حادث سير بسبب حلوى "المشبك"

حادث سير بسبب حلوى "المشبك"

20 يونيو 2019
+ الخط -
مرة أخرى.. عاد الحديث، في جلسة الإمتاع والمؤانسة، إلى سوء الطالع والنحس والإفلاس. قال أبو الجود إنه حينما دخل السجن في إدلب قبل ثلاثين سنة، سمع من أحد المساجين القدامى حكمة تقول: المُفْلِسُون لا يُحْبَسُون، ودار السكن لا تُباع.

قال الأستاذ كمال الذي يحب أن يتصيد الحكايات من "أبو الجود" ويصوغها بأسلوبه الخاص وينشرها في الصحف، ثم يجمعها في كتب أدبية: طول بالك خاي أبو الجود. كيف يعني (المُفْلِسُون لا يُحْبَسُون)؟ إنته مو مفلس؟ كيف حبسوك؟

ضحك أبو الجود وقال: لا تصدقْ حكي العواذل يا أستاذ كمال. الله وكيلك نسبة 99 بالمية فاصلة 99 من المساجين مفاليس ومناحيس، متلي وأكتر. بالعكس يا شباب، المناحيس بيتعرضوا للحبس أكتر من أي حدا تاني. أنا مثلاً ليش دخلت الحبس؟

قال أبو جهاد: أكيد كان عليك ديون، ومانك قادر توفيها لأصحابها، فاشتكوا عليك وجرجروك ع المحاكم، ولما القاضي شاف وجهك الذي ما فيه (ربي يَسِّرْ) قرر يبعتك عَ الحبس "سكارسا".


قال أبو الجود: مو صحيح كلامك. أصلاً أنا كنت أقترض من الناس مبالغ زغيرة، وهاي المبالغ ما بتخلي الواحد يدخل الحبس حتى لو تْقَصَّدْ يماطلْ بالدفع. بتعرف ليش؟ لأنو صاحب الدِيْنْأو السلفة إذا بدُّه يوكّلْ محامي ويدفع حق الإضبارة والطوابع والرشاوي لكاتب المحكمة والشرطة المكلفين بالتبليغ بيدفع أكتر من المبلغ اللي أنا مقترضُهْ منُّه.. على كل حال أنا ما راح أخليكم تتكهنوا بالسبب اللي انحبست منشانُه.. أنا انحبست بسبب ابني محمود.

قال أبو محمد: أيش بُه ابنك؟ اشتكى عليك؟

قال أبو الجود: لا والله يا أبو محمد، محمود بوقتها ضربتُه السيارة.
قال أبو محمد: بالله عليك لا تحكي كلام ما بينفهم. إذا إبنك ضربتُه السيارة، أنت أيش ذنبك حتى يحبسوك؟

قال: راح أحكي لكم القصة. أنا ومحمود كنا رايحين من ضيعتنا لإدلب، وهوي طول الطريق عم يلح علي وبيقلي: يا أبي أنا مشتهي عَ المْشَبَّكْ. وأنا عم قلُّه يا إبني حلمك عليّ، خليني إحسب الميزانية تبعي، إذا كانت بتتحمل بشتري لك مشبك، وإذا لقيتْ إنها ما بتتحمل بدلَّكْ ع طريقة بتحسنْ تاكل فيها مشبك من دون ما ندفع مصاري..

قال أبو جهاد: يعني سرقة؟

قال أبو الجود: لا والله مو سرقة. بس هيك أنا قلتله لمحمود حتى يشيلْ فكرة شراء المشبك من بالُه.. ولما وصلنا لعند بياع المشبك ما عاد يحسن يتمالك نفسه، قَطَعْ الشارع للطرف التاني، وقبلما يوصل كانت سيارة مسرعة جاية من الغرب، فضربتُه. لاكن الحمد لله كانت إصابتُه خفيفة.

قال الأستاذ كمال: خفيفة ولا قوية، لازم سائق السيارة هوي اللي ينحبس مو إنته..
قال أبو الجود: صح. منشان هيك لما أجوا الشرطة سألوني إذا بحب إشتكي عليه أو لأ، قلت لهم: طبعاً بدي إشتكي عليه. وقلت لحالي إنه هادا سائق السيارة لابس طقم وفوقُه "كرافة"، يعني المصاري معه متل الرز، وبكرة مناخد عليه حكم ومنخليه يدفع لنا غرامة، ومن هالغرامة منطعميه مشبك لمحمود، ومنجيب لأم الجود كمان قرص مشبك، عسى أنها تحنّ علي وتبطلْ تبهدلني وأنا داخل وأنا طالع. المهم اشتكيت عليه. سألوني: بدك توكل محامي؟ قلت لهم: طبعاً. وأنا بوقتها ما كنت بعرف أن المحامي بياخد مصاري!

قال أبو جهاد: طبعاً بياخد مصاري. لكان بده يتوكل لك صَدَقَة عن روح والدُه؟

قال أبو الجود: وأنا متل العادة ما معي مصاري.

قلت له: أخي، توكل لي وحط المصاريف منك، ولما منربح الدعوى على أبو الطقم والكرافة بعطيك نص المبلغ. وبلا طول سيرة، رضي يتوكل لي. وطبعاً خسرنا الدعوى، لإنو متلما بتعرفوا المنحوس ما بيربح شي، ولا حتى الدعاوي القضائية. والسبب التاني للخسارة إنو السائق أبو الطقم والكرافة وكل محامين كبار.. وحطو الحق على إبني لأنُّه بوقت الحادثة كان مارق متل السهم باتجاه بياع المشبك.

قال أبو محمد: خسرت الدعوى ما اختلفنا. بس ليش حبسوك؟

قال: لأنو المحامي تبعي رفع علي دعوى، وأخد علي حكم بأني أدفع له خمسمية ليرة سورية. قلت له للقاضي بوقتها: ما معي أدفع.

قال لي: ما هي مشكلة يا إبني بتنحبس مقابل المصاري. كل عشر ليرات بتنحبس نهار.
قلت له: أنا جاهز.

ولما قال لي السجين إنه المُفْلِسُون لا يُحْبَسُون، ودار السكن لا تُباع. قلت له صَحِّح معلوماتك: المفلس يحبس. وبالنسبة للدار أنا ما عندي دار. لو عندي دار كانوا باعوها أو صادروها. منحوس.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...