سمر رمضاني... رشوة لطبيب القلبية (9)

سمر رمضاني... رشوة لطبيب القلبية (9)

26 مايو 2019
+ الخط -
احمَرَّتْ عينُ صديقنا "أبو جهاد" من الضيف الجديد "أبو خالد" لأنه أبدى إعجاباً استثنائياً بحكاية "أبو الجود" المتعلقة بزواجه. كانت نسبة التخييل في حكاية أبو الجود مرتفعة، إذ زعمَ أن الفتاة ضَرَبَتْ طينةَ البيلون بجدار حَمَّام السوق عسى أن ينطلق نصيبُها وتتزوج، وبعد ثوانٍ قليلة نزلتْ الطينة على جبينه وهو جالس في منزله بالحارة الغربية. أبو خالد امتدَحَ القصة وراح يتحدث عنها كما لو أنها قصة واقعية حدثت بحذافيرها.

قال له أبو جهاد: يا سيد أبو خالدْ، إذا سمحتْ لا تعصّْ على حالك كتير، حتى ما يطقّ لَكْ عِرْقْ. لسه بتقلي قصة عظيمة، وقصة رائعة، وإنو أحلى من قصة حصان (امرؤ القيس) اللي بيركض بسرعة. يا سيدي هادا أبو الجود واحد عَلَّاك، طول النهار بيألّفْ قصصْ وبيحكي لنا إياها لحتى يثبتْ أنو رجلْ فهيمْ، مع أنو هوي متلمانك شايفْ، طولْ النهار عم يفتلْ في شوارع إسطنبول وفي الحدايق العامة، على رجليه، لأنو ما معو مصاري يشتري بطاقة مواصلات، ولما كان في سورية نفس الشي، كان ينطبق عليه المتل الحلبي (مِنْ بيتْ شْقَاعْ لبيتْ رْقَاعْ لبيتْ كَتَّرَ اللهْ أفضالكمْ).. وهاي السيدة المستورة أختنا أم الجود كانت عايشة في سورية وماشي حالها، صار يلحّْ عليها ليل نهارْ لحتى جابها هيي والولاد عَ إسطنبول، والذريعة تَبَعُو إنو خايف عليهُنْ من القصف الروسي وبراميل ابن حافظ الأسد.. يا عمي صحيح في قصف في سورية وبراميل وصواريخ، بس أبو الجود في الحقيقة خايف على حالو، وهوي ما جاب ولادو لهون غير حتى يشتغلوا ويجيبوا مصاري ويصرفوا عليه، وجاب مرتو لحتى تخدمو.. إنته لو سمعتْ قصتو مع دكتور القلبية في الشام يوم عملْلُو القسطرة بتكتشفْ لحالكْ إنو هوي رجلْ كدابْ.


التفتت أنظار السامرين نحو "أبو الجود" مدفوعة بالفضول. في الحقيقة أن معظمنا، نحن الموجودين في جلسة السمر، نعرف حكاياته كلها، عدا حكايته مع طبيب القلبية.

قال أبو الجود: بصراحة يا أخوي أبو خالد أنا متلما عمْ يقول عني أبو جهاد، رجل عَلَّاكْ.. وبالنسبة لموضوع الخوف من القذائف والبراميل، أنا عن جد بخاف على نفسي وعلى عيلتي منها. وأنا ما بنكرْ إني منحوسْ وفقير وعايف حالي، بس يا خيو أنا بحب الحياة.. وسورية حالياً ما فيها غير الموت والقهر والعذاب.

قال أبو زاهر: أبو الجود إنته هلق بلشت تحكي لنا عن أشيا منعرفْها. إذا بتريد خلينا بالشي اللي صار بينك وبين دكتور القلبية. تفضل.. عم نْسْمَعَكْ.

تدخل أبو جهاد موضحاً: منسمعو نعم، أما أنو نصدقو، لا والله.
قال الأستاذ كمال: معظم الحكاياتْ الجميلة اللي منسمعها فيها جانبْ واقعي، والباقي تأليفْ وتخييلْ. منشان هيك لازم نسمعْ الحكاية، ومو ضروري أنو نصدقها أو حتى ننفيها.

قال أبو الجود: يا أخي القصة صارتْ معي، وما فيها تأليفْ ولا بطيخ. في يوم من الأيام انعزمت على أكلة دسمة، وأنا أكلتْ لحتى قَبّْ إبطي، وبعد الدسم أكلنا حلويات وموالح وبوظة "دوندورمه"، ولما طلعت عَ الزقاق شفت أبو جهاد، وأنا لما بشوف هالرجل -سبحان الله- بينقبض قلبي، وبحس أنو في مصيبة بدها تجيني في أقرب فرصة.. ولما جيت عَ البيتْ تناولتْ البهدلة اليومية من الست أم الجودْ، ولأنو ما بيطلع بيدي شي، ولا قادر لَبّي طلباتها زعلتْ، وبسبب كل هاي الأمورْ أجتني جلطة.. ركضوا الولاد وشالوني لبرة، وجابو بيكآب زراعي ونقلوني عَ المستشفى بإدلب، وفي إدلب أسعفوني وحولوني عَ جناحْ جراحة القلبْ في مشفى المواساة في الشام.. وقالوا لي ضروري أنك تعمل قسطرة.

ضحكنا، وقال له أبو جهاد: هاي أول كدبة. بيقول أنو شافني في الزقاق.. أنا يوم أجتو الجلطة ما كنت موجود في كل البلدة.

لم يكترث أبو الجود بتعليق أبو جهاد. تابع يقول: الخلاصة، بنتي باعتْ إسوارْتا وعطتني تَمَنْها، وأنا رحتْ عَ الشامْ منشان أعمل قسطرة. وهناك أجا طبيب لابس مريول أبيض ومعو ممرضات جميلات، وجهزوني منشان القسطرة. وكان كل شي على ما يرام عدا شغلة واحدة، وهيي أني جيتْ عَ المشفى وأنا عَ الريق، والدكتور قالْ لي: هلق راح نساوي لك القسطرة، وبعدها ممنوع تاكل أو تشرب لمدةْ تلاتْ ساعات. وأنا حسبتها في عقلي، طلع معي أني بدي أبقى عَ الريقْ لحد الساعة 2 بعد الضهر. ومتلما بتعرفوا أنا رجلْ بحب الطعام وما بصبرْ عَ الجوعْ.

قلت: حلو. واضح أني وصلنا للقفلة تبع القصة. أي؟ أشو عملت بوقتا؟
قال: طلبت من الدكتورْ أنو نحكي أنا وهوي كلمتين على انفرادْ. وهوي اعتقدْ أني بدي أسألو عن القسطرة، يا ترى خطرة؟ ولا ممكنْ تمر عَ سلامة؟ أو أني بدي وَصّيْهْ بأم الجود والولاد إذا متت. منشان هيك مشي معي، وعطاني إدْنُو وصار يسمعني باهتمام. هون أنا مسكتْ راحة كفو، وكبست فيها قطعة نقدية من فئة الـ (500 ليرة). قال: شو هاي أخي؟ قلت له: هاي مني أنا لوْلادك. الله يخليك يا دكتور، بعد القسطرة بدك تسمح لي آكل!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...