"تكريس" الحشيش و"تكريس" الشعور

"تكريس" الحشيش و"تكريس" الشعور

01 مايو 2019
+ الخط -
الدخان الأزرق تعبير عن حالة نفسية مزاجية، حالة تنتاب الإنسان وتنتاب المجتمع برمته، ولا يحتاج الأمر لـ"غرزة" لممارسة فعل التحشيش و"تكريسه"، فالغرزة مكان دنيء يجتمع فيه الحشاشون ليلاً للتدخين وللغياب عن الواقع، مكان قد يكون تحت كوبري أو بين المقابر بعيدا عن أعين السلطة وسطوتها، وفي مجتمعاتنا وللغرابة قد يكون تحت حراسة السلطة وحمايتها..

ولعله ونكاية في السلطة نفسها وفي تسلطها على الكراسي اخترع الحشاشون لفظ التكريس والكراسي، فالكراسي أحجار يوضع فيها "المعسل" وفوقه الحشيش وفوقه جمرة فحم تمهيدا لحرقه على أساس أنه حرام أو لشربه على أساس أنه حلال، في عملية فيزيقية كيميائية معقدة، تبدأ بمرور الدخان على سيفون ماء لزوم الفلترة وتنتهي بخروج الدخان الأزرق من "نغاشيش" المدخن وهو يتتبعها ببصره تماماً كما يتتبع المتوفى روحه المغادره في حالة مزاجية نفسية زرقاء يعيش معها حالة من "النرفادا" غير المعقولة، تبدأ بالهلاوس وتنتهي بما يشبه الحكمة والتي هي بنت أخت العبط.

ومن الممكن أن يكون الوطن كله غرزة - تحت قبة، فوق قبة، تحت كوبري، فوق كوبري - مش فارقة، المهم أن يعيش الجميع حالة ضبابية زرقاء لا وعي فيها ولا تفكير، ولن تجد مسطولا في يوم من الأيام يقر ويعترف بأنه مسطول، على العكس فالحشاش أول من يعتقد أنه صاحٍ و"مصحصح وفايق" وصاحب نظرة مستقبلية، وعليه فإن أروق نكتة وأعلى "إيفيهات" وأجمد "قلش" تأخذه من حشاش، وكلما كان الحشيش عالي الجودة كان "المزاج عنب" والحال "عال العال"، وهذا طبعاً غير "عبعال".


وكلما زاد التحشيش زاد فقدان الإحساس بالوجود كإنسان أو بالقيمة كمواطن ومن الممكن أن "يتلزق" الإنسان على قفاه من أي "عيل" صغير وفي أي موقف، فلا يلقي بالاً لكرامته المهانة أو لشخصيته المبعثرة، المهم هو استمرار الحالة الضبابية الزرقاء مع "كركرة الجوزة" والأفكار التحشيشية البالية في نفسية المواطن ووجدان الوطن وعقيدة من يحكمون الوطن.

وتأكيداً لهذه الحالة المتفردة في تاريخ الإنسان، لا بد أن نصل لمرحلة "التظبيط" والذي هو اختراع مصري.. "لازم أظبطك"، حيث يظهر تكريس الشعور كمعنى مصري لا يحمل أي شيء من الضبط، سوى ترضية وهمية من - المستخِف بكسر الخاء للمُستخَف به بضم الميم وفتح الخاء - معنى يحمل استخفافاً بالآخر واستهزاء به.

فالمستخِف بكسر الخاء يكرس شعوراً متداخلاً متماهياً في التداخل عند المَستخَف به بضم الميم وفتح الخاء.. شعور يحمل معاني كثيرة منها أنه أي المستخَف به - خلاص عرفنا إنه بضم الميم وفتح الخاء.. كفاية استخفاف بقى - هو السبب في كل ما يحصل وسيحصل للوطن من مصائب، وهو وحده المسؤول عن الكوارث المادية والمعنوية للوطن، وأنه لا يستحق ممارسة الديمقراطية بالمرة، وبالمرة كمان فموضوع الإنسانية موضوع مشكوك في أمره، تستغله منظمات وجهات خارجية تتآمر على الوطن وعلى المستخِف به نفسه، - خللي بالك من نفسك من الأفكار السودا دي -..

ولأن المستخف به مواطن مسالم محشش ومقتنع بكل هذا الاستخفاف، لا بد أن يظهر استسلامه لكل هذه المعاني، فيتكرس عنده شعور خالٍ من التعب ومن المسؤولية ومن الإحساس بأي ألم أو اعتراض، فيصبح مبدأه فى الحياة "اللي يتجوز أمي، أقوله يا عمي"، أو كما قال فرعون في القرآن الكريم "ما أريكم إلا ما أرى"، مع أن فرعون لم يكن صاحب رؤيا في أي شيء، بدليل أنه قال في جلسة "طق حنك" "أنا مش بتاع سياسة"، وأنه لم يتوقع أن أربع سنوات رئاسية أو ثماني سنوات حتى لن تكون كافية لتحقيق آمال الجيران وآماله الشخصية وأولاده من بعده.

"إيه دخل فرعون في الموضوع؟ أنا تقريبا حششت!".

ووسط هذا الدخان الأزرق وتكريس الشعور "تلاقي فيه ناس معترضة.. ياه معترضة!" وبصوت يوسف بيه وهبه "يا للهول".. "شوية عكننة" في جو متكرس بكراسي الحشيش والدخان الأزرق ناس معترضة بل وترى كل ما يحدث حالة تحشيشية مكتملة الأركان ومع سبق الإصرار و"الترصص" - أيوه الترصص - حالة تحشيشية تتضامن فيها كراسي الحشيش مع كراسي السلطة فى منظومة شاذة إنسانياً ودولياً، فلم يعد إنسانياً أو دولياً مثل هذه النظم القمعية الدكتاتورية الساذجة التي تقنع الشعب بأنه السبب في ما حدث له من فشل إداري ومالي، وأنه متخلف ويستحق درجة إنسانية أقل من غيره من الشعوب "لكم إنسانيتكم ولنا إنسانيتنا".. "وسيبوني أنا وشعبي أغسله وأكويه أفرده وأتنيه شعب ملاكي مالوش صاحب".. وقد يأتي عليه يوم يجدد الشعب كل أربع سنوات، ويبقى هو رئيساً مدى الحياة.
9BAC8C76-81E2-415D-900A-F59F6F42E04E
إيهاب أبو بكر الطباخ

الكلمة سلاح قوي في يد الضعيف. أكتب المقال والرواية والشعر وفي انتظار النشر!