سمر رمضاني... البنات في حَمَّام النسوان (7)

سمر رمضاني... البنات في حَمَّام النسوان (7)

20 مايو 2019
+ الخط -
صديقنا أبو الجود، على الرغم من كونه مفلساً، ومعفياً من دفع أي مبلغ يلزم لإحياء سهرات السمر الرمضاني، كان هو الأكثر حضوراً، والأكثر تناولاً للطعام الدسم والفواكه والحلويات والموالح..

ولكي يغيظ بعض الحاضرين الذين يتضايقون من وجوده، كان يتعمد شفط الشاي بعد العَشاء بحيث يصدر عنه صوت مما كان عادل إمام يسميه (فضايح).. وذات مرة، بعدما شفط شفطة قوية من كأس الشاي ضحك وقال:

- الأدباء لما بيوصفوا صبية عم تشربْ الشاي بيستخدموا كلمة (تَحْتَسِي)، وأنا بترجاكُم تشهدوا عليّ بأني ما بحتسي الشاي وإنما بتناوله بطريقة (الشَرْق).

أراد الأستاذ كمال أن يثير مكامن السخرية لدى أبو الجود فقال له: شَرْق ولَّا غَرْب؟ قال: لا والله يا أستاذ كمال. الشَرْق عنا في البلدة معناتو أنك تتناولْ المادة السائلة من دون ملعقة. يعني إذا مرتك طبختْ لَكْ شوربة العدس (مخلوطة)، بدلْ ما تحتسيها بالملعقة بتحط الطاسة على فمك وبتباشرْ شَرْقْ.. يعني شَفْطْ.


قال أبو خالد: الله يرحم والدتو لأخونا "أبو الجود" كانت تطبخ له مخلوطة كتيرْ. منشان هيك هو بيستخدمها كتير في حديثو، وبيضرب فيها الأمثال.

ضحك أبو الجود مرة أخرى وقال: مو بس والدتي، كمان نانتي الله يرحما كانت تطبخ مخلوطة، وزوجتي أم الجود.. بصراحة نحن سلالةْ منْ شدة الفقر بتلاقي المخلوطة ملازمتنا ومْعَلّقَة بجلدنا متل الوشم. بالمناسبة اليوم، قبلما أجي عَ السهرة جبنا سيرة المخلوطة.

قال أبو محمد: أيش المناسبة؟
قال أبو الجود: لما قَرَّبْ أدانْ المغربْ أنا عملتْ دوش ولبستْ تيابي وطلعت، فلحقتني أختكم أم الجود، منشان تعطيني جرعةْ نَكَدْ قبل المغادرة، وقالت لي:
- أنت رايح تتعشى مع رفاقك، وأكيد راح تاكلوا مشكل وملون، طيب أنا والوْلَادْ أشو بدنا ناكل؟ قلتلا: كأنك نسيتي المخلوطة؟ أنا من يوم أن تزوجتك وكل يومين والثالث بتطبخي مخلوطة، أشو عَدَا ما بَدَا؟ هون صارت تتمسخر عليّ وقالت لي: بعيد عنك أنا دابة ما بفهم، وفوق كل هاد فقرية، زوجي المحترم بيجيب لي لحم وسفرجل وكماية وصفائح اللحم بعجين، وأنا بتركها وبطبخ مخلوطة!

قال أبو جهاد مخاطباً أبا الجود: قسماً بالله أختنا أم الجود مرا مناضلة، لو وحدة غيرها كانتْ رفستك في ظهرك وتركتك وراحت.
قال أبو الجود: والله فكرة ممتازة، يا ريت تعرضها عليها، فإذا أعتقتني لوجه الله بسببك، حتى إذا بيترافق العَتْقْ مع رفسة في قفاي، وبصقة في وجهي، راح كونْ إلك من الشاكرين طوال عمري.
قال جملته الأخيرة والتفت نحوي.
أبو الجود يعرف أنني لا أحب الأحاديث التي تدين المرأة وتبرئ الرجل. قلت له: ليش عَمْ تتطلع عليّ يا أبو الجود؟ أنا متلما بتعرف متضامن مع أختنا أم الجود، ودائماً بشعر نحوها بالامتنان، لأنو لساتها محتفظة فيك وما قلعتك من البيت، ومع هيك ما راح أقلبْ الحديثْ جَدْ. بالمناسبة، أنا بطلب منك، برجاءْ شديد، أنو تحكي لنا قصتك مع أم الجود، وكيف كانت من نصيبك، وتزوجتك.

قال: حاضر. يا شبابْ، أنا لما كنت زغيرْ كانت والدتي تأخدني معها عَ حَمَّام النسوان.
قال الخال أبو جهاد: كلياتنا كانوا أمهاتنا ياخدونا معهن إلى حمامْ النسوان. ولما الولد بيتجاوز سن السابعة كانوا النسوان يحتجوا على الأم ويقولون لها: حرام عليكي ابنك صوتو صاير خشن وتطليعاته علينا ما عادت نضيفة. وفي بعض الأمهات كانوا يجيبوا معهن الولد اللي كبر، ويْدَخّلُوه عَ الحمام تهريب، أو بعد دفعْ رشوة لعاملة الحمام (القَيّمة).

قال أبو الجود: المهم، أنا كنت شوفْ في حمام النسوان شوفة عجيبة. البنات العازبات كانوا يجيبوا (البيلونْ)، وينقعوه، وبعدها يجمعوه في قبضة اليد، ويكتلوه على شكل طينة، ويجوا إلى القسم الوسطاني من الحمام، وكل وحدة منهن تاخد قطعة طين وتضربها بالحيط، فإذا لزقتْ بيكون نصيب هالبنت بدو ينطلق، وتتزوج في القريب العاجل.

قال أبو زاهر: هذا الشيء معروف، ولكن أيش علاقتو بزواجك من أختنا أم الجود؟
قال: أنا لما كبرتْ وصرتْ في سن الزواج، كلما خطبت بنت ترفضني أو يرفضني أهلها بسبب ثلاثية الفقر والطفر والنحس.. واللي صارْ أنو زوجتي الحالية وافقت عليّ فوراً. والحقيقة قبل ما أخطبها صارت معي شغلة غريبة. كنتْ في البيت. متسطح وشارد، وفجأة نزلت على وجهي طينة (بيلونة).. أنا جفلتْ، وَقَّفْتْ، بحثت في الغرفة وبره الغرفة حتى أعرف من وين أجت البيلونة ما عرفت. وبعد الزواج حكت لي أم الجود أنها في هداكا الوقت كانت في حمام النسوان وضربتْ بيلونتها فالتصقتْ بالحيط وانفلشت وطلع معها صورة شاب كويس، بيشبهني. وقالت إنها بعد ضرب البيلونة كانت تتوقع أني أجي وأخطبها، وبالفعل جيت. وأنا ما قلتلا إني ما جيت بسبب البيلونة، وإنما جيت لأنو ما كان في بنت في كل البلد رضيت تتزوجني غير حضرتها!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...