العضلات ومنطق القوة!

العضلات ومنطق القوة!

11 يونيو 2019
+ الخط -
الرجولة، بمعناها السامي، مسؤولية.. وليست بفتل العضلات وكبر حجمها يمكن أن نسمح لأنفسنا بالاعتداء على الآخرين، وأن نحقق هدفنا بالوصول إلى ما نريد، بعيداً عن أي مسعى أخلاقي أو الوصول إلى حل خجول يُطفئ شرارة النبرة الحادة التي تؤجج المعضلة، وتترك الحلول مركونة على الرفّ.

مسؤولية الرجل أن يعرف متى وكيف وأين يمكن أن يوجّه نظرته نحو الأشياء، ورغبته في الانتقام، أو في توجيه فرد ما؟

ولنكن أكثر روية في اختيار عنصر المواجهة، والتعدّي على الغير، وبصورةٍ خاصة، على الأنثى باعتبارها "ضلعا قاصرا"، كما يقال، ويعترف به الكثيرون من محبّي المرأة ومناهضيها.
مسؤولية الرجل الواعي المتفهم للحياة أن يواجه المشكلة بالنظر إلى الواقع، لا أن يواجه ذلك بالعنف والصدام الذي نهايته ستنعكس سلباً على من يواجه المشكلة. التروّي، والهدوء والتعامل بنظرة مبسّطة بدلاً من الاستعلاء وتأجيجه، وإيجاد المبرر للتغنّي به، وهذا هو الخطأ الجسيم، وفي هذا ما يمكن أن يحقق هدفا أسمى. الهدف الذي يمكن أن ينفذ إلى رؤية صادقة نحو المرأة التي تظل تعيش مكسورة الجناح في حال أننا وجدنا أنفسنا بعيداً عن أي حل لأي مشكلة تواجهنا.

علينا أن نتفهم المرأة أكثر، وأن نتعامل معها بالحسنى لا بالضرب المبرّح، والتوبيخ، والإهانة، وإلقاء التهم باختلاق ذرائع مختلفة لا أساس لها من الصحة!. إنَّ منطق القوة، والعضلات المفتولة مرفوض بتاتاً بعرف المجتمع، ويجب علينا أن نعبّر عن ذلك بالفن، بالأدب، بممارسة الرياضة، والتعلّق بممارسة هوايات أخرى. ومن هنا ينبع إحساسنا بالآخرين.. لا سيما أن الفن هو منبع الحياة والنافذة الوحيدة التي يمكن أن تشرّع أمامنا أوجهاً عدّة من أوجه الحياة المختلفة، وأهمها أن نتحلى بالهدوء والصبر، بدلاً من شتم الآخرين والاعتداء عليهم بالضرب والهوان بدون مبرر!.

جذوة من الرماد
يأخذنا الشوق بعيداً، إلى من أحببناهم، وعشقناهم، وارتمينا في أحضانهم هرباً من حصوات الطاغوت التي لم تبقِ ولم تذر، وأخيراً فقدوا كل ما هو جميل وسار في حياتهم!

هناك، كان للحيرة مكانة كبيرة في حياتهم، وأخذت جانباً مهمّاً من وجداننا ومن حيرتنا وهمومنا، وكل ما هو مفرح في تفاصيل حياتنا التي غلبها الكثير من الأحزان المؤلمة، والمواقف القاسية!

ولا يمكن أن يفوتنا أن نذكر أنَّ هناك الكثير من الأطر، والمآتم التي لقيت في وجداننا المزيد من الهموم والصور المحزنة، وهي تضجّ بالحسرات التي لا يمكن أن ننتزعها غصباً، أو نتناساها، أو بالكاد نقوى على تذكرها، بل تراها مرسومة بعفويتها في ذاكرتنا وفي قلوبنا التي اكتنفها الكثير من الغموض، وفي ضمائرنا الحائرة، وفي جلسات خلسة صارت مجرد ذكريات، بعد أن طواها الزمن، ولقيت ما لقيت من مقت في أعرافنا الدارجة!

وهكذا صارت عبارة عن تشكيل فنّي، ولوحات كئيبة من الماضي، وبكل جمالياتها وروائعها وطيبها من أثر لفظ أنفاسه الأخيرة في حفرة عميقة!

فالأصوات المتعدّدة التي بتنا نسمعها يوماً، أضحت تصرخ في دخيلتنا، وتئن في وجداننا، وتجعل من تلك الأيام التي عايشناها صوراً باهتة، مثقلة بالجبن، ومطرزة بالغل، وهي أقرب إلى صور الموتى منها إلى الصور التي سبق أن كان لها رتمها الخاص في حياتنا، وفي هذا يعني أن صور الحزن المفجعة ظلّت ترمي بسهامها تجاه قلوبنا الميتة، وكل ما له بالحياة وطعمها المرّ، وبعد أن حوّلت واقعنا إلى جبلّة من الأحقاد الدفينة لا يمكن لها أن تطوى إلا مع إشراقة شمس الحرية التي صارت عنواناً كبيراً يستظلّه أهلنا في سورية، وينتظرون بزوغه، أضف إلى ما كنا نعيشه من سعادة، ورضا بالمقسوم، على الرغم من الآلام التي كانت تؤلّب مضاجعنا، وشهواتنا المختلفة، وحولتها، بالتالي، إلى جذوة من الرماد، وألوان من الأحزان، والفقر المدقع، ناهيك عن الهيجان الداخلي الذي لم يسبق أن عرفناه، أو سمعنا به، أو شاهدناه.

شوق وحواجز
أكثر ما يُغضبك ويؤلمك البعد عن الأهل، في لحظة هم في أمس الحاجة إلى وجودك بينهم. الأنكى من ذلك أنه لا يمكن أن تفعل شيئاً في المحيط الذي تعيش فيه ما دمت أنت بعيدا عنهم، وهم في أمس الحاجة إليك ولخدماتك، وللقرب منهم، ولحمل راية اكتناز حبهم لك، واحتفائهم بقربك منهم، وهذا ما يجعلهم أكثر التصاقاً وشوقاً إليك، وأنت في الوقت نفسه غير قادر أصلاً على الإحاطة بكل ذاك الحب الدفين.. لا سيما أن هناك حواجز عقيمة لا يمكنك أن تتجاوزها مهما حاولت أن تتغلب عليها وتتحرر منها، برغم ذرفهم الدموع، وتشدقّهم بحبهم لك، وأنسهم وحدتك، والرغبة في أن تكون في أحضانهم. يتلذّذون بك، وبأنفاسك وبرائحتك العطرة التي تلهب مشاعرهم دفئاً وحناناً.

هم هكذا، يريدونك أن تكون قريباً إليهم، غير مدركين ما مدى الشوق الذي ينتابك في دخيلة نفسك حتى يمكن أن تبرر صعوبة اللحاق بركبهم... وهل بإمكانك أن تحقق رغباتهم، وآفاق أحلامهم، والشوق الذي يدق ناقوس الخطر للاحتفاء بك، مهما كلف ذلك من عناء السفر؟

كلّنا شوق لأجل خاطر عيونكم، ولطالما نهيئ أنفسنا لرؤياكم واللقاء بكم، لأنكم تظلون جزءاً مهماً من حياتنا التي صارت مجرد صورة باهتة نعيشها اليوم، إن لم تكن هامشية وبغيضة، تناساها الزمن فأضحت مجرد أحجية بلا قيمة. يغيب عنها الإحساس والرغبة والحاجة والحب، وحتى الدموع التي كانت في يوم ما تبوح بالكثير من الأمل، تلبّي النداء لكل من أراد أن يعمّم شمولية الحب الذي صار طوق نجاة للكثير من الأفراد الذين أنهكهم الجهد، وهم اليوم أكثر إيلاماً من ذي قبل.

إلى هؤلاء وغيرهم، نقولها: بوركت أمانيكم، وأحلامكم. سينجلي السوّاد الذي غلب على كل ما هو جميل في حياتنا، وها هو يحمّلنا الكثير من المآسي، والأوجاع التي ترفل بطابع الحزن والأم والضياع الذي نزع من أفئدتنا ما كلنا نحتفي به، ونشتاق له يوماً، وهم فلذّة أكبادنا الذين افتقدنا حضورهم ولذتهم، ومتعتنا بتطلعاتهم، وبهجتهم، والاستماع إلى رغباتهم وهمومهم ومعاناتهم.

هم الأولى بأن نكون قريبين منهم، لأنهم جياع إلى من يعنون بهم، وإلى من ينظرون إلى الأكبر سناً على أنهم القدوة في كل شيء، وها نحن نقتدي بما تعلّمنا من الغير. تعلمنا منهم الصدق والإخلاص والأخلاق الحميدة، وكيفية التعامل مع الناس بعيداً عن السوّدواية والبغض والاحتقان بالفعل، والاحتكام في كل ذلك إلى العقل، وإن كان للعاطفة معيارها الأسمى، وهذا ما يمكن أن نعيد النظر بعلاقاتنا مع من نحب، لما لا..

السفر مدرسة حياة
استغربت كثيراً موقف البعض من الأصدقاء وغيرهم حول مسألة السفر، وتعجبي من رؤيتهم السلبية حيالها، نابع من تساؤلاتهم عن مدى المكاسب التي يمكن أن يدرّه علينا، نحن الذين أحببنا السفر وانغمسنا فيه، وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً متنقلين من مكان إلى آخر.

ويبقى للسفر منافع كثيرة وكثيرة جداً، ولا يمكن إحصاؤها. وبعيداً عن المكاسب المادية، لا سيما أن أغلب شبابنا اليوم بات يتساءَل عن مدى الدخل والكسب المادي الذي جنيناه، نحن كمغتربين لقاء الساعات والأيام التي قضيناها بعيداً عن الأصدقاء والأهل والأحبّة، فانّه يظل له حسناته المتعددة.

صحيح أنَّ المال له دوره الكبير في الحياة، ولكن ما يمكن أن يُستفاد من السفر والتنقل هو أبعد من ذلك بكثير. فالسفر برأيي، هو مدرسة.. ومدرسة بلا حدود، ومن خلاله يمكن أن ينعكس على حياة الناس ويستفيدون منه. والاغتراب بأشكاله، وبصورةٍ خاصة في الولايات المتحدة وفي أوروبا، له نكهته الخاصة، لأنه يعرّضك للكثير من المواقف المرعبة! مواقف، في الواقع لا يحسد عليها أحد، وتتطلب الصبر المتلازم مع الهدوء التام، والرغبة في الحياة، في عالم يعصره الألم!

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.