عزيزي العالم: اذهب أنت وربك فقاتلا

عزيزي العالم: اذهب أنت وربك فقاتلا

11 مايو 2019
+ الخط -
عزيزي العالم، يؤسفني إبلاغك أننا فشلنا، وأن الجدار الذي حاولنا تدعيمه وتحصينه لحماية شعبنا وحمايتك آخذ في التداعي. منذ ثماني سنوات والقتل لا يتوقف لحظة، طلبنا منك التدخّل وإيقاف المجرم، فقلت لنا: يمكنني أن أقدّم لكم ضماداً طبياً ودمعة. قلنا: يمكنك إيقاف القاتل، فقلت: نعم يمكنني ذلك ولكنني لا أريد. وهكذا رحنا نحدّث شعبنا عن الحرية والديمقراطية والعدالة بينما كانت أفواه أطفالنا تنزّ الزبد الكيماوي، وشبابنا يقتلون في المعتقلات، والطائرات تجرب فينا أحدث أسلحتها.

كنا دائماً بحاجة لتحرّك يثبت مصداقية العالم الديمقراطي الحر، يثبت أن القيم التي ندعو إليها شعبنا جيدة، وتستحق التضحية، كنا بحاجة لتحرّك منك يقلّم أظافر المجرمين ولكنك لم تفعل واكتفيت بالفرجة. واليوم لم يعد لنا أي صوت، بُحّت حناجرنا، باتت أصوات التطرّف ودعوات القتل والتصفية العرقية أعلى من أي وقت آخر.

ما عاد بإمكاننا إقناع أولئك الأطفال أنك لست عدواً، وحديثنا عن أهميتك بات غير ذي معنى عندما يسمعون تصريحاً من الرئيس الفرنسي يقول: "بشار الأسد عدو للشعب السوري، وليس عدواً لفرنسا"، وعندما تزوّد شركات أوروبية النظام السوري بأنظمة تجسّس أودت بحياة عشرات الناشطين، وعندما تزود شركات أخرى طائرات روسيا والأسد بالوقود لقتل وسحق ومحق ما تبق من شعب منتفض، وعندما يبارك سيد البيت الأبيض قزماً مسخاً في مصر وعندما وعندما، عندما يحدث ذلك كله لا يغدو للحديث عنك فائدة. لقد قنط شعبنا منك، وبات يرى أن مخلّصه الوحيد هو الله، والعلاقة مع الله في هذه الأرض تمر من فوهة بندقية وأحزمة ناسفة وسيارات مفخّخة!


ثماني سنوات كان أطفالنا يحلمون في بدايتها بالمدرسة ومدينة الألعاب وأفلام الكرتون، واليوم باتت أحلامهم متركزة حول الصواريخ المحمولة على الكتف المضادة للطائرات، والعمليات الانغماسية والأناشيد الجهادية. كيف يمكن لنا أن نحدّثهم عن مستقبل مختلف وهم يشاهدون المقاعد تخلو من أصدقائهم في المدرسة كل يوم أكثر فأكثر، كيف يمكن أن نحدّثهم عن مستقبل مختلف وجميعهم شاهد أشلاء صديق واحد له على الأقل مزقتها قذيفة عنقودية أو صاروخ فراغي. لا يا عزيزي، لا يمكننا، وما عادت لدينا الرغبة أصلاً في فعل ذلك، لقد فقدنا مصداقيتنا وبتنا في نظر أهلنا مجموعة من العملاء والخونة وبائعي الدماء. لذلك عليك أن تقتلع أشواكك بيديك، وأكثر ما يمكننا أن نقدمه لضحاياك هو ضماد طبي ودمعة!

ثماني سنوات ونحن نخاطبك بلغة غبية لا تعني لك شيئاً، لغة أرقام الضحايا وصور الخيام التائهة والأشلاء الممزقة والأعضاء المبتورة، ولكن في ميزان الربح والخسارة لم تكن تلك اللغة تعني لك شيئاً، حسناً. عليك الآن أن تستمع للغة التي تفهمها. لقد قدّمت لنا التنظيمات الإسلامية المتطرفة خدمات جليلة، وقصّرت علينا طريقاً طويلة طويلة، لقد فككت هذه التنظيمات خلال السنوات الماضية عبر تصرفاتها الجنونية صورة رجل الدين الذي يأمر فيُطاع، وانكشف زيف المجاهد الذي جاء لنصرتنا، فراح يرى كل نقيصة فينا ولكنه لا يرى قاتلنا. تصدّعت تلك الصورة التي ظننا أنها لن تنهار يوماً، وكنا بحاجة لدعم بسيط منك للإطاحة بالقاتل لنثبت للناس مصداقيتنا نحن في مقابل زيف المشاريع الأخرى، ولكنك لم تفعل، بل أفسحت المجال للدكتاتوريات لتتماسك مجدداً وتستعيد مجدها، وللمشاريع الجهادية لتنتعش هي الأخرى وتقتات على بقايا أرواح الضحايا الذين انتظروك مطولاً.

في سورية وفي مصر وفي ليبيا وغيرها، كان الجميع بحاجة لتحرّك ما يثبت مصداقيتك، ولكنك آثرت التعامل مع الدكتاتور، يغريك الدكتاتور بقدرته على ضبط الشعوب وسحقها وسوقها كقطيع من الأغنام أمامه، والتعامل مع الدكتاتور أسهل لك من التعامل مع شعب حرّ كما يبدو، حسناً هذا من حقك، ولكن ثمة مشكلة واحدة، مشكلة صغيرة، فالدكتاتوريات العربية لا تأتي بمفردها، ثمة مُنتَج إلزامي، يتوجب عليك شراؤه معها، اسمه تطرّف، ولعلك تعرفه أكثر باسم: الإرهاب. الإرهاب والدكتاتورية يا عزيزي وجهان لعملة واحدة، ندفع نحن ضريبة الوجه الأول، وأنت تتكفل بهلع الوجه الثاني، فمبارك عليك صفقتك.

اليوم يا عزيزي نعلن هزيمتنا، فلن نكون شهود زور، ولا عملاء يسعون لحمايتك على حساب مصالح شعبنا، كنا نريد دعمك لنصل بأهلنا نحو غدٍ أفضل، بعيداً عن القمع والقتل والتطرف وتكميم الأفواه والخطاب الطائفي والعنصري، ولكنك آثرت الدكتاتوريات.

اليوم يا عزيزي نزيح ما تبقى من أجسادنا المتهالكة وأرواح زملائنا القتلى عن بوابات الجنون التي حاولنا جاهدين إغلاقها، اليوم نقف صامتين أمام دعوات القتل الطائفي، والتصفية العرقية والجهاد العالمي، نقف صامتين أمام من يرى فيك عدواً أولاً، ولا يمكننا إلا أن نتمنى لمن سقط من ضحاياك ومن سيسقطون الرحمة، ولقلوب محبيهم الصبر، ولسان حالنا يقول: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا مخذولون!

دلالات