محمد مرسي... من وهم الرحيل إلى حقيقة البقاء

محمد مرسي... من وهم الرحيل إلى حقيقة البقاء

20 يونيو 2019
+ الخط -
بعد أكثر من سته أعوام قضاها فى غياهب السجون، تم الإفراج عن الدكتور محمد مرسي، الرئيس الشرعي لمصر، وذلك فى يوم الاثنين السابع عشر من يونيو/حزيران 2019، حيث غادر إلى غير عودة سجوناً ملؤها الظلم والتنكيل والانتقام من جانب ساجنيه، مقابل الشجاعة والجلد والتمسك بالقيم والمبادئ من جانبه هو.

ولم يكن هذا الإفراج بقرار من قضاته الذين ارتضوا أن يتحولوا من سمو ورفعة القضاء إلى مذلة التبعية للعسكر، بل كان أمراً إلهيا من قاضي الأرض والسماء، الذي اختاره إلى جواره فأخرجه من سجون واضطهاد قوم ظالمين، إلى رحابة الحق والعدل وقدسية الأحكام والميزان. وكان في وفاته سبيلا للخروج وللنجاة.

وعلى حين قدمت السلطات في مصر رواية من جانب واحد أعدت فى ضوء تعتيم فرضته، إلا أن ملايين الأحرار من المصريين و العرب والأجانب، والنشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومنظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية، كل هؤلاء لم يصدقوا تلك الرواية بل طالبوا بتحقيق دولي مستقل يكشف حقيقة ما حدث. ولم يأت رد الفعل هذا من فراغ، بل تأسس على مكانة وأهمية الدكتور محمد مرسي لأسباب قيمية وموضوعية أكثر من كونها شخصية.


فلم يكن مرسي مجرد رئيس حكم مصر، وإنما هو الرئيس المدني المنتخب الأول في تاريخ مصر، وهو رمز لإرادة شعبية مثلتها ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وهو تجسيد لحرية الشعب فى الاختيار وتقرير المصير، وهو أيقونة تجربة ديمقراطية شهدتها مصر قبل أن يقضي عليها مرحليا الانقلاب العسكري في 2013.

فبعد ثورة يناير المجيدة التى كسر فيها المصريون حاجز الخوف وتحدوا الظلم والقهر والبطش، ونجحوا فى إزالة مبارك بعد ثلاثين عاما في الحكم، أجريت في مصر عدة استحقاقات انتخابية شهد المصريون والعالم كله بنزاهتها ومصداقيتها. وكان أبرزها الانتخابات الرئاسية 2012 التي أتت بمرسي رئيسا للبلاد. واستمد هو منها شرعية حكمه التي ظل متمسكا بها وضحى من أجلها بحياته.

فرغم كل الانتهاكات الحقوقية والإنسانية والأخلاقية، وكذلك المعاناة النفسية والطبية، إلا أن مرسي كان مدركا لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه والتزاماته تجاه شعبه كرئيس شرعي منتخب. وكان مرسي قد وعد المصريين بالتمسك بثورة يناير 2011 وشرعيتها وما حققته من إنجازات على طريق الحرية والديمقراطية، حتى لو كلفه ذلك التضحية بحياته. لقد وعد الرجل وأوفى بوعده رغم كل المعاناة والإغراءات التي لم تنقطع لتنازله عن تلك الشرعية والاعتراف بنظام حكم الانقلاب العسكري.

وإن كان نظام الانقلاب العسكري لم يعامل مرسي كرئيس شرعي للبلاد حيا أو ميتا، وإن كان قد منع إقامة صلاة الجنازة عليه والعزاء فيه في مصر، إلا أن ملايين من الأحرار والمنصفين وذوي الضمائر الإنسانية الحية قد أدوا صلاة الغائب عليه فى دول وعواصم متعددة.

وتصدر اسم مرسي وصورته وقصته وسائل الإعلام الحرة عربيا وعالميا. كما دشن نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي وسوما تحمل اسم مرسي مقرونا باتهامات لنظام الانقلاب العسكري الحاكم في مصر بقتل مرسي عمدا بالإهمال الطبي. كما طالبت منظمات حقوقية ونشطاء وجماهير بتحقيق دولي مستقل في وفاة مرسي لبيان حقيقتها.

وإن كان رحيل مرسي قد بات حقيقة نحياها، إلا أن المستقبل سيثبت أنه تخطى هذا الرحيل إلى البقاء خالدا في ذاكرة الأحرار وذوي الضمير، وفي تاريخ مصر والإنسانية كلها كرمز لنضال الشعوب من أجل الحرية، وكتجسيد لقيم الديمقراطية والعدل والثورة ضد الطغيان، وكمثال لتحمل المسؤولية والتضحية من أجل القيم و المبادئ، وبالمثل كنموذج لفساد وإجرام العسكر وفجورهم في الخصومة.

ولسوف يأتي اليوم الذي يكتب فيه تاريخ مصر بموضوعية وحيادية، ويوثق أن ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت ثورة مجيدة بدوافع وأهداف وآليات نبيلة ومشروعة. ويؤكد أن أحداث الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 لم تكن إلا مبررا مفتعلا لانقلاب الثالث من يوليو 2013، وأن هذا الانقلاب العسكري لم يكن فقط على رئيس منتخب بل على إرادة الغالبية من الشعب، وعلى تجربة ديمقراطية بأسرها.

ولسوف يأتي يوم يحيا فيه المصريون بحرية وكرامة في ظل دولة مدنية متكاملة الأركان. ولكن كل ذلك مرهون بثورة ثانية تحمل روح ثورة يناير 2011، وتتجنب أخطاءها، وتطبق عمليا الدروس المستفادة منها، وتنهي حكم العسكر إلى الأبد.