مديون منحوس يجلس قرب الأحذية

مديون منحوس يجلس قرب الأحذية

10 يونيو 2019
+ الخط -
في جلسة الإمتاع والمؤانسة التي انعقدت في منزل "أبو إبراهيم" بإسطنبول، وبعدما انتهى الأستاذ كمال من حكايته عن صديقه المفلس "أبو سلمان" الذي كان يبكي ليسمحوا له مشاركتهم بالدفع ثم يبكي ليسترد المبلغ الذي ساهم به، أراد العم أبو محمد أن يستزيد من أحاديث استبداد النظام الأسدي، وقد صرح أكثر من مرة أنه أمضى حياته بالعمل والتجارة، ولم يكن يتصور أن كل هذا الظلم كان يقع على عاتق الناس في سورية.

قال أبو محمد مخاطباً "أبو إبراهيم": كتير عجبتني قصة عمك ناصر اللي أبوه ناصري وهوي شيوعي وكتبوا فيه تقرير إنو إخوانجي! هاي القصص بتشبه شغل الخليلاتي كراكوظ عيواظ، كلها مسخرة بمسخرة.

قال الأستاذ كمال: لما بتجيبوا سيرة السجون والمعتقلات والبلاوي الزرقا لازم تنظروا بعين الاحترام لصديقنا أبو زاهر اللي مَضَّى في سجن تدمر غير الإنساني أكثر من خمسطعش سنة.. والمفروض فينا لما بيحكي أبو زاهر نوقف قدامو باحترام، ونكون كلنا آذانْ صاغية. لأنو الدنيا متلما بيقولوا "مَقَامَاتْ".


قال أبو إبراهيم: إذا بتسمحوا لنا نأجل الخوض في سيرة السجون والمعتقلات لحتى أنا إحكي لكم قصة إلها علاقة بموضوع "المقامات"..

قال أبو محمد: كل شي بتحكوه في هالسهرة كويس، وبينسمع. تفضل إحكي.

قال أبو إبراهيم: كان حافيييظ الأسد يحب الشعب السوري لدرجة إنو يبقى هالشعب مرتاح من كل شي. يعني حتى لو كان معك مصاري وبدك تشتري حاجة، ما بتلاقيها في السوق. مثلاً، إذا بدك تشتري سيارة ما في سيارات جديدة، بتقول لحالك أمري لله بشتري سيارة عتيقة.. وبتنزل عَ سوق السيارات المستعملة، وبتشتري. وبما إنو الدنيا مقامات كان حافيييظ يثبت لنا أنو مَقَام الشعوب الأخرى إنها تركب سيارات جديدة، ومقامنا نحن أبناءْ الشعب السوري إنو نركب سيارات مستعملة.

في سنة 1990 كنا نشوف السيارة المعروضة للبيع، ونسأل صاحبها: موديل أي سنة؟ يقول: موديل 68، أو موديل 71 أو موديل 72.. السؤال التاني: هالسيارة فيها بَخًّ؟ يعني مضروبة أو عاملة حادث ومتدخل فيها المصلح والصَوَّاجْ والبَخَّاخْ؟ وبعدما تشتري السيارة بتبلش بقى المشاكل، يوم بعد يوم بتكتشف عيوبها اللي عمل صاحبْها المستحيلْ حتى يخفيها عنك، وبتصير بقى تروح فيها من مصلح إلى مصلح تاني، وبتدفع عليها مصاري.. وبنفس الوقت هالسيارة العتيقة بتصرف بنزين كتير، وبيزرُبْ منها الزيت، وكل فترة لازم تغير لها الدواليب، لأنو الطرقات اللي كانوا يزفتوها بيت الأسد، بتلاقيها على طول محفورة، وكتل الزفتْ موجودة فيها كما لو إنو هيي مطباتْ..

قال أبو جهاد: الظاهر أنو أبو إبراهيم نسي القصة الأصلية، عن "المقامات"..

قال أبو إبراهيم: لا والله ما نسيتها. يا سيدي، وبعد سنة 1993، قرر حافيييظ الأسد إنو يستمر بعطاءاتو للشعب، ففتح لهم باب استيراد سيارات وبيكآباتْ، وصار بإمكان أي إنسان في بجيبو 200 أو 300 ألف ليرة إنو يشتري بيك آب (وانيت) ويستعملو هوي وأسرتو. لاكن هالشعب اللي كان محروم من كل شي، وما في عندو أشياء يشتغل فيها، بَلَّشْ يتاجرْ بالبيكآبات والسيارات الجديدة. وأهم شي في هالتجارة البيعْ بالتقسيط. والتقسيطْ بتنحطّ عليه فوائدْ متل قروض البنك.. المهم.. صاروا الناس يبيعوا ويشتروا ويحققوا أرباح وهمية، لأنو نفس السيارة صارتْ تنباع من واحد لواحد، وينتقل الدين مع الفوائد من البياع للمشتري، وصار المشتري بالتقسيط يبيع السيارة بالنقدي، ويصرف المصاري، ولما يفلس يشتري سيارة تانية بالتقسيط ويبيعها بالنقدي حتى يصير معو سيولة مالية.. وهيك لحتى تراكمتْ على بعض التجارْ ديونْ بالملايينْ، ومعظم هدول التجار الخلبيين أعلنوا الإفلاس، وقالوا لأصحاب الديونْ: والله يا عمي إنتوا إلْكُمْ علينا فلوسْ، لاكن ما معنا ندفع لكم. الله غالب. هون بقى منوصل لبيت القصيد من الحكاية تبع المقامات.

قال أبو زاهر: تفضل.

قال: كانوا التجار المفلسين يقعدوا في المضافة؛ كل واحدْ بحسبْ مبلغْ الدينْ المترتبْ عليه. يعني التاجر المديون بعشرين مليون يقعد في صدر المجلس! يجي بعدو التجار اللي عليهم خمسطعش مليون و12 مليون.. هيك لحتى توصل للتاجر اللي عليه مليون أو مليونين، هادا بتلاقيه قاعد عند باب المضافة، أقرب شي للعتبة اللي بيشلحوا فيها الأحذية! وإذا بتسألهم ليش قاعدين هيك بيقولوا لك: الدنيا مقامات!!!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...