الحرب طريق غزة نحو الحياة

الحرب طريق غزة نحو الحياة

06 مايو 2019
+ الخط -
بعد أكثر من عامٍ على انطلاق مسيرات العودة الكبرى والتضحيات الجِسام التي قُدمت في هذه المسيرات دون أي نتيجةٍ تذكر، وبعد أكثر من عامٍ من المماطلة والتسويف من قبل العدو الإسرائيلي والتهرب من جميع التفاهمات، وبعد انقضاء الفترة الانتخابية الحرجة في دولة الاحتلال؛ انحصرت خيارات الفصائل في قطاع غزة في التصعيد العسكري أو المخاطرة بمواجهة ثورة شعبية بفعل سوء الأوضاع الاقتصادية في القطاع، ومع استبعاد الخيار الثاني يبقى خيار المواجهة سواء بالتصعيد العسكري المحدود أو الحرب المفتوحة هو الأكثر ترجيحًا ولأسبابٍ عدة سيتم ذكرها في هذا التقرير؛ فإننا نرجح أن تكون الجولة تصاعديةً ومحدودةً تنتهي في غضون أيام أو عدة أسابيع دون الانجرار إلى حربٍ مفتوحة، وذلك لأسبابٍ عدة لعل أبرزها:

أولًا: انشغال العدو الصهيوني بجبهة الشمال
إن تعاظم المساعي الإيرانية بالتمركز بالقرب من الحدود الإسرائيلية في منطقة الجولان، بالإضافة الي مساعيها الحثيثة والمستمرة لتطوير جبهة حزب الله من خلال إنشاء مصانع صواريخ كاسرة للتوازن، أوجد قناعةً راسخةً لدى النخبة الحاكمة في دولة الاحتلال بضرورة إبقاء الجيش على جهوزيةٍ دائمةٍ للتدخل الفوري في حال حدوث أي تطور قد يؤدي إلى كسر التوازن، أو تعزيز القوة الإيرانية على جبهتي سورية ولبنان، وهو ما ترتب عليه حرص العدو على عدم الانشغال في أي معارك أخرى قد تقيد حركة الجيش الإسرائيلي ضد أي خطوة إيرانية في جبهة الشمال، وبناءً على ذلك فإن العدو الصهيوني ملزمٌ بشكلٍ كبيرٍ جداً بتجنب التصعيد مع قطاع غزة، وإن اضطر إليه فإنه سيسعى إلى تجنب كسر الخطوط الحمر المتعارف عليها في الحروب السابقة؛ وذلك سعياً منه إلى اختصار مدة التصعيد إلى أقصر وقتٍ ممكن، وتجدر الإشارة إلى أنه في حال خرج العدو عن النص في تصرفاته وذهب إلى جولة حرب تتجاوز الأسابيع ضد القطاع - وإن كان ذلك مستبعدًا جدًا - فهو بذلك قد ترك المجال واسعًا لبناء جبهةٍ جديدةٍ في سورية، أو تدعيم جبهة حزب الله بأسلحةٍ كاسرةٍ للتوازن والمستفيد الأول من خلق جبهة جديدة أو تدعيم جبهة قائمة ضد العدو هو شعبنا الفلسطيني.


ثانيًا: عدم وجود مطامع للعدو في قطاع غزة
من المعروف أن قيادة العدو بزعامة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو ليس لها أي مطامع في قطاع غزة، بل على العكس من ذلك فهي ترى في قطاع غزة عبئًا وجب التخلص منه، مع ضرورة العمل على التمدد في الضفة وابتلاعها شيئًا فشيئًا من خلال زيادة الاستيطان وإضعاف الرئيس محمود عباس، ومن المرجّح أن تعزز أيُّ حربٍ ضد قطاع غزة المكانة السياسية للرئيس عباس محليًا ودوليًا؛ وذلك من خلال إضعاف حركة حماس الند التقليدي للرئيس عباس، بالإضافة إلى إعادة تحريك القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وهو ما سيدعم المكانة السياسية للرئيس عباس، وسيعيق خطة نتنياهو الرامية لابتلاع الضفة الغربية تدريجيًا، وعليه فإن أي حرب ضد قطاع غزة قد تمنع نتنياهو من استكمال مشاريعه التمددية في الضفة الغربية.

ثالثًا: استكمال مشروع التطبيع العربي
يسعى العدو الصهيوني إلى تطبيع علاقاته مع الدول العربية وذلك كخطوةٍ أولى في سعيه نحو تكوين حلف سنيٍّ – إسرائيلي يعمل على مجابهة التمدد الإيراني في المنطقة، وقد نجح العدو في مسعاه ذلك بشكلٍ نسبي ولا تزال خطواته تتلاحق في مسعى للوصول إلى حالة من التطبيع الرسمي والشعبي الكامل، والوصول إلى هذه المرحلة يحتِّم على العدو تجنب أي حرب على قطاع غزة؛ قد تؤدي إلى ارتقاء المئات من الشهداء وإثارة الرأي العام العربي الغاضب ضد ممارسات الاحتلال؛ وهو ما سيؤدي بدوره إلى إسقاط حالة التطبيع العربي مع العدو، وتدمير أي تحالفٍ معه حتى قبل أن يرى النور، لذا نلحظ حرص العدو الصهيوني بالإضافة إلى دولٍ عربيةٍ عدة على تجنّب نشوب حربٍ إسرائيلية ضد قطاع غزة تدمّر عملية التطبيع العربي - الإسرائيلي.

وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن الظروف الإقليمية القائمة حاليًا تدفع العدو للبحث عن حلولٍ فعليةٍ لأزمة القطاع وتجنّب الذهاب إلى حربٍ مفتوحةٍ بأي ثمن.

وبعد ذكر الأسباب التي تمنع العدو من الذهاب نحو حربٍ مفتوحة مع قطاع غزة، وحتمية كونها جولة تصعيد قاسية قد لا تتجاوز سيناريو 2012، يجب أن نشير إلى دوافع المقاومة من الذهاب إلى جولة تصعيدٍ في ظل الظروف الحالية:

أولًا: الضمانات الدولية
لعل من أبرز النتائج التي قد تحصدها المقاومة في حال تم اللجوء إلى عملٍ عسكري، الخروج من بوتقة الضمانات الإقليمية للتوصل إلى ضماناتٍ دوليةٍ ترعى التفاهمات، حيث أثبتت صفقة وفاء الأحرار والتي تمت برعايةٍ مصريةٍ أن الضمانات الإقليمية والتي ترعاها مصر قابلة للنقض من طرف العدو، وعليه، ليس على المقاومة التسليم بالدور المصري كلاعبٍ وحيدٍ على الساحة الغزية، بل وجب تدويل الأزمة للحصول على حلول جوهرية وبضماناتٍ دوليةٍ من خلال مجلس الأمن، وبضمانة اللاعبين الدوليين مثل روسيا، والاتحاد الأوروبي، مع المحافظة على الدور المصري المحوري بحكم الارتباط الجغرافي.

ثانيًا: تشريف سلاح المقاومة
إن كان هناك توجّهٌ إسرائيليٌّ ودوليٌّ بضرورة تبريد جبهة قطاع غزة في الفترة الحالية، وإيجاد حلول لأزماته المتراكمة، فمن المتوقّع أن تسعى حركة حماس إلى نسب هذا الإنجاز إلى سلاح المقاومة بدلاً من مسيرات العودة "السلمية"، حيث إن تحقيق أي إنجازٍ سياسيٍّ من خلال العمل العسكري سيرفع من أسهم حركة حماس التي تؤمن بالعمل العسكري، على حساب السلطة الفلسطينية وحركة فتح والتي تؤمن بمنهج المفاوضات، وعليه يمكن القول إنه إن كان هناك إنجاز تحتّمه الظروف الدولية فيجب أن ينسب هذا الإنجاز إلى المقاومة المسلحة التي تشكل المرتكز الأساسي في عقيدة حركة حماس.

ثالثًا: عجز نتنياهو عن تقديم حلول
في ظل مخرجات الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة والتي جعلت من أفيغدور ليبرمان- صاحب المواقف المتشددة ضد أي تفاهمات مع قطاع غزة- مفتاح نجاح نتنياهو في تشكيل الحكومة القادمة؛ فمن البديهي أن تثار علامة استفهام قوية تتعلق بقدرة نتنياهو على تطبيق تفاهماته مع حركة حماس، أو تقديم حلول جوهرية للقطاع في ظل ارتهان حكومته لأفيغدور ليبرمان، وعليه: فقد تتوجه المقاومة إلى جولة تصعيدٍ قاسيةٍ تنتهي بحلولٍ دولية بعيدة عن التدخل الإسرائيلي المباشرة في هذه الحلول وبذلك يمكن تحقيق هدفين رئيسين وهما:

• عدم ربط التفاهمات بالصراعات الداخلية الإسرائيلية؛ وهو ما يبقي حالة الخوف من زوال هذه التفاهمات نتيجة أي تغيير قد يتعرض له الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال.

• إن إيجاد حلول دولية لرفع الحصار عن قطاع غزة دون مساهمةٍ مباشرةٍ من دولة الاحتلال، قد يخفف من حدة الضغوط الداخلية التي قد يتعرض لها نتنياهو في حال مشاركته بشكلٍ مباشرٍ في تخفيف أزمات القطاع، وهو ما بدى واضحاً في قضية نقل الأموال القطرية عبر إسرائيل إلى قطاع غزة.

ويفضّل أن تكون جولة التصعيد خلال الفترة الانتقالية، حيث يتم رفع الحصار عن قطاع غزة بحلولٍ دوليةٍ من قبل الحكومة السابقة في دولة الاحتلال، ودون مخاوف من أن يتعرض نتنياهو للضغوط من أفيغدور ليبرمان وذلك في حال تم اللجوء للتصعيد في عهد الحكومة المزمع تشكيلها، وهو ما قد يترك نتنياهو أمام خيارين أحلاهما مر: فإما الاستمرار نحو حربٍ مع قطاع غزة، أو سقوط حكومته بسبب أي موقفٍ قد يتخذه ليبرمان من التفاهمات مع قطاع غزة وهو ما قد يؤدي إلى انهيار الحكومة الجديدة.

رابعًا: الخروج من بوتقة التخوين في حال التوصل إلى تفاهمات
إن أية حلول قد يشهدها قطاع غزة بعد اللجوء لجولة تصعيد عسكرية، سينظر إليها من قبل الشارع الفلسطيني نظرة إجلال وإكبار؛ كونها جاءت نتيجةً لإرغام العدو من خلال استخدام القوة وذلك خلافًا لأي حلولٍ قد يتم التوصل إليها من خلال التفاهمات؛ حيث ستحاط هذه الحلول بهالةٍ من التخوين، وستدرج بشكلٍ تلقائي من قبل عموم الشعب الفلسطيني ضمن جهود العدو لفصل الضفة عن القطاع، وتكريس الانقسام الفلسطيني، وكمقدمة لتطبيق صفقة القرن.

وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن كل تصعيدنا في هذا الوقت خير، وإن أي مماطلة أو لهث خلف سراب الوعود من جديد قد يكلفنا ثمنًا باهظًا، قد يتكلل بحراكٍ داخليٍّ ضد حكم حركة حماس في قطاع غزة بعد أن ملَّ الشعب من أشباه الحلول.
3083D64A-1194-4360-9382-BE0EAD5A1044
معتصم سهيل عدوان

باحث سياسي في وزارة الخارجية الفلسطينية - قطاع غزة. حاصل علي درجة الماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وعلي دبلوم السياسة والإعلام باللغة الإنكليزية.