه بين الناس بدأتْ التقاريرُ المكتوبة بمختلف الخطوط العربية الجميلة تنهمر على فروع المخابرات المتوفرة في المدينة، وهناك تقارير ذهبت مباشرة إلى دمشق، بل إلى القصر الجمهوري نفسه، وكلها تتلخص في أن هذا المنام يسيء لمقام الرئاسة في الجمهورية العربية السورية، وللرفيق المناضل حافظ الأسد شخصياً، وللجبهة الوطنية التقدمية التي يرأسها هذا الرئيس المناضل.

قال أبو محمد مُبْدِيَاً أقصى درجات الاندهاش: والله العظيم غريبة. أنا سمعتْ القصة من أولْها لآخرْها وما لاحظتْ وجودْ إساءة لحافظ الأسد أو لغيره. كل ما في الأمرْ إنُّه "أبو راس الدمخ" مْتَقِّلْ بالعشا ونايم، وشاف حالُه في المنامْ عَمْ ياكل حُمُّصْ في مطعم أبو برهان، وإنه حافظ الأسد دخل ع المطعم بالصدفة، وهوي رَحَّبْ فيه، وضَيَّفُه صحن فول بطحينة.

قال أبو الجود: بصراحة يا عمي أبو محمد إنه "أبو راس الدمخ" لما ألقوا القبض عليه وأخدوه عَ فرع "العسكرية" كان مفكرْ يقولْ للمحققين نفسْ الكلامْ اللي عَمْ تقولُه إنته. بس على حسبْ ما حكى لي إنه المحققين بيتعاملوا مع المعتقلْ من طرفْ واحدْ، والطرف التاني هو العصاية.. يعني بعدما الواحدْ يخبطُه شي عشرين خبطة بيسأله المحققْ: إنته شفت حافظ الأسد بمنامك ولاك كر؟ وقبلما يجاوبه عن سؤالُه بيكون بلش يخبطُه عشرين عصاية تانيات، ولما بينتهي منها بيقله: ومين إنْتْ تَـ تْشُوفْ السيدْ الرئيس في منامك؟.. وبيضل بيسأل وبيضرب لحتى يغيب الزلمة عن الوعي، بوقتها بيتركُه، وبيجوا العساكر بيطالعوه من جوات الدولاب وبيخلوه يركض في أرض الفرعْ لحتى ما يحتبسْ الدم في رجليه.. وهدول العساكر كمان بيحبوا المعتقل من طرف واحد، والدليل إنهم طوالْ ما هو راكض بيناتهم بيحشكوا لُه على أمه وأخته ومرته وبنته، مع أن هدول السيدات المحترمات لا شافوا بنومهن حافييظ ولا شافوا حتى رفعتْ، ولا بيعرفوا، في الأساس، الفرقْ بين الأسد والكر..

قال كمال: يا سيد أبو الجود أنا شايف القصة تبعك فيها ثغرات. إنته قلت إنهم أخدوه في الأول بتهمة سياسية، وسَمّيْتُه (معتقل سياسي).. ولحد الآن القصة في الإطارْ الاجتماعي البحت.

قال أبو الجود: إنته ما سمعت القصة لآخرها يا أستاذ كمال. هني بعد ما خبطوه لـ "أبو راس الدمخ" خلالْ أربع دواليب شي أربعمية عصاية، وبعدما العساكر حشكوا لُه على النسوان اللي بيخصوه شي ألف مرة، أخدوه لعند رئيس الفرع وعيونُه مطمشة. رئيس الفرع صار يسألُه عن توجهاته السياسية، وعلاقته بتنظيم الإخوان المسلمين اللي نشأتُه مشبوهة وتاريخُه أسود، وارتباطُه بالصهيونية العالمية والماسونية وكراهيته للنظام الاشتراكي ومحبتُه للإمبريالية.. دَخَلْ في الموضوع الأساسي. 

ضحك أبو ابراهيم: دخل في الموضوع الأساسي؟ يعني الصهيونية والإمبريالية والإخوان المسلمين موضوعات ثانوية؟

قال أبو زاهر: لا لا، هاي الموضوعات مانها أساسية ولا حتى ثانوية. إنما هني ديباجة بيقولوها لكل المعتقلين. حتى في واحد من رفقاتي لما كنا في محكمة أمن الدولة سألوه عن مرتبته القيادية في تنظيم القاعدة وطالبان. على كل حال أنا آسف للمقاطعة، ويا ريت أبو الجود يكمل حكايته.

قال أبو الجود: الحقيقة إنه الجرائم الأساسية اللي كان "أبو راس الدمخ" مرتكبها من دون ما يدري هني أربعة. أول جريمة إنه لما حكى عن حافيييظ وكيف دخل عَ المطعم ما قال إنه كان معه مرافقة وحراس، وكأني السيد الرئيس داشر ما حدا مهتم فيه ولا حدا سائل عنه. هيك قال له رئيس فرع العسكرية.

قال أبو بدر: شغلة المرافقة تحصيل حاصلْ مو شرط يحكي عنها الزلمة.

قال أبو الجود: الجريمة التانية إنه "أبو راس الدمخ" لما حكى القصة لأصحابه قال إن خاطَبْ حافييظ بإسم "أبو سليمان"، والمفروض فيه يقول "أبو باسل"، وإصراره على اسم أبو سليمان دليل على كراهيته للرائد الركن المظلي باسيييل اللي كان بوقتا جاهز لاستلام الحكم مكان أبوه.. والجريمة التالتة إنه صاحب المنام خلى السيد الرئيس ياكل فول بطحينة عند أبو برهان وكأنه ما عنده في القصر الجمهوري مية ألف نوع من المأكولات الفاخرة.. وأما آخر جريمة فهي إنه "أبو راس الدمخ" دفع عن السيد الرئيس قيمة الفول بطحينة.. هاي التهمة خلتهم ينزلوه مرة تانية ع القبو، وحطوه في الدولاب وخبطوه شي مية عصاية وهني عم يقولوا له: ولاك كر، السيد الرئيس بيدفع عنك وعن اللي خلفوك يا كلب يا ابن الكلاب!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...