حصيلة مشاغبة طويلة مع المخرج "الشاب" يوسف شاهين (2)

حصيلة مشاغبة طويلة مع المخرج "الشاب" يوسف شاهين (2)

26 يونيو 2019
+ الخط -
عدت بالحديث مع الأستاذ يوسف شاهين من تأمل أفلامه القديمة، ورؤيته لتطور قدرته على كتابة السيناريو عبر السنين، إلى المزيد من النقاش عن فيلم (الآخر) أحدث أفلامه وقت اجراء الحوار، لأسأله لماذا قدم في الفيلم صورة أحادية للمتطرف الديني الانتهازي الذي يبيع مبادئه، وهي صورة ربما كانت منافية للواقع، خاصة والمتطرفون لديهم إصرار عجيب علي مبادئهم المتطرفة، مما يجعل صورة المتطرف في فيلمه غريبة عن الواقع؟

فاجأني أنه لم ينكر ذلك حين رد قائلاً:
صحيح ، بس أنا برضه في فيلم (المصير) عملت مسح لكل أنواع المتطرفين، لكن في (الآخر) قدمت صورة واحدة بس للمتطرف، عشان عندي دراما مختلفة، عملت إشارة سريعة لوجود متطرفين مختلفين، علشان ما اوقّفش سير الدراما اللي بتتكلم عن العولمة وتأثيرها علي الشباب، وقدمت أبسط نموذج لأمير ماعندوش غير خمسة أنفار حواليه وعنده طموح يوصل، وده موجود، ده نموذج من النماذج الهايفة الموجودة، دي بس الحتة اللي كنت عايزها إني أبين إنه في تواطؤ بين المتطرف والرأسمالية، وإنهم بيدوهم سلاح وبيتواصلوا من خلال الانترنت، كنت عايز أقول إن رأس المال ممكن يدعم التطرف لتحقيق مصلحة، ولازم هنا تقيِّم إزاي عالجت التطرف في كل أفلامي، في فيلم (الآخر) أنا مش باحكي حكاية المتطرف بشكل رئيسي، لإنه الشخص نِمرة سبعة عندي في الفيلم، الأهم عندي هو شخصية الشابين اللي بيحبوا بعض والعولمة هتعمل إيه في الحب، والرد على المنطق السائد دلوقتي اللي خلى الناس تقول إن الفلوس هي السعادة.

أسأله: طيب أستاذ يوسف بمناسبة الفلوس، بعيداً عن الإتهامات المتكررة لك بشكل سطحي إنك بتغازل فرنسا من أجل التمويل، أنا مش هافترض ده أبدا، ولكن هاتكلم عن قناعاتك الفكرية، كلنا فهمنا من الفيلم أنك ترفض هيمنة العولمة التي تديرها أمريكا، طيب، ماذا عن الهيمنة الفرنسية، بمعنى آخر خليني أنقل لك سؤال البعض: هل إنت عايزنا نكره أمريكا عشان نحب فرنسا؟

يرد بهدوء لم أتوقعه: شوف، أنا رأيي أن الغني الأمريكي أخوه الحقيقي الغني الفرنسي والغني المصري، وعشان كده بيسموها عولمة، وده اللي باحاول أنبه ليه، إني أشاور على مصيبة وخطورة العولمة التي تطبقها الحكومات المختلفة والمتخلفة، اللي بتطبق قوانين تفضل فيها الغني علي أصحاب الموهبة والخبرة، قاعدين يساعدوا الشركات الكبيرة وإحنا نتنيل على عيننا، انت للأسف عايش في بلد، أي تأثير مادي ييجي عليك وتقبله، هيبقى تنازل مرفوض ولو جه من أي حتة في الدنيا.


ـ يعني أنت ترفض الهيمنة سواء كانت من أمريكا أو من فرنسا؟

أرفضها، لو كانت من أي حتة في العالم. أنا لا أتنازل بسهولة وعندي طريقة إني أقدم شخصيات في أفلامي تقول لأ، هتلاقيها من أول فيلم (الأرض) لحد فيلم (الآخر)، مش هاسميها مدرسة، لكن دي طريقتي، تقول لأ ولو مُتّ، ممكن يتضحك عليّ خمسة، بس بعد ما أدرس الحكاية أفوق، بص في ناس بتستخبي وراء العولمة علشان كلنا نتخوزق وينضحك علينا، أنا عن نفسي مش طالب حاجة من الحياة غير إني أعمل فن، ومش عامل معادلة إن الفلوس هي السعادة، وشايف إن الفقر كمان مصيبة كبيرة ومش حشمة، لكن لازم تفضل واعي بكل ما هو حديث وجديد حولك. وتكون واعي إزاي بيتسلبطوا علي الناس زي ما احنا بنقول في اسكندرية، أنا قلت لوزير خارجية فرنسا في مؤتمر الفرانكفونية اللي حصل من شوية أيام عدِّت تعليقاً على اللي بيعملوه في صربيا: "إنتو داخلين في حرب وعمالين ترتجلوا يومياً في أخطائكم، حتى مش كاتبين سيناريو، ولو كاتبين تبقوا كاتبين غلط، عمالين تضربوا وتدشدشوا بلد بحالها، أنا ماعنديش كراهية للصرب، عندي كراهية للرجل السفاح ده بالذات، وإنتو بتقولوا عندكم قنابل شاطرة وذكية، طب ارموها عليه هو بس، ماتقوليش ما عرفتوش، إنتو عرفتوا تطلعوا الطيار بتاعكم من وسط صربيا، مش عارفين تضربوا راجل تسبب بقتل الآلاف، طب وإيه ذنب الشعب الصربي؟!

ـ رد عليك قال إيه يا أستاذ يوسف؟

قال لي لأ إحنا خلاص قربنا نخلص، رد رد تافه، وراح بنفسه نشر الكلام اللي دار بيننا في الجرايد الفرنسية، وإن يوسف شاهين قال علينا بنرتجل، هو اللي نشرها مش أنا كمان، عشان ماحدش يعني يقول إني جبت حاجة من عندي.

ـ أسأله: طيب قبل ما نسيب النقطة دي، عايز أعرف إزاي بتقابل الاتهامات اللي بتوجه لك دائما حول هيامك بفرنسا ومغازلتك للفرنسيين علي حساب انتمائك لمصر؟

يرد بانفعال: طب ما أنا باحب اليونان قوي، وباموت في إيطاليا، ولما رحت اليابان سخسخت من الإعجاب، لإني شفت فكرة مختلفة عن خيالنا اللي جايبينه من السينما للناس اللي حواجبها طالعه بره دايما، وشفت البنات هناك عندها جِلد خرافي، يتهيأ لك إنه شفاف، شوف صحيح البلد اللي باكلم لغتها اللي هي فرنسا باحبها، لكن ده مايخليننش أفرط في ذاتي، وعندي وفاء للناس اللي أنا عرفتها، بس وفاء أكتر للناس اللي أنا منها. طب ما أنا عندي أصدقاء يهود قالوا لي عشروميت مرة اروح إسرائيل، واحدة إسرائيلية ماسكة المكتبة السينمائية إسمها "لِيا" وصاحبتي جداً، وكنا في لجنة تحكيم مهمة في كان، مليون مرة قالت لي تعال نعمل تفاهم، قلت لها مش أنا وأنتي الأول، مش على مستوانا، الأراضي كلها ترجع الأول وبعدين نبقى نتكلم إذا كان في تطبيع ولا لأ، وده موقفي، هيفضل موقفي ومش هيتغير، واللي يقول حاجة يقولها.

ـ أقول مستزيداً: لكن البعض بيتهمك إنك غازلت فرنسا في فيلمك (الوداع بونابرت) وقدمت صورة مخففة لل..؟

يقاطعني بغضب: إزاي يعني، وداعا بونابرت ده من الأفلام اللي فيها وطنية شديدة جداً جداً، ومن الأفلام اللي اتحاربت في فرنسا، يبقي باغازلهم إزاي، وكان نفسهم يمنعوه لو قدروا، وضربوه ضرب في مهرجان كان نفسه، وعمدة كان قالت في تصريح ليها أنا مش حاروح أشوف فيلم ضد الجيش الفرنساوي، ولما تشوفه النهارده هتلاقيه ما بيشتمش في فرنسا صحيح، لكن مطلًع الانتفاضة المصرية ضد الفرنساويين بشكل ماحدش عمله، وبيقول إيه في الانتفاضة، بيقول: "مصر هتفضل غالية عليا"، لأ لازم اللي يقول كلام زي ده يروح يشوف الفيلم ويبقى صافي من جوه وهو بيتفرج ويكتب، لو انت مش صافي خلاص، ماهو في كام حمار بيكتب حاجات ياريتها على كيفه، عشان هو خَدّام السلطة وبيقولوا له اكتب، أنا ماحدش هيخليني خَدّام، أنا الحمد لله في مهنة حرة وانتمائي باين من أول شغلي لآخره ومش هابرر، واللي بيتهمني بالخيانة يقول لي في أنهي فيلم، أما بونابرت اللي يقول كده يروح يشوفه كويس.


قلت له: لكي نكمل مناقشة قائمة الإتهامات التي يتكرر توجيهها لك، هناك من يتهمك بأنك تتعاطف مع الشواذ جنسياً في كل أفلامك؟ (اخترت التزاما بأمانة النقل أن أستخدم الآن نص التعبير الذي استخدمته في اجراء الحوار وقتها والذي استخدمه الأستاذ يوسف في رده أيضا، دون أن أقوم بتغييره إلى تعبير المثليين جنسياً الذي أصبحت أُفَضِّل أن أستخدمه منذ عدة سنوات).

يرد شاهين محاولاً استجماع أفكاره : أولاً أنا أتعاطف مع كل الأحاسيس الإنسانية الموجودة في البشر. وبعدين عايز أعرف أنا باتعاطف مع الشذوذ إزاي يعني؟، اديني مثال.

ـ يعني مثلاً في (اسكندرية ليه) بيعتبر بعض النقاد إنك قدمت العلاقة الشاذة بين الجندي المحتل والشاب المصري بشكل فيه تعاطف أكثر من اللازم؟.

يرد منفعلاً: لا، دي حدوتة حقيقية، ومش شايف أصلاً إن هنا في تعاطف مع الشواذ زي ما بيقولوا، اللي بيقول كده بيلخبط بين الصداقة والشذوذ.

ـ برضه في مشاهد في فيلم (اسكندرية كمان وكمان) كتب أكثر من ناقد أنها تعبير عن علاقة شاذة بين التلميذ وأستاذه؟

يرد ضاحكاً: لا، اللي كتب كده يبقي بيتكلم عن نفسه، أصل الحكاية دي قابلتني حتى مع بعض نُقّاد بره، ساعات بيبقى عايز يقول حاجات ومش عارف يقولها فيلبِّسها فيك، ده في ناقد كبير هنا شاف مشهد في فيلم الآخر، اللي فيه الواد المهندس الصغير بيغيظ أستاذه المهندس الكبير في الرقص، وبيقول له "قوم أرقص لو جدع" فكتب إن دي علاقة شاذة، فأنا بقى باتهمه إنه بيعمل إسقاط وإن عنده كبت ـ يضحك ـ يمكن عنده عقدة نفسية، عايز ينام مع ابنه ومش قادر.

كان جو الحوار قد تكهرب، فقررت نقله إلى مساحة مختلفة ومهمة، لأسأل شاهين عن علاقته بالممثلين قائلاً: في تجاربك مع الممثلين يا أستاذ يوسف، كنت تحرص دائماً على اكتشاف الوجوه الجديدة من أول عمر الشريف وسيف الدين ومحسن محي الدين وعمرو عبد الجليل لغاية خالد النبوي وهانى سلامة ، فى نفس الوقت كنت بتحرص على تواجد النجوم الكبار فى أفلامك ، وعلى حد علمي مثلا قال لي النجم عادل إمام إنك عرضت كل سيناريوهاتك الأخيرة عليه؟

لم ينتظر أن أكمل سؤالي ليقول:
أنا بادوّر على الموهبة دايماً، مادام هناك موهبة وصدق فى الأداء يبقى خلاص، أنا كنت بأعرض أفلامي على عادل إمام لإنى بأحس إنه بني آدم موهوب بشكل هستيري وعنده عقل، لكن أنا عندي خوف عليه إنه يزوِّد النمطية فأزهق منه كمتفرج، خاصة إن فى ناس فشلت في التحكم فى نفسها وأداءها، مدام فاتن حمامة مثلاً، شوف بدأت وعندها كام سنة ولغاية دلوقت بتمثل وتعرف إنها مش هاتعمل الدور إلا لما يناسب سنها، هتقول إيه بقى مثلاً على الاستاذة أمينة رزق العظيمة اللى عملت حاجات عجيبة لما تشوفها تقول يا سلام عليها، شوف لا يمكن حد عنده موهبة يترمي الا إذا هو رمى موهبته بنفسه، يعني بقى يسكر أكثر من اللزوم أو دخل فى المخدرات أو دخل فى الصنعة أكثر من اللزوم، لإن ده ممكن يدمر الفنان، أهم شيئ فى الفنان إنه يكون شفاف عشان يوصل الحدوتة كويس للي بيتفرج.


ـ أقول مستطرداً: إنت دايماً بتعتبر التمثيل أهم اداة لديك كمخرج، وبيساعدك على ده انك تفهم فى التمثيل لانك مثلت وبامتياز.

يقاطعني ضاحكاً: واللى يقول غير كده يشوف "باب الحديد".

فأرد موافقاً: لا ما فيش كلام في دي طبعا، وعشان كده عايز أسألك عن تصريح كنت قريته ليك إنك بتعتبر محمود المليجي أعظم ممثل في تاريخ السينما.

يقاطعني قائلا: لا، أنا عمرى ما اقول كلمة "أعظم"، ممكن أقول إنه عمل أعظم دور فى السنة الفلانية، في ممثلين كتير اشتغلت معاهم ممتازين، على راسهم محمود المليجى، أقدر أحدد اسمه عشان رحل من بيننا، ومش هاقدر أحدد أسماء غيره، لإن تقريبا كل الأسماء اللي موجودة دلوقتي اشتغلت معايا، كل جيل يفرز مواهبه، ومصر غنية بالمواهب، وعشان كده بأزعل لما يقولوا مصر ناصر أو مصر مبارك (يضحك)، مصر هى مصر، خليها بتاعة المصريين كلهم.

ـ هل افتقدت ممثلاً موهوباً مثل محسن محيى الدين؟

يجيب بحماس: دون شك... زعلت عليه زعل محصلش.

ـ طيب لماذا انفصل عنك فجأة؟

يجيب وقد التمعت عيناه: ما اعرفش، لكن اللي حصل كان صعب جداً، محسن كان قُريّب مني جداً، كان جزء مني وأكتر من ابني، خصوصاً إنه مثِّل دوري كمان، يمكن أنا ضغطت عليه، لكن ما تقدرش تعرف إيه اللي جوه نفسيته، يمكن طبيعة شخصيته وصّلته إلى اختيار إنه يسيب الفن، كل اللي أقدر أقوله إن ربنا يسعده باللي هو اختاره، لكن أنا شخصيا زعلت جدا، وكان اللي حصل صعب جدا، لإنه كان زي فراق خطير بينك وبين عيلتك، خاصة إنه لما يكون ممثل بالنسبة لك زي ابنك أو حبيبك أو المثل الأعلى بتاعك، وفجأة تلاقيه يسيبك، المفاجأة كانت شديدة قوى عليا، لكن بعد كده هو حر فى المهنة اللي هو عايزها.

ـ أقول لكي أغير "مود" الحوار: مهتم بسؤالك عن علاقتك كمخرج بمحمود المليجى، إزاي كنت بتوجه هذا الممثل العملاق الذى كانوا يقولون إنه غير مثقف أو غير دارس؟

يضحك ثم يجيب: ما أعرفش بصراحة، لما كنت بأفتقد أنا وهو التعبير باللغة والكلمة الدقيقة، كانت العيون وسيلة اتصال، أقوى من أي شيئ فى العالم، انت كممثل لازم تحط نفسك جوه الحالة النفسية للشخصية في الثانية اللي هاصورك فيها، المليجي كان بيفهم على طول من عينيا الحالة اللي كنت عايزه يكون فيها، ما كنتش مضطر إني أقول له اديني من جوه والكلام الفارغ اللي بيتقال، كنا نبص لبعض كده يروح فاهم اللى انا عايزه، كان محترف بشكل مش معقول، فى المشهد الشهير بتاع فيلم الأرض اللى بيقول فيه: "كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة"، المشهد كان طويل وخطير وسرق عينين كل اللي في الاستديو، أول ما خلص المشهد، كل اللي موجودين صفقوا بحرارة، أنا كنت مبوِّز ـ متجهم ـ ليه؟، لإنه في جزئية من الحوار، وهو بيمثل نسي بعض الجُمل منها، لكن بمهارته وحرفنته ما ظهرش إنه نسي، برغم إنه كان بيحاول يفتكر في سره بقيه الحوار، أنا حسِّيت بده، وما عجبنيش، لإن دي ثغرة مهما حاول يغطيها،بعد ما خلص قلت له: "كويس بس معلهش كمان مرة"، قام قال ـ يقلد شاهين صوت المليجي وطريقته ـ "وماله، أصلها ما بانتش والناس ماخدتش بالها"، قلت له: "أصلهم احمِرة" ـ حمير ـ قال لي: "بس دول صفّقوا"، قلت له: "احمِرة كمان مرة علشان صفّقوا.. يالله عيد"، وبالفعل أعدنا المشهد 17 مرة كاملة، برغم إن المليجي من كبار الممثلين لغاية ما وصلنا للي انت شفته في الفيلم، ويمكن موقف زي ده يثبت إن اللي يوصل إلى القمة مش بس بموهبته، ولازم يكون ده كمان بفضل جُهده.

ـ بمناسبة فيلم (الأرض) ممكن نتكلم عن تجربتك مع الفنان الراحل حسن فؤاد كاتب سيناريو الفيلم؟

تلمع عيناه ويقول بحماس: الله...الله أكبر، ده حتة بني آدم، عمري ما شفت حد بخفة دمه وعبقريته السياسية، كان من الأساتذة الكبار اللي اشتغلت معاهم، وتكلمنا جامد فى السياسة، وعلِّمني حاجات كتير جدا، وكان ممارس للسياسة وتقدمي لكنه كان إنسان برضه، كان فظيع واللى بيقوله ينفذه، مش زي ناس تلاقيه بيقول كلام، وتلاقيه يعيش بشكل مختلف تماماً، أو تلاقيه مع ناس ما تعرفش هو قاعد معاها ليه أو عايز منها إيه، حسن فؤاد كان شفّاف شفّاف، وكل كلمة بيقولها زى السكر، كان شاعر فى الحياة، حياته شاعرية، طريقة حبه لأصدقاؤه، طريقة الشغل معايا، حتى نرفزته معايا كانت جميلة، يقول لى "إيه... انت بتصحى الساعة اربعة الصبح وبتكتب قايمة التعذيب وحاططنى على رأس القايمة. حطنى فى الوسط ياأخى ـ يضحك شاهين من قلبه ـ

ـ كان ليه شعار جميل سمعته من الأستاذ صلاح السعدني اللي تتلمذ على إيديه، وبيقول إن حسن فؤاد كان بيردده كنصيحة لكل اللي بيحبهم: "احترس من المعذبين"؟

(يضحك شاهين بشدة) ما هو أنا كمان كنت باعذبه، نكون بنشتغل لغاية الساعة اربعة الصبح، ويلاقينى باخبط على بابه الساعة ثمانية الصبح، اقول له يالله كفاية 4 ساعات نوم، أصل ظروف السينما صعبة، وفِضِلت على علاقة صداقة معاه، هو وعبد الرحمن الشرقاوي لغاية ما اتوفوا الله يرحمهم.

ـ ذكرياتك مع صلاح جاهين كانت برضه عريضة وممتعة؟

(يصيح بحماس شديد): يا لهوي، يا سلام على صلاح جاهين، تفكيره كان متقدم جدا، وكان بيحس بأبسط احساس موجود داخل البني آدم، كنت أستفيد من آراؤه دايما، كان مبدعا حقيقيا، حاجات كثيرة فى "عودة الابن الضال" مش اللي أنا عملتها، كنت أقول له الفكرة وانا باتهته كمان، يقول لى طيب اسكت، وبعد دقيقتين يقول أفكار جميلة، ويترجم أفكار ذهنية مرتبكة إلى صورة جميلة.

ـ برضه لازم أفتكر كاتب ومبدع آخر زي عبد الرحمن الخميسى، لما قمت بتوجيهه كممثل كانت نتيجته رائعة؟

صحيح، بس كنا بنتخانق كتير ـ يضحك ـ أولاً كان بينسى الحوار كتير، ده حتى كان بينسى ساعات أسماء أولاده، هو كان عبقري دون شك، لكن أخلاقنا وطباعنا كانت مختلفة شوية، ومرة واحنا فى الدوبلاج قال لي: "الدوبلاج ده مضايقنى أنا ماشي"، قلت له: " لأ مش هتمشي"، قال لي: "هاخد عربيتي وأمشي"، ركب عربيته وركبت عربيتي، ووقفت قدامه وكنت ناوي أدشدش له عربيته، قعد يزعق "إنت عايز تموتني أنا هاجيب لك البوليس"، وبعدين هدي ودخل يعمل الدوبلاج، واحنا بنضحك ونحب بعض، كان رجل مخه كبير جداً، بس كان عنيد جداً الله يرحمه.

....

نكمل غداً بإذن الله
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.