على هامش الصيام (1)

على هامش الصيام (1)

05 مايو 2019
+ الخط -
تهب علينا نفحات الرحمة مع انطلاقة موسم العبادة، وتتجسد معاني السعادة بدرجات تكاد تختفي في غير رمضان؛ فيحرص كثيرون على الجمع بين العبادة والسعادة الروحية، ويتحقق لهم مأربهم في ليالي رمضان وأيامه المباركة.

تختلف الجرعة الإيمانية لكل إنسان، لكن الأجواء الإيمانية تعزز الحرص على زيادة الرصيد الإيماني، البعض يبدأ مع رمضان علاقة جديدة؛ فيتخفف من بعض الآثام والصغائر، ويقرر أن تكون الرحلة الرمضانية بداية ينسلخ فيها من ذنوبه، ويتقرب إلى ربه ويعمل لما فيه سعادته في الدارين.

لا يجدر بنا أن نُطلق على هؤلاء "الرمضانيون"؛ فإن كثيرين منهم صادقو النية، ويتزودون من رمضان زادًا إيمانيًا يبقى أريجه في صدورهم، وإذا كانت كل لحظة تصلح لبداية علاقة جديدة، وإذا كانت كل بداية قد يكتب لها التوفيق إذا اقترنت بالإخلاص؛ فيجب علينا أن نساعد من يدخل المسجد للمرة الأولى، وأن نفرح به ونشعره بما أنجزه، وألا نقف في طابور المنظرين والمتعالمين، وأن نسلقه بألسنة حداد وكأنه أقبل بعد أن انفض السامر!


مع الساعات الأولى من الشهر المبارك، لنأخذ فاصلًا طويلًا عن الأحكام النمطية، الأحكام التي نرمي بها الآخرين دون أن يطرف لنا جفن، أن يقلع المرء عن تصنيف الناس إلى رباني ورمضاني؛ فهذا ليس شأني ولا شأنك، شأن كل واحدٍ أن يعمل ليزيد رصيده، وأن يجتهد ليتقرب إلى ربه، وليس أن يهلك نفسه بتصنيف من حوله والتفتيش عن نياتهم. قبل أيام، لقيت أحدهم في دورة تدريبية، وسألني عن صديق كان معي أسئلة لا تخصه ولن تفيده؛ فكان مما قال: يا فلان! صديقك هذا؟ قلت: نعم! قال: ما عقيدته؟ قلت: صلى معنا للتو؛ فما سؤالك عن عقيدته؟!

رمضان فرصة ذهبية، ولربما تكون الفرصة الأخيرة لكاتب هذه السطور، أو للقارئ الكريم، أو لغيرهما من خلق الله في أرضه، ولن يسألك الله عن عقيدة كاتب هذه الأسطر، بل سيسألك عن عملك وعن استثمارك أيام دهرك؛ فلا تشغل بالك إلا بنفسك، وعند الإمام مسلم من طريق أبي هريرة (احرص على ما ينفعك).

يأتي التوجيه النبوي الحكيم للحرص على ما ترجح به كفتك، ورجحان كفتك ليس أمام غيرك، بل رجحان كفة حسناتك على كفة سيئاتك، وفي رمضان من المباهج الروحية والإيمانية ما يحثك على زيادة رصيدك وريادة أعمالك؛ فلا تنشغل برصيد غيرك، ولا تتهالك في متابعة أحوال من سواك.

ولحرص النبي الكريم عليك، ولعلمه باختلاف القدرات الفردية والطبائع النفسية؛ فقد أضاف إلى الحرص على النفع قيمة مضافة فريدة؛ إنها الاستعانة بالله وعدم العجز. تُمسِك مصحفك وتقرأ جزءًا في اليوم، لكنك ترى غيرك قد أبحر في الذكر الحكيم ويقرأ ثلاثة أجزاء أو أربعة كل يوم؛ فتذهب نفسك حسرات وتأسف لحالك وتجلدها وتنفي عنها كل خير! يأتيك اللطف النبوي والإرشاد المحمدي (واستعن بالله ولا تعجز).

لا تقارن نفسك بغيرك فتتوقف عن القراءة، ولا تقارن نفسك لتنهار وتتراجع، وكن سباقًا للخير ما استطعت، لكن لا تتخاذل لأن هناك من سبقت خطاه على خطاك؛ فأنت في سباقٍ مع نفسك. ثق أن الطريق الذي تقطعه يخصك، وأن الناس لن يحاسبوا عنك ولن تحاسب عنهم؛ فلتحرص على الطاعة وتبذل فيها نكيثتك، ولا تركن إلى العجز.

أمامك ماراثون إيماني، وفي وسعك أن تستثمر رمضان؛ لزيادة أسهمك الإيمانية وراحتك النفسية، وليكن اجتهادك في الطاعة منضبطًا؛ فلا تضيِّع مصالح الناس وأعمالهم بحجة أنك تسهر لقراءة القرآن والقيام؛ ففي إنجاز مهام الناس عبادة وقربى إلى الله.

الهامش الأول: شمِّر عن ساعد الجِّد، ولا تقارن نفسك بغيرك، واحرص على الجمع بين العبادة وقضاء حوائج الناس.

دلالات