سمر رمضاني... بنطلون أبو الجود ذو البقعة (4)

سمر رمضاني... بنطلون أبو الجود ذو البقعة (4)

13 مايو 2019
+ الخط -
قبل حلول رمضان بأيام قليلة، طَغَتْ مشاعرُ الفرح على صديقنا المفلس التاريخي "أبو الجود"، بعدما علم وتأكدَ من أننا سنعقد جلسات سمر رمضانية يومية، كعادتنا في كل سنة، وسيكون وجودُه بيننا شبيهاً بـ"عقود الإذعان"..

فهو مستثنى من دعوتنا إلى مائدته، لأنه لا يمتلك مائدة أصلاً، ومدعوّ إلى أكثر من عشرين جلسة عامرة بالطعام والشراب والسجائر وقصّ الحكايات والطرائف والمزاح والضحك، وهو لن يجلس بالقرب من عتبة الغرفة التي نسهر فيها بالقرب من الأحذية، كما يليق برجل متطفل، بل يجلس متكئاً على الأريكة في صدر المجلس، ويكون من حقه كلما حكينا حكاية أن يتدخل فيها، ويعلق عليها، ويكذب راويها أو يؤيده، ويعترض على قفلتها، كما لو أنه رجل من عَلِيّةِ القوم.

قال العم أبو محمد: يا أستاذ كمال أنا بدي أسألك سؤال واحد ولازم تجاوبني عليه بصدق. برأيك أنو الجلسة من دون "أبو الجود" ممكنة؟

هتف جميع الحاضرين قائلين ما معناه، أنه إذا غاب أبو الجود عن أي جلسة فستكون جلسة فاترة لا طعم لها، وسيفتح كل واحد من الساهرين موبايله وينشغل به وربما لن يكون هناك حديث مركزي مخصص للإمتاع والمؤانسة. وقف أبو الجود، اتجه نحو أبو محمد، انحنى عليه، وقَبَّلَ جبينه وقال: هادا هوي كلام الناس اللي بتفهمْ وبتقدِّرْ الله يطول عمرك ويحميك.


قال أبو زاهر: النكتة يا شباب بتحتاج لخيالْ واسعْ وخصب. وهاي هيي ميزة أخونا "أبو الجود". بدكن بصراحة؟ أنا في السهرة الماضية اندهشتْ من طريقتو في تفسير غنية كاظم الساهر "لَكْعِدْ لِكْ عَ الدربْ كعود".. قال بوقتها أنو البنت بتكون ماشية ومو منتبهة لشي، وفجأة بتلاقي الشاب اللي بيحبا قاعدْ لْها عَ الدربْ، وبهالحالة ممكن تخاف وترتعب، وبيجي الشاب بيراضيها وبيعملوا مشهد رومانسي.

قال أبو جهاد: أبو الجود واحد علاك، منشان هيك بتلاقيه طول النهار عم يعلك ويتفلسف ويخترع قصص.
قال أبو الجود: لو الشغلة اقتصرتْ عَ الحكي والعلاك والفلسفة واختراع القصص كانت ما أحلاها.
قال أبو ماهر: كيف يعني ما اقتصرت؟ يعني في شي تاني؟ طيب احكي لنا.

قال أبو الجود: اسمعوا هالقصة. أنا لما كنت عزابي حبيت بنت من ضيعتنا.. لا حدا يسألني إذا كانت البنت حلوة أو بشعة، قسماً بالله ما بعرف، لأنو العزّابي ما بعمرو بيهتم بالجمال، بس تْطَلَّعْ فيه بنت تطليعة وحدة بيطق عقلو من الفرح، وبيصير بيحب الأرض اللي بتمشي عليها هالبنت. المهم أنا فكرتْ أني أقعد لهالبنتْ عَ الدربْ قْعُودْ.

ضحك الحاضرون، وقال كمال: عن جد كلام حلو. حتى ممكن الواحد يعتبر هالحكي نوع من الفلسفة الحياتية.

تابع أبو الجود: بس أنا بهداكا اليوم خفتْ أنو يشوفني واحد من إخوتها أو وْلَادْ عمها، وأكيد إذا شافوني راح ينفضوني قَتْلة حَشْكْ ولَبْكْ ويساووني فرجة لكل أهل الضيعة. منشان هيك ابتعدت عن البنت اللي بحبا، وقررتْ أعمل نفس الحركة قدام مرتي.

سأله أبو وليد مندهشاً: قَعَدْتْلَّا عَ الدربْ؟

قال أبو الجود: طول بالك لا تستعجل. أبوها لمرتي كانت جَاييتو نوبة كرم مفاجئة، جمع بناتو، ودفع لكل وحدة مية وخمسين ليرة سورية، وقال لهن هدول خرجية إلكن ولعيالكن بمناسبة شهر رمضان. ومرتي اللي عايشة عندي عالفقر والطفر والنحس فرحتْ بالمصاري تبع أبوها، وشالت الحقيبة وراحت عالسوق، اشترت لحمة وفواكه وحلويات، ولما كانت راجعة عالبيت، متل سيارة شاحنة محملة، قعدت لها أنا عَ الدرب، ومن دون ما تكون منتبهة طلعتلا من زاوية الزقاق وقلت لها: بحبك!

ضحك الجميع، وقال الأستاذ كمال: أكيد قالت لك (تضرب).
قال أبو جهاد كما لو أنه يمثل موقف أم الجود: يحبك البرص إن شاء الله.

قال أبو الجود: مو بس قالت لي تضرب ويحبك البرص. يا سيدي، أول شي، من الرعبة، وقعوا الغراض اللي شايلتهن ع الأرض، وصارت تجمعهن وتحطن في الحقيبة وهيي عم تقلي تضرب من بين الرجال، الله يعدمني إياك، ويخلصني منك، بدي أفهم أنا اشو بستفيد من الحب تبعك؟ وأنا وهالولاد أشو مستفيدين من عيشتك معنا؟ والله إنو الحيط اللي مننسندْ عليه بينفع أكتر منك..

وبعد شوي قالت لي: تعا لشوف. قرب لعندي. قربت. صارت تطلع على بنطلوني من ورا، وقالت لي: كم مرة قلت لك إذا قعدتْ عَ الأرض اقعودْ عَ منطقة نضيفة؟ شوف بنطلونك شلون مبقِّعْ! تضربْ!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...