الشيخ أمين الحرامي

الشيخ أمين الحرامي

25 يونيو 2019
+ الخط -
الشيخ أمين رجل يعرف ربنا، يصلي الفرض بفرضه، لا تفارق المِسبحة يده، يلهج لسانه بالذكر أطراف النهار؛ فإذا أقبل الليل فشكل تاني، سحنة تانية وجو تاني، وأهو ساعة لقلبك وساعة لربك.

في نهاره يُطل عليك وجه العز بن عبد السلام، وفي الليل ينسلخ عن وقار الشيوخ وينقلب إلى عالم أبناء الحظ والفرفشة، تكاد تلمح بين منكبيه خفة صاحب الأغاني، وإدمان أبي نواس والخليع البغدادي ومطيع بن إياس ووالبة بن الحباب وغيرهم من شلة الأنس.

يظل أونكل أمين يتقلب بين ما لذّ وطاب، إلى أن تهب أنسام الفجر الطاهرة، ليصانع الناس بالوجه الذي يطمئنون إليه، ويظل يخبط خبط عشواء حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا؛ فيغلب وقاره طيشه أو أن يتردى في ضلالاته، وقد يُفتضح على رؤوس الأشهاد، وفي بطون الصحف وعلى مواقع التواصل، ونسأل الله السلامة.

لو كانت الميه تروب، كان الشيخ أمين الحرامي يتوب! وعلى طريقة النحويين من البصريين والكوفيين فإن لو حرف امتناع لامتناع؛ فالمياه لن تروب والشيخ الحرامي لن يتوب! ليس قانونًا لكن هذه الفئة تجبذها الشهوات وتجذبها كمغناطيس، وتمثل كل من يعيش في عالمين لا جسر بينهما ولا رابط، ويزري أحدهم على نفسه بما يصنع وإن لم يبصر، بقطع النظر عن دينه أو تنظيره، وبعيدًا عن تنميقه كلامه أو تقعيره؛ فيخدع الناس ويرتدي غير ثوب حقيقته.


الشيخ أمين الحرامي متعدد الشخصيات، تراه في غير مكان، ربما تجده يحفِّظ الصبية كتاب الله صباحًا، ثم يحرِّضهم على سرقة المصاحف من بعض الكتاتيب المنافسة له في القرية أو الحي؛ فيجمع الصبية بين النقيضين مبكرًا! يوم أرادت والدة أستاذنا أنيس منصور أن تعنِّفه وتؤنِّبه، اكتفت بالتلويح بمبدأ الشيخ أمين الحرامي، وقالت لابنها غاضبة: "عاوز تبقى زي ابن خالتك! ده يرضيك يعني؟".

وابن خالته هذا يحفظ الصغار كتاب الله، ولا يتورع أن يأمرهم بسرقة المصاحف، وربما تشاهد الشيخ أمين الحرامي في الهرم، يفتتح مصحة لعلاج الإدمان، ويفتح النار على الإدمان والمدمنين، ويحاربهم عيانًا بيانًا والناس تشد على يديه؛ فإذا ضرب الليل خيمته، أغلق الشيخ الحرامي أبواب شقته، وشد على يد نفسه وضرب الجرعة المخدرة، أو حقن نفسه بها لينتشي بعيدًا عن العيون.

ويظل الشيخ الحرامي يضرب ويشد، فإذا ذهب الليل وطلع الفجر والعصفور صوصو، أعاد الكرَّة وهكذا دواليك، إلى أن يقضي عليه جرعة زائدة وتتعفن جثته، أو يظل متحرزًا ويموت بعد مدة بعدما أكل المخدر عقله وأعصابه وسائر جسده.

والشيخ أمين الحرامي تراه على منابر السياسة والإعلام، يهرف بما لا يعرف، ويتكلم فيجمع ما بين الأروى والنعام، ويدخل كل متناقضين دخول الجمل في سم الخياط، يدخل في نوبات حادة بل مزمنة من التطبيل، ويحلف بأيمان الأرض أن الملك سلمان قرأ 120 ألف كتاب، ويدافع عن اليهود دفاع إبراهيم الهلباوي عن الإنجليز بعد مذبحة دنشواي، أو دفاع عبد الحميد الحكيم عن نتنياهو وتل أبيب!

لسخرية القدر فإن الله يهتك سترهم، ويكشف للعالمين عوارهم، ويحتفظ لأهله وأوليائه من المخلصين كرامتهم ويرفع في أعين الناس قدرهم. يدرك الرجل الحق أنه رائد وقائد، "وإن الرائد لا يكذبُ أهلَهُ" كما وردنا عن الصادق المصدوق، ولن يعدم الشيخ أمين الحرامي من يكشف عواره، ووقتها لن يفيده الندم؛ فلم يأخذ للأمر نُبْله ولم يتب عما اقترفه.

أمين يخون وشيخ يسرق، مفارقة ليست خيالية وتمت للواقع بأكثر من صلة، وليس بالضرورة أن يكون رجل دين، فربما يكون رجل علم، ينسب نفسه لأهل الفكر والبحث والاجتهاد، ومع ذلك يسطو على أعمال الآخرين ونتاجات قرائحهم وأقلامهم، ويتقاضى الشيء الكثير عن فهلوته وبهلوانيته، بينما المبدع الحقيقي لا يجد ما يسد رمقه. يقيض الله من يتعقب هذا الأمين الحرامي!

وهاك مثال على ذلك؛ فقد أدمن السيد نبيل سليم، وقبل أن نمضي في التفاصيل، اسمح لنا أن نلتقط أنفاسنا وأن نتمعن قليلًا في الاسم؛ فالنَّبيل في اللغة من النُبْل وهو سمو الأخلاق والشرف، والجمع نبلاء وهم السادة والأشراف، ولا يسود المرء إلا بحسن خلقه وترفعه عن الدنايا والصغائر، والسليم ما خلا من العيب والنقص، والرجل سليم الذوق والسلوك أي حسنه وكريمه.

وإذا كان لكلٍ من اسمه نصيب؛ فإن لهذه القاعدة استثناءات، ومن بينها صاحبنا نبيل سليم، وقد وطَّن نفسه على سرقة مقالات الآخرين، وتغيير عناوينها ونسبتها إلى نفسه. لم يتوقع أن يبتليه الله بالدكتور فوزي عبد القادر الفيشاوي، مدرس علوم وتكنولوجيا الأغذية المساعد، بكلية الزراعة جامعة سوهاج؛ لينشر ملحه وينسف ادعاءاته التي زادت عن حدها.

أرسل بعضهم لمجله الهلال يطلب منها تصحيح اسم صاحب بعض مقالاتها، واتهم نبيل سليم بسرقة مجهوده، وأنكر سليم الأمر بكليته، وزعم أنه المؤلف الأصلي للمقال، وانشقت الأرض عن الدكتور الفشاوي ليرمي بقنبلةٍ مدوية، لم يضعها سليم في حساباته، وقد أقنع نفسه أن الأمر يسير، وأنه يسرق دون خجل أو محاسبة.

كتب الفيشاوي لمجلة الهلال في عدد يونيو 1990 ردًا مطولًا على نبيل سليم، وفيه أنه سرق مقال (طه حسين كما عرفته) للدكتور محمد الدسوقي، والمنشور في صحيفة الأسبوع الثقافية الليبية عام 1975؛ فغيّر عنوانه إلى (طه حسين الإنسان والشاعر)، ونشره في مجلة الدوحة عدد ديسمبر/كانون الأول 1984، وقد أرسل الدسوقي لمجلة الدوحة صورة زنكوغرافية من مقاله الأصلي، ونشرت المجلة الصورة في عدد فبراير/شباط 1985.

لم يكتفِ سليم بذلك، بل سطا على مقال (إن لجلدك عليك حق) المنشور في العدد 163 من مجلة طبيبك -والتي يترأسها الدكتور صبري القباني- بتاريخ مارس/آذار 1970، وعدَّل عنوانه إلى (جلدك هو كنزك) وأرسله إلى مجلة العربي، ونُشر باسمه في العدد 331 بتاريخ يونيو/حزيران 1986.

توقفت مجلة العربي عن نشر مقالات السيد سليم، ولم يتورع عن متابعة مشواره؛ فنقل مقال الكاتبة بيدار مدكور المنشور في مجلة الشباب وعلوم المستقبل، تحت عنوان (مادة من البنسيلين لا تسبب الحساسية)؛ فبدّل عنوان المقال إلى (علاج جديد يمنع الإصابة بالحساسية)، ونشره في عدد أغسطس/آب 1984 بمجلة بلسم، وكرر الأمر نفسه مراتٍ ومرات في مجلات أخرى منها الهلال والوعي الإسلامي، حتى فضحه الدكتور الفيشاوي.

وكتبت الهلال في زاوية "أنت والهلال" ردًا قاسيًا وموجعًا، جاء فيه: "يرى السيد نبيل سليم أن حق التأليف يتحقق فقط في الفنون الإبداعية كما جاء في الموسوعة العربية الميسرة، وهو يرى أن الموسوعة العربية تفتح له طريق الاستيلاء على ثمرات جهود الآخرين، ووضع اسمه عليها، وقبض الأجر بالعملة الصعبة عند نشرها! ونحن ندعوه مرةً أخرى إلى التوبة عن السطو على ثمرات أقلام الآخرين".

النبيل لا يتعمد السرقة الأدبية، والسليم يرفع ذيله عن الرجس وأوساخ الطريق، ولا يستسهل السطو وأكل ما لا يحل له، والأمين يترك بعض الحلال إن ظن فيه شبهة، فما بالك بكف يده عن الحرام، ولكن بعضهم يجمع بين نقيضين؛ فهو الأمين الحرامي والنبيل الوضيع، وأمسى حاميها حراميها!