في رحيل الأديب الإنسان

في رحيل الأديب الإنسان

27 ابريل 2019
+ الخط -

فُجعْنَا قبل أيام قليلة برحيل شاعر وأديب مغربي شاب، هو الأخ محسن أخريف الذي فارق الحياة يوم الأحد الماضي بمدينة تطْوان. أَمْرُ موت الأديب كموت غيره من بني البشر يبقى احتمالاً قائماً في كل حين، وهو مما يُحْزَنُ له وتَعْتَصِرُ القلوب لحصوله، بالرغم من إيماننا الراسخ بحتمية حدوثه. لكن رحيل الفقيد، خَلَّفَ حالة من الصدمة والحزن الكبيرين بين معارفه وأصدقائه وفي كل الأوساط.

ولعل مَأْسَوِيَّةَ الموت بِصعقٍ كهْربائِيٍّ في نشاط ثقافي، كان هو الساهر الأول على حسن تنظيمه وتسييره، مما ضاعف من أمر هذا الشعور. فقد أحسّ الجميع بِالغبنِ، وانعدام الحيلة إذ يُنْتَزعُ الْفَقِيدُ من بين الجموع انْتزاعاً، في لحظة كانت الأنظار فيها شاخصةً تُتَابعُ ما يحصل في ذهول. كما أن حداثة سنّه، فهو لم يُجاور الأربعين بعد، مِمَّا عمَّقَ حالة الحزن والحسرة لدى أصدقائه ومعارفه وكل الناس.

لكني أجد لعظَمِ فجيعتنَا في مُحْسِن أخريف سبباً آخر، فقد فقدنا برحيله جميعاً الْأَديب الإِنسان، فأن يُقرن الشعر والأدب الجميل بإنسانية وأخلاق مُرهفةٍ - كما كان مُتَحقّقاً لديه - هو أسمى ما يمكن أن يُرتجى فيمن كانت الكتابة والإبداع هاجسهُ الأول في حياة الناس البائدة هاته.

ويُعيدُنا هذا إلى سؤال الأدب والأخلاق مرة أخرى، الذي أعلن فيه موقفي الصريح والحاسم المنتصر للإنسان، واحتفائي الأكبر بالأديب الإنسان كما هو حالُنا اليوم في فقدنا لمحسن أخريف. فما أَحوْجنا في واقعنا المأسوي هذا إلى مبدعين من هذا المعدن؛ ينتصرون للبسطاء في قضاياهم، يبتسمون للجميع، ويشاركونهم الحديث بكل صدق وعفوية بعيداً عن منطق الفئة الأسمى.

نبكي الفقيد إذاً بكل حرقة، لأنه كان شاعراً و أديباً من عالم الأحياء الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ولم يكن نخبوياً منتمياً لدولة الثقافة والأدب المعلنة من جانب واحد، بل منتمياً لدولة الناس؛ ينير لهم الدرب ويساعدهم على فهم ما يحيط بهم، إذ تتداخل الصور وتَلْتَبِسُ الرؤية.

لقد رحل محسن أخريف، رحل الأديب الإنسان، لكن عزاءنا في فَقْده ما خَلَّفَهُ لنا من إبداع جميل وذكرى طيّبةٍ لإنسان أجْمل، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  

وَإِذْ تَمْضِي أَيُّهَا الْبَهِيُّ

طَيْفُكَ الْبَاقِي
وَذِكْرَاَكَ
وَالشِّعْرُ إِذْ نَظَمْتَهُ
تَنْفُثُ مِنْ روحِكَ فِيهِ
وَالرِّوَايَةُ
وَالْأدَبُ
وَكُلُّ قَلَمٍ احْتَضَنْتَهُ
وَكُلُّ وَرَقٍ
وَكُلُّ صُورَةٍ وَوَصْفٍ
وَكُلُّ مَعْنَى طَلبْتَهُ

أَوْ نَشَدَهُ قُرَّاؤكَ
هَاَكُمُ السِّرَّ
خُذُوهُ
لَمْ يَعُدْ مُحْسِنُ فِيهِ رَاغِباً
فَقَدْ رُفِعَ الْحِجَابُ
واتَّضَحَتِ الرُّؤْيَةُ

دلالات