دورة حياة الرئيس

دورة حياة الرئيس

07 مايو 2019
+ الخط -
(كما وردت تفاصيلها في دائرة معارف الحيوانات السياسية)
الرئيس: كائن سياسي هلامي رخوي اسفنجيّ آكل للأحلام ذو أنياب وقواطع، يعيش في كافة البيئات الصحراوية والزراعية والمائية والحارات المزنوقة، على أن يتم حفظه في درجة حرارة غرفة القصر الرئاسي، ينشط نهاراً ويتراجع ليلاً، ويتغير شكل خليته وتكوينها من حين لآخر، وقد تظهر له أيدٍ وأقدام كاذبة خلال حركته وتتحور أطرافه الأمامية عند هبوب تيارات هوائية غاضبة من أمريكا الشمالية.

موطنه الأصلي ينساه بعد أن يقضي وقتا طويلا في موطنه الجديد، يتغذى على تصديق الناس لوعوده وعلى خوفهم من التغيير، لا يصنع غذاءه بنفسه بل يتطفل على ميزانية الدولة، وبعض الأنواع منه تعيش معيشة البكتيريا المترممة، يفضل العيش في وسط يمتلئ بمادة النفاقيزم القمعوبلازمية التي يكتسب بفضلها دروعا تحميه من الهجوم والتغيير، يزيد وزنه بفضل عملية النفاق الضوئي، بدءاً من مرور شهر على توليه لمنصبه، ولا يتوقف منذ تلك اللحظة عند وزن وحجم ثابت، يمتلك جسده القدرة على التجدد وتعويض الأجزاء المقطوعة، ويقوم دائما بتكوين براعم طرفية ذات خلايا قمعية يزداد تفرعها لتنتشر في جميع أنحاء البلد التي يحكمها، وتكون جاهزة لإلتقاط الفرائس وإحكام القبضة عليها حسب الظروف المحيطة، يهاجر كل عام إلى أمريكا الشمالية وأوروبا والخليج العربي لجلب المعونات، يتكاثر ذاتيا بشكل لا جنسي حيث يقوم بإنتاج أفراد جديدة منه وتؤيد سياساته دون الحاجة إلى وجود ذكر وأنثى، وتقوم الأفراد الجديدة التي تحمل صبغته الكروموزمية بمهمة تصفية حساباته مع معارضيه.

يستخدم الرئيس في عملية التنفس أنقى أنواع الهواء التي توفرها له أجهزة تنقية الهواء في قصره، ويقوم بإخراج ثاني أكسيد الكربون الزائد من عملية التنفس إلى الشعب. لا يستجيب الرئيس للمؤثرات التي تستجيب لها معظم الكائنات الحية كالنباتات والحيوانات، فهو لا يتفاعل مع الضغط السياسي ودرجات الحرارة الشعبية وألوان الضوء المنبعث من إشارات الواقع الإجتماعي، وتفيد أغلب الدراسات العلمية أنه يفضل الاستجابة لضغوط عزرائيل أو أمريكا أيهما أقرب.


يشهد جسم الرئيس دائما تفاعلات أيضية بسبب عمليات الهدم الناتجة عن قراراته، وينتج عن تلك التفاعلات الأيضية فضلات سامة يقوم بإخراجها في أجهزة الإعلام لكي يتم تخزينها في الفجوات العصارية للمواطنين، والتي تتعرض للإنفجار البيضوني عندما تزيد الحمولة المخزنة منها على شكل بلورات تشريعية أو إعلانات دستورية سائلة.

يمر كائن الرئيس بعدة أطوار تشكل دورة حياته:
الطور الإنتخابي:
يبدأ عقب الدفع به من رحم الحياة السياسية كيرقة رئاسية، وهنا تنشط غدد الرئيس في إفراز أكبر قدر ممكن من الوعود، وتظهر عليه تغييرات بيولوجية تجعل النور يشع من جبهته ووجهه، وتتسع ضحكته بشكل ملحوظ بفعل تمدد الغدد الإنبساطية، وتحدث رِقّة فسيولوجية في نبرات صوته، وتصدر عن جسمه إشارات حرارية تجذب إليه الجماهير، ويكون في هذه الفترة قابلا للإحتضان والتقبيل والتمليس والحمل على الأكتاف والمصافحة من اللي يسوى واللي مايسواش، ويكون موطنه الأصلي في هذه الفترة ستوديوهات الفضائيات والسرادقات الإنتخابية، وينتهي هذا الطور إما بتعرض اليرقة الرئاسية للوفاة بسكتة إنتخابية، أو وصولها إلى كرسي الرئاسة ليبدأ الكائن الرئاسي طورا جديدا من أطوار حياته.

الطور اليميني:
يبدأ عقب إعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية التي تخرج كائن الرئيس من مرحلة اليرقة الرئاسية إلى مرحلة الفرخ الرئاسي، حيث يبدأ في التعرف على نفسه من خلال عملية اليمين الرئاسي التي يقوم بإلقائها، كما يبدأ في التعرف على موطنه الأصلي الجديد المعروف بقصر الرئاسة، وفي حين يحافظ على إتساع ضحكته ورقة نبرات صوته، تقل بشكل ملحوظ الإشارات الحرارية الجاذبة للجماهير فتتضاءل قابليته للإحتضان والتقبيل والتمليس، وتصبح مصافحته مكفولة فقط للي يسوى، وتصبح خطيرة العواقب على اللي مايسواش، وتتحول غدد الرئيس في هذا الطور إلى إفراز نوع آخر من الإفرازات الكيميائية هو التصريحات، ويحدث تضخم في الجهاز الخطابي لديه، يجعله يصاب بحالة من الخطابة اللا إرادية.

طور الله في برسيمه:
تختلف بداية هذا الطور من كائن رئاسي لآخر، فالبعض تظهر عليه أعراض هذا الطور بعد سنين طويلة من بقائه في الموطن الأصلي الجديد، والبعض لا يستغرق أكثر من أشهر لكي يبدأ هذا الطور، ويتوقف ذلك على عوامل التعرية التي يقوم بها الواقع الجيوسياسي على السطح الخارجي للكائن الرئاسي، تبدأ أعراض هذا الطور عندما يحدث إختلال في درجة التمثيل الضوئي في الخلايا الرئاسية، حيث تزيد كمية الأضواء المسلطة عليه أكثر بكثير من كمية الأضواء الخارجة منه، وفي هذا الطور تنعدم الإشارات الحرارية الجاذبة للجماهير، وتنعدم القابلية للإحتضان والتقبيل والتمليس والحمل على الاكتاف، في حين تستمر إمكانية المصافحة لكنها تصبح عملية من مراحل معقدة بعد أن كانت عملية من مرحلة واحدة بسيطة، كما تحدث خشونة تلقائية متصاعدة في نبرات الصوت الرئاسي، مع ميل غريزي للتلويح بالسبابة في الخطابات العامة، والتلويح بالوسطى في المحافل الخاصة، وفي هذا الطور تطرأ تغييرات جينية على الخلايا الأذنية للرئيس فتصبح غير قابلة للإستجابة السمعية إلا إلى أصوات معينة تحدث تأثيرات إنبساطية عليه، وتزداد قوة إرتباطه بأطرافه القمعية، ويدمن تحريكها بشكل مستمر، ويشعر برغبة حادة في الهرش عندما يتم منعه من تحريكها.

طور طرة:
في أغلب الحالات تصل الكائنات الرئاسية إلى هذا الطور إذا اكتمل ظهور أعراض الطور السابق عليها، ويمكن ألا يصل الكائن الرئاسي إلى هذا الطور إذا تعرض لإختلال جيني يعرضه للفناء، أو إذا قام بعملية جراحية لإصلاح خلاياه السياسية التالفة وزرع خلايا حية جديدة، أو إذا قام في حالات نادرة جدا بتغيير موطنه والعودة إلى موطنه الأصلي، أما أغلب الكائنات الرئاسية فهي تصل إلى هذا الطور بعد أن تفقد التواصل مع المؤثرات الخارجية المحيطة بخلاياها، ويزداد تضخم أطرافها القمعية بشكل يجعلها أكبر من باقي جسد الكائن الرئاسي، وفي بعض الأحوال يحصل حالة توحش جيني يجعل الأطراف القمعية تقوم بأكل الجسد الرئاسي، أما الحالات التي تنجو من الفناء فيتم إجبارها على التوطين بالحبس في بيئة قسرية تختلف ظروفها حسب علاقة الكائن الرئاسي بالأطراف القمعية التي انفصلت عنه وصارت كائنات مستقلة قادرة على التأثير، وفي هذا الطور تعود إلى الكائن الرئاسي الرغبة في الإحتضان والتقبيل والتمليس والمصافحة، كما ينشط إفراز غدد من نوع آخر هي الغدد الدمعية التي يزيد إفرازها بغزارة كلما تذكر الكائن الرئاسي فقدانه لكافة أطرافه القمعية وعدم وجود أي رغبة في إحتضانه أو مصافحته من أي كائن سواء كان يسوى أو ما يسواش.

ـ فصل من كتاب (جمهورية العبث) نشر لأول مرة في عام 2013 ـ
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.